قد تكون فترة التباعد الاجتماعي فرصة نادرة لتحسين نومنا

نوم, توقيت, صحة
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تعرقل جائحة فيروس كورونا روتين حياتنا اليومي في جميع أنحاء العالم. وينعكس صدى ذلك في حالة من الرعب بسبب المستشفيات المُكتظة، والمدارس المهجورة، والمدن التي تبدو وكأنها مدن أشباح، والحجر الذاتي في المنازل. لكن ما نعيشه حالياً حقيقةٌ مؤلمة في الواقع.

تعمل الشركات على تسريح العمال لديها بالآلاف، وتترنّح صناعة الخدمات على حافّة الانهيار، وفجأة، لم تعد أفكار الاشتراكية سيئة جداً بالنسبة للمواطن العادي. وفقاً لاستطلاع حديث أجرته جامعة جنوب كاليفورنيا، يشعر حوالي 40% من الناس بالقلق من انتشار الفيروس، وأكثر من 50% يتجنبون بعض، أو جميع الأشخاص الآخرين.

بصفتي أخصائي في علم النفس، وأعمل على فهم دور النوم في حياتنا، فإنني أركّز غالباً على كيفية تأثير دورة النوم على حياتنا الاجتماعية اليومية. مما جعلني أفكر في شيءٍ واحد يمكننا القيام به في ظل هذه الأزمة، خصوصاً بالنسبة لأولئك الذين يلتزمون منازلهم؛ ألا وهو النوم.

النوم في زمن جائحة كورونا

أحد أهمّ العوامل الوقائية والصحية في حياة الإنسان، هي حالة الانفصال عن العالم التي نعيشها في المنازل. لذا يمكننا استغلالها في النوم. النوم ضروري للتفكير السليم والبقاء متفائلاً في جميع الأوقات. وعلاوةً على ذلك، لا غنى عن النوم للحفاظ على مناعتنا، وهو أمرٌ أساسي للوقاية من الأمراض المعدية والتعافