ما مدى سميّة المعادن الثقيلة في طعام الرضّع وكيف يمكن التخلّص منها؟

ما مدى سميّة المعادن الثقيلة في طعام الرضّع وكيف يمكن التخلّص منها؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/ VictoriaArt
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

رقائق الأرز هي عنصر رئيسي في العديد من أنظمة الأطفال الغذائية حول العالم، وهي أول طعام صلب يتناوله الرضّع غالباً. مع ذلك، أصبحت هذه الوجبة من أغذية الأطفال التي تُثير قلق المشرعين وأولياء الأمور في السنوات الأخيرة.

تنمو أغلبية نباتات الأرز المزروعة مغمورةً بالماء في حقولها، وخصوصاً في جنوب قارة آسيا وجنوب شرقها، كما تُزرع أيضاً في الولايات المتحدة والعديد من البلدان الأخرى. وتمثّل هذه الحقول المغمورة بيئة باردة وخصبة توفّر محصولاً عالي الجودة، ولكن هذه البيئة تُتيح أيضاً تلوث الأرز بالمعادن الثقيلة السامة، مثل الزرنيخ والكادميوم والرصاص والزئبق.

المعادن الثقيلة وصحة الدماغ

يبدو أن بعض المعادن الثقيلة على الأقل يضر بنمو الدماغ والإدراك، كما ترتبط هذه المعادن بأمراض مثل أمراض الرئة والكلى والآفات الجلدية والسرطان. يعد التعرُّض للمعادن الثقيلة خطيراً بصورة خاصة بالنسبة للرضّع، لأنهم يتناولون كمية كبيرة من الطعام نسبة لأوزان أجسامهم، كما أن أنظمتهم الغذائية أقل تنوعاً مقارنة بالبالغين. الأطفال أيضاً حساسون بصورة خاصة لسميّة المعادن الثقيلة لأن أجسامهم لا تزال في طور النمو.

أصدرت اللجنة الفرعية الأميركية للإصلاح والرقابة المنزلية المعنية بالسياسة الاقتصادية والاستهلاكية تقريراً في فبراير/ شباط 2021 عن المعادن الثقيلة في أغذية الأطفال التي ينتجها عدد من أكبر الشركات المُصنّعة في البلاد. واختتمت اللجنة هذه الوثيقة المكونة من 59 صفحة بدعوة إدارة الغذاء والدواء الأميركية لاتخاذ إجراءات فورية.

وبعد شهرين، أعلنت إدارة الغذاء والدواء عن مبادرة باسم “أقرب إلى الصفر” (Closer to Zero)، التي تطبّق نهجاً تكرارياً في أبحاثها للتقليل من تعرض الرضّع والأطفال للمعادن الثقيلة. أصدرت إدارة الغذاء والدواء مسودة إرشادات حول معدن الرصاص في عصير الفاكهة والخضروات في أبريل/ نيسان 2022، وفي أغذية الأطفال في يناير/ كانون الثاني 2023، وأُجّل إكمال خطط العمل المتعلقة بالمعادن مثل الزرنيخ والكادميوم والزئبق حتى عام 2024 على أقل تقدير.

اقرأ أيضاً: ما الأسباب الكامنة وراء حدوث كهرباء الدماغ عند الأطفال وكيف تُعالج؟

التخلص من المعادن الثقيلة في أغذية الأطفال لن يكون سهلاً

في غضون ذلك، يواصل علماء النبات وعلماء كيمياء التربة وعلماء الوراثة النباتية الذين عملوا فترة طويلة على تقليل نسب المعادن الثقيلة في الغذاء البحث عن حلول محتملة، من الممارسات الجديدة في إدارة الأراضي إلى تطوير الأسمدة النانويّة الحجم إلى الهندسة الوراثية. لم تصبح هذه التكنولوجيات جميعها قابلة للتطبيق حتى الآن، لكن التخلص من المعادن الثقيلة تماماً لن يكون سهلاً حتى عندما تصبح كذلك.

