هل يستدعي الظهور الجديد لفيروس شلل الأطفال في لندن ونيويورك قلقاً عالميّاً؟

ظهور جديد لشلل الأطفال
حقوق الصورة: shutterstck.com/ Asianet-Pakistan
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

حتى ستينيات القرن الماضي، كان شلل الأطفال أحد أكثر الأمراض إثارة للخوف في العالم، إذ أودى بحياة أكثر من 15 ألف شخص سنوياً في أميركا وحدها، ومعظمهم دون سن الخامسة. ولكن في عام 1961 تم ترخيص أول لقاح حي موهن فموي لفيروس شلل الأطفال، فبدأت أعداد الإصابات بالانحسار حتى أعلنت القارة الأميركية خلوها منه بشكل تام عام 1994، وتبعتها باقي دول العالم، وصولاً إلى القارة الإفريقية عام 2020.

لكن في يونيو/ حزيران من عامنا الحالي، أصيب شاب أميركي في العشرين من عمره بفيروس شلل الأطفال، تبعه تسجيل ظهور لنفس السلالة من الفيروس في عينات مياه الصرف الصحي  في لندن ونيويورك، وبكميات وبائية، فلماذا عاد فيروس شلل الأطفال للظهور؟

ما هو داء شلل الأطفال

هو مرض معدٍ، يسببه فيروس شلل الأطفال. يدخل الجسم عن طريق الجهاز الهضمي، ويتكاثر في الأمعاء، ومنها يهاجم الجهاز العصبي، وقد يسبب الشلل خلال بضع ساعات. تعد السلالة البرية منه الأكثر وحشية، فعندما يخرج الفيروس مع البراز ينتشر بسرعة في الأماكن غير النظيفة. تتفاوت الأعراض بين الصداع والإعياء، إلا أن نحو 0.5% من المصابين ينتهي بهم الأمر بالإصابة بالشلل، ويموت ما بين 5-10% من بينهم بعد وصول الشلل إلى عضلات التنفس. في حين قد يحمل 90% من المصابين العدوى في أمعائهم دون أن تظهر عليهم علامات المرض، وقد ينقلونها لآلاف الأشخاص، وذلك عبر ملامسة طعام أو ماء ملوث ببراز الشخص الحامل للعدوى. لذا، تؤكد منظمة الصحة العالمية أن وجود حالة واحدة مؤكدة بشلل الأطفال، هو مؤشر قوي لوجود وباء.

مصدر العدوى الجديدة: اللقاح نفسه

إلى جانب النوع البري من فيروس شلل الأطفال، والذي ينتشر اليوم في باكستان وأفغانستان، هناك سلالتان إضافيتان ونوعٌ مشتق من اللقاح الفموي. تستخدم الدول الغنية لقاحاً عن طريق الحقن يعتمد على فيروس معطل، أي غير قادر على نقل العدوى، بينما تلجأ الدول الفقيرة إلى استخدام اللقاح الفموي الذي يعتمد على سلالة ضعيفة من الفيروس الحي، والذي يتمتع بميزة “التطعيم السلبي”. والتطعيم السلبي هو وصول السلالة الضعيفة لفيروس اللقاح إلى أشخاص آخرين عن طريق ملامسة ما هو ملوث ببراز الشخص الذي أخذ اللقاح الفموي مؤخراً، حيث يحتفظ الفيروس بتأثيره خارج الجسم لبضعة أسابيع، وبالتالي يكتسب التطعيم من يبتلع جزيئات الفيروس من المواد الملوثة به، كما في الأماكن التي تعاني من سوء الصرف الصحي، إلا أن بعض الفيروسات قد طوّرت طفرات حوّلتها إلى شكل أكثر خطورة.

لماذا الآن؟

وفقاً لليونيسيف، تسببت جائحة كوفيد-19 في أكبر تعطل لبرامج تطعيم الأطفال الروتينية حول العالم، في جيل واحد، ما ساهم في انتشار السلالة الجديدة المشتقة من اللقاح لفيروس شلل الأطفال، بالإضافة إلى معدلات التلقيح المنخفضة في بعض الدول الفقيرة، كما في إفريقيا وأجزاء من آسيا وشرق البحر المتوسط، وهو النوع ذاته الذي تم اكتشاف تسلسله الجيني في الشاب وفي مياه الصرف الصحي في لندن ونيويورك، ولكن لم يتضح حتى الآن كيف انتقل الفيروس من مكان إلى آخر أو نقطة انطلاقه، وما زاد من غموض الأمر هو أن كلاً من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة تستخدمان اللقاح عن طريق الحقن الذي يحتوي على فيروسات معطلة لا يمكنها أن تسبب شلل الأطفال المشتق من اللقاح.

يقول الطبيب بول أوفيت، وهو مديرمركز التثقيف بشأن اللقاحات في مستشفى الأطفال في فيلادلفيا: “ربما لم نكن لنتغلب على شلل الأطفال في العالم النامي دون لقاح شلل الأطفال الفموي، لكن هذا هو الثمن الذي ندفعه الآن”.

ما مدى انتشار الفيروس خارج المناطق التي تم رصده فيها لأول مرة؟

تخوفاً من انتشار وباء عالمي جديد، بدأت الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة بمراقبة مياه الصرف الصحي لتحديد مدى انتشاره. في لندن، لم يتم حتى الآن، ومنذ أول اكتشاف لفيروس شلل الأطفال في مياه الصرف الصحي في فبراير/ شباط الماضي، الإبلاغ عن انتشار للفيروس خارج المدينة، أمّا في نيويورك فكانت الأوضاع أكثر إثارة للقلق، إذ تم اكتشاف الفيروس في مقاطعتين بالإضافة إلى مدينة نيويورك.

أشار أوليفر روزنباور (Oliver Rosenbauer)، المتحدث باسم المبادرة العالمية لاستئصال شلل الأطفال في العالم، إلى أنه على الرغم من تفشي عدة حالات في اليمن وعدد من البلدان الإفريقية، فإنها ما زالت ضمن نطاق ضيق، ما يشير إلى التقدم الذي يتم إحرازه حول العالم من خلال حملات التطعيم. ولكن يبقى الوضع غير محسوم في الأماكن المضطربة سياسياً وعسكرياً، مثل أفغانستان، حيث يكون التلقيح صعباً. يقول روزنباور: “نحن بحاجة إلى الإرادة السياسية لتنفيذ خطة للوصول إلى جميع الأطفال في المناطق الصعبة، بخلاف ذلك، فإن المرض سوف يعود عالمياً”.

اقرأ أيضاً: هل يقف العالم على مشارف جائحة جديدة مع تزايد حالات الإصابة بجدري القرود؟ 

يبقى الأفراد غير الملقحين، أو الذين يعانون من بعض أمراض المناعة، هم الأكثر عرضة للإصابة بفيروس شلل الأطفال مع القدرة على تطوير النوع المشتق من اللقاح، ونقل العدوى إلى غيرهم. لذا يشير ديفيد هيمان (David Heymann)، عالم الأوبئة في كلية لندن للصحة والطب الاستوائي، إلى أن الحل لاحتواء الوباء قبل انتشاره وتحوله إلى جائحة عالمية هو بحماية الأطفال من خلال تلقيحهم.