مع ذلك، يشعر بعض الخبراء بالتفاؤل حول الإمكانات المتاحة. قال أستاذ التكنولوجيا الحيوية للمحاصيل في جامعة ماساتشوستس في مدينة أمهيرست، أوم باركاش دانكر (Om Parkash Dhankher)، إنه على الرغم من “غياب حل واحد سحري لهذه المشكلة، فهناك الكثير من التكنولوجيات والممارسات التي يمكن للمزارعين تطبيقها”.

توجد المعادن الثقيلة بشكلٍ طبيعي في القشرة الأرضية وتشق طريقها إلى طبقات المياه الجوفية والأنهار عندما تنتقل المياه عبر التكوينات الصخرية تحت الأرضية وتذيب العناصر السامة. على سبيل المثال، يوجد الزرنيخ بنسب عالية في المياه الجوفية في الولايات المتحدة والصين والهند. بالإضافة إلى ذلك، أسهمت الممارسات الزراعية في التلوث بالمعادن الثقيلة. الولايات المتحدة هي الدولة الأكثر استخداماً للزرنيخ في الزراعة والصناعة في العالم. وعلى الرغم من حظر المبيدات الحشرية التي تحتوي على الرصاص والزرنيخ في ثمانينيات القرن الماضي، فقد تحتوي التربة ومياه زراعة الأرز وحبوب الأرز نفسها على نسب يمكن اكتشافها من هذه السموم حتى الآن.

تمتص جذور نبات الأرز هذه الملوثات، كما أنها تمتص المغذّيات باستخدام البروتينات الموجودة في جدران خلاياها. ووفقاً لباركاش، “يسيطر” الزرنيخ على مسارات الامتصاص هذه. وينتقل من الجذور إلى الأوراق والحبوب مع نمو النبات.

اقرأ أيضاً: أضرار وأسباب التدخين: كيف تُتلف رئتك وتمرض بأموالك؟!

تحييد الزرنيخ باستخدام الكبريت والبكتيريا

يبحث العلماء مثل باركاش عن طرق لمنع النباتات من امتصاص الزرنيخ في المقام الأول. وينطوي أحد النُهُج على إضافة كمية زائدة من الكبريت إلى التربة التي ينمو فيها الأرز، وهو عنصر يمكن أن يرتبط بالمعادن السامة ويزيد من صعوبة امتصاصها.

يعد التعرُّض للمعادن الثقيلة خطيراً بصورة خاصة بالنسبة للرضّع، لأنهم يتناولون كمية كبيرة من الطعام نسبة لأوزان أجسامهم، كما أن أنظمتهم الغذائية أقل تنوعاً مقارنة بالبالغين.

عمل باركاش ومدير مركز محطة التجارب الزراعية في ولاية كونيتيكت الأميركية (​​Connecticut Agricultural Experiment Station)، جيسون وايت (Jason White) في السنوات الأخيرة على البحث في هذه العملية على نطاق صغير جداً. بالنظر إلى كيفية ارتباط الكبريت بالمعادن السامة، بحث باركاش ووايت في طرق يمكن من خلالها استخدام التكنولوجيا النانويّة، التي تنطوي على معالجة المواد على مقياس جزء من مليار جزء من المتر، لمعالجة التربة. ووجد الباحثان في دراسة حديثة، أن نباتات الأرز المعالجة بكلٍّ من الزرنيخ غير العضوي (الشكل الأكثر سميّة للزرنيخ) والكبريت النانويّ احتوت على كمية من الزرنيخ أقل بنسبة 32% من الكمية المتراكمة في أنسجة الجذور مقارنة بالنباتات التي تلوثت بالزرنيخ غير العضوي فقط.

يمكن أن تكون التعديلات الأخرى على الحقول الزراعية مفيدة أيضاً. تمتص النباتات البرية مثل السبانخ المائي (water spinach) والرازيانة (water celery) أيضاً المغذّيات والسموم، ودرس العلماء إمكانية تطبيق الزراعة البينيّة (زراعة محصولين أو أكثر في حقل واحد بشكلٍ متداخل) في حقول الأرز لإزالة الملوثات. عندما تُزرع هذه الخضروات المائية جنباً إلى جنب مع الأرز، تنخفض التركيزات الإجمالية للزرنيخ في التربة وتمتص هذه النباتات البرية هذا العنصر. يتحمّل بعض أنواع البكتيريا مستويات عالية من الزرنيخ والرصاص والزئبق والكادميوم، ووجد العلماء أن بعض أنواع البكتيريا يخفف من الآثار السميّة لهذه المعادن الثقيلة في النباتات. يمكن أن تخفّض الكائنات الدقيقة الأخرى من تراكيز الزرنيخ في المحاصيل أيضاً، وعدّل العلماء البكتيريا وراثياً بطريقة تجعلها قادرة على تركيب بروتين معين يعزز قدرتها على تفكيك الزرنيخ.

لم يُطبّق بعض هذه النُهج بعد في تدخلات واسعة النطاق خارج المختبرات، قالت عالمة التربة والكيمياء البيئية في جامعة ولاية كانساس الأميركية، غانغا هيتيراتشي (Ganga Hettiarachchi): “لا يفكّر العلماء حتى بالتطبيق العملي في هذا المجال”، مشيرة إلى شراكة عمرها قرن من الزمن بين وزارة الزراعة الأميركية وجامعات الأراضي الممنوحة تهدف إلى التطبيق العملي للأبحاث العلمية في المزارع ومجال إنتاج الغذاء. تشعر هيتيراتشي بالقلق من عدم معرفة المزارعين كيفية تطبيق أحدث الأبحاث حول التربة وإدارة الأراضي. ولكنها متفائلة أيضاً؛ إذ تقول: “لاحظت أن هذا يتغيّر”.

اقرأ أيضاً: هل يمكن أن يؤثّر التلوث الناجم عن حركة المرور على وزن الأطفال عند الولادة؟

مع ذلك، لا يمكن حتى الآن تطبيق بعض الأبحاث حول المعادن الثقيلة الموجودة في الأرز عملياً. قالت عالمة الوراثة النباتية في إدارة الأبحاث الزراعية في وزارة الزراعة الأميركية، شانون بنسون (Shannon Pinson)، لموقع أندارك إن الهندسة الوراثية للأرز بهدف منعه من امتصاص المعادن الثقيلة ليست مجالاً سهلاً. لا يُنتَج الأرز المعدّل وراثياً تجارياً في الولايات المتحدة، ولكن قالت بنسون إن تكنولوجيا التعديل الوراثي للأرز ساعدت الباحثين على فهم كيفية امتصاص النباتات للمعادن الثقيلة. على سبيل المثال، تبيّن الأبحاث التي أجرتها بنسون أن تراكم الزرنيخ لا تتحكّم فيه مورثة واحدة بل عدة مورثات لها تأثيرات فردية طفيفة، ولكن ذلك لا ينطبق على أصناف الأرز جميعها؛ إذ يحتوي بعضها على كمية أكبر من الزرنيخ والمعادن الثقيلة.

صعوبة التخلص من الزرنيخ باستخدام أساليب الهندسة الوراثية

في مقال نُشر عام 2015، فحص فريق بنسون 1,763 نوعاً من أصناف الأرز من جميع أنحاء العالم وقارن تراكيز كل من الزرنيخ العضوي وغير العضوي في مراحل مختلفة من دورة نمو النبات. وفقاً لبنسون، فإن الجانب الإيجابي هو أن المورثات المسؤولة عن الحد من امتصاص كلا الشكلين من الزرنيخ موجودة بالفعل في الأصناف التي تُزرع في الولايات المتحدة. لكن هذا يعني أنه من المحتمل أن هذه النباتات تقلل كمية الزرنيخ الممتصة قدر الإمكان بالفعل، وأن “اكتشاف مورثات إضافية من شأنها أن تقلل من نسبة الزرنيخ في أصناف الأرز الأميركية من خلال الزراعة التقليدية لن يكون سهلاً”.

يتمثل أحد التحديات المتعلقة بالتلاعب بكيمياء التربة وتطبيق علم الوراثة النباتية في أن منع امتصاص الزرنيخ يمكن أن يؤثّر في طريقة امتصاص النبات للمغذيات الأخرى، قال باركاش: “هناك توازن هنا، أي مقايضة بين المغذيات الضرورية وهذه العناصر السامة. هذا النظام معقّد للغاية”.

تتجاوز تأثيرات هذه المقايضة بين المغذّيات والمعادن الثقيلة الإجراءات التي يمكن اتخاذها في حقول الأرز، وعندما يتعلق الأمر بوضع قواعد حول الطعام لن يكون التعرض للسموم الاعتبار الوحيد.

صعوبة التحكم في سلاسل توريد أطعمة الرضع المعتمدة على الأرز والمنخفضة الزرنيخ

تشير إدارة الغذاء والدواء في الإرشادات الحديثة حول الزرنيخ في رقائق الأرز المخصصة للرضع والرصاص الموجود في أغذية الأطفال عموماً إلى أن الشركات المصنّعة قد لا تتمكن من الالتزام بالقيود الصارمة. قالت بنسون لموقع أندارك إنه على الرغم من أن إنتاج الأرز الذي يحتوي على نسب منخفضة نسبياً من الزرنيخ ممكن، فالظروف في سلسلة التوريد تجعل إنتاج أطعمة الرضع المعتمدة على الأرز والمنخفضة الزرنيخ صعباً، ويعود ذلك جزئياً إلى أن البائعين يدمجون الحبوب من حمولات شاحنات تأتي من مزارع مختلفة في الصناديق نفسها، ما يجعل تتبع الأرز الذي يحتوي على نسبة منخفضة من الزرنيخ صعباً.

يمكن أيضاً أن تؤدي عملية التصنيع إلى ازدياد تراكيز الزرنيخ في منتجات أغذية الأطفال التي تصل إلى المتاجر، وجد تقرير اللجنة الفرعية للسياسة الاقتصادية والاستهلاكية الذي نُشر في فبراير/ شباط 2021 أنه في الاختبارات التي أجريت على منتجات شركة واحدة على الأقل، كانت مستويات الزرنيخ غير العضوي أعلى بنسبة 28-93% في المنتجات النهائية مقارنة بالنسبة في المكونات. يشير التقرير إلى أن المستويات العالية من الزرنيخ في المواد المضافة، مثل خلطات الفيتامينات والتوابل، هي سبب الارتفاع الكبير في النسب قبل التصنيع وبعده.

قالت المتحدثة باسم إدارة الغذاء والدواء، إليزابيث ديفيس (Elisabeth Davis)، لموقع أندارك، إنه إذا لم تتمكن شركات المواد الغذائية من الالتزام بالقيود المفروضة على استخدام المعادن الثقيلة في منتجاتها، فسيعاني المستهلكون من عواقب اقتصادية غير مقصودة؛ تتضمن “الحد من قدرة المستهلكين على الحصول على الأطعمة التي لها فوائد غذائية كبيرة من خلال جعلها غير متوفرة أو باهظة الثمن بالنسبة للعديد من العائلات، أو زيادة نسب أحد الملوثات البيئية بشكلٍ غير متعمّد عند تعديل الأطعمة وراثياً بهدف خفض نسب ملوث آخر”.

أصدرت إدارة الغذاء والدواء في مارس/ آذار 2016 تقريراً لتقييم المخاطر قارن فيه الخبراء بين الآثار الاقتصادية ومخاطر الإصابة بالسرطان مدى الحياة المترافقة مع تطبيق إرشادات مختلفة الشدة حول استخدام الزرنيخ، قارن الخبراء أيضاً بين تأثير القيود المختلفة حول عدد الأجزاء لكل مليار جزء من المواد السامة (ليست واحدة كتلة، بل وصف لنسبة). على سبيل المثال، تساوي نسبة الملح في مسبح بقياس أولمبي بعد إضافة نحو نصف ملعقة صغيرة من الملح جزءاً واحداً من مليار جزء. على الرغم من أن الالتزام بحد يبلغ 100 جزء من مليار جزء يمكن أن يؤدي إلى انخفاض بنسبة تتراوح بين 4 و93% في كمية الأرز المستهلكة في الإمدادات الغذائية، حسبت إدارة الغذاء والدواء أن الحد البالغ 75 جزءاً من مليار جزء يمكن أن يؤدي إلى خسارة تتراوح بين 14 و99%.

قدّر الخبراء في هذا التقرير أيضاً متوسط خطر الإصابة بالسرطان مدى الحياة المقابل لاستهلاك الرضّع مستويات مختلفة من الأرز الذي يحتوي على نسب مختلفة من الزرنيخ غير العضوي: بالنسبة لرقائق الرضع المصنوعة من الأرز الأبيض، سيقلل الحد البالغ 100 جزء من مليار جزء من خطر الإصابة بالسرطان بنسبة 19% تقريباً، بينما تبلغ هذه النسبة 41% و79% عند الحدّين البالغين 75 جزءاً و50 جزءاً من مليار جزء على الترتيب.

تُعدّ نماذج الخطر التي استخدمها مؤلفو التقرير نُهجاً معيارية، لكن الخبراء قالوا لموقع أندارك إن علم حساب المخاطر الصحية المتعلقة بالتلوث بالمعادن الثقيلة معقّد. قال وايت إنه في حين أن حساب التعرض المحتمل للمواد السامة من الماء سهل للغاية، فعندما يتعلق الأمر بالطعام، “لا توجد طريقة تمكننا من حساب هذه المخاطر حالياً”.

اختلاف حول نسبة الزرنيخ الآمنة في أغذية الأطفال

أوصت إدارة الغذاء والدواء في النهاية أن نسبة الزرنيخ غير العضوي يجب أن تساوي 100 جزء من مليار جزء، وهي نسبة اقترحتها الإدارة لأول مرة في مسودة إرشادات في أبريل/ نيسان 2016 أُنهي العمل عليها في أغسطس/ آب 2020. هذه النسبة أعلى بكثير من النسبة البالغة 10 أجزاء من مليار جزء التي اقترحها المشرعون الوطنيون في قانون سلامة أغذية الأطفال، وهو مشروع قانون يماطل الكونغرس الأميركي في إقراره منذ مارس/ آذار 2021. من شأن هذا القانون أن يجعل نسب الزرنيخ غير العضوي في الطعام متوافقة مع ما نص عليه معيار وكالة حماية البيئة الأميركية الخاص بمياه الشرب، على الرغم من أن نسبة 100 جزء من مليار جزء في الأطعمة أقل مما تنص عليه المعايير الطوعية التي وضعتها هيئة الدستور الغذائي (Codex Alimentarius) الدولية الرائدة المعنية بمعايير الغذاء.

مثل جميع إرشادات إدارة الغذاء والدواء المتعلقة بنسب المواد المختلفة في الغذاء، فإن نسبة 100 جزء من مليار جزء من الزرنيخ في رقائق الأرز المخصصة للرضع هي مجرد توصية وليست مُلزِمة قانونياً. لكن يبيّن بعض الأدلة العلمية أن هذا التغيير قد يكون مفيداً؛ إذ تشير إدارة الغذاء والدواء إلى أن متوسط تراكيز الزرنيخ في رقائق الأرز المخصصة للرضّع يتبع نمطاً تنازلياً طفيفاً منذ إصدار مسودة الإرشادات لأول مرة.

اقرأ أيضاً: أضرار وأسباب التدخين: كيف تُتلف رئتك وتمرض بأموالك؟!

مع ذلك، تشير التحقيقات الحديثة التي أجرتها كلٌّ من مؤسسة كونسيومر ريبورتس (Consumer Reports) غير الربحية ومجموعة المناصرة رضّع أصحاء لمستقبل مشرق (Healthy Babies Bright Futures) إلى أن بعض أغذية الأطفال في المتاجر في جميع أنحاء الولايات المتحدة يحتوي على أكثر من 100 جزء من مليار جزء من الزرنيخ، وتجاوزت نسبة الزرنيخ في 4 من أصل 7 أنواع اختُبرت من رقائق الأرز المخصصة للرضّع النسبة التي أوصت بها إدارة الغذاء والدواء. أظهر التقرير الذي نُشر في فبراير/ شباط 2021، بالإضافة إلى تقرير متابعة صدر في سبتمبر/ أيلول من العام نفسه، أن العديد من الشركات حدد نسباً خاصة للزرنيخ تتجاوز النسب التي أوصت بها إدارة الغذاء والدواء.

وجد بعض الشركات أن نسب الزرنيخ في رقائق الرضّع تتجاوز حدودها القصوى، قال الخبراء في التقرير: “يثق عوام الناس بمصنّعي أغذية الأطفال بصورة خاصة؛ إذ يعتقد المستهلكون أن المصنّعين لن يبيعوا منتجات غير آمنة، كما يعتقدون أن الحكومة الفيدرالية لن تسمح ببيع أغذية الأطفال غير الآمنة”. ولكن الشركات المصنّعة والجهات الرقابية “خانت هذه الثقة”، حسب تعبير الخبراء.

ثقة مفرطة من قبل المستهلك

على الرغم من وجود أدلة تُبيّن وجود الزرنيخ في رقائق الأرز المخصصة للرضع بنسبة تزيد على 100 جزء من مليار جزء، لم تسحب الشركات المصنّعة أي منتج من السوق أو تعدّله بتفويض من إدارة الغذاء والدواء. بدلاً من ذلك، سحب بعض الشركات المنتجات طوعياً من المتاجر. أعلنت شركة بيتش-نَت (Beech-Nut) أنها ستسحب نفسها من سوق رقائق الأرز بالكامل في يونيو/ حزيران 2021.

لا تقتصر المصادر المحتملة للتعرض للمعادن الثقيلة على المنتجات التي تغطّيها مبادرة أقرب إلى الصفر السابقة الذكر، ولم تضع إدارة الغذاء والدواء معايير خاصة بنسب المعادن الثقيلة في الأطعمة بخلاف المستويات التي تستوجب التدخّل للزرنيخ الموجود في رقائق الأرز المخصصة للرضّع ومستويين أوليين موصى بهما يتعلقان بالرصاص الموجود في العصير وأغذية الأطفال عموماً. وعلى الرغم من إمكانية اختبار الأطعمة المصنّعة منهجياً بحثاً عن المعادن الثقيلة، بيّنت أبحاث هيتيراتشي أنه حتى الحدائق المنزلية والمجتمعية يمكن أن تكون ملوثة، ما يعني أن خطر التعرض للمواد السامة يبقى قائماً حتى عند استهلاك الأطعمة المحلية الصنع.

قالت هيتيراتشي إن الجهود التي بذلتها إدارة الغذاء والدواء بهدف تقليل التعرض للمعادن الثقيلة حتى الآن مفيدة، وإنها تؤيد مبادرة أقرب إلى الصفر بالكامل. ولكنها تعتقد في الوقت نفسه أنه يتعين علينا اتخاذ إجراءات أكثر فاعلية بكثير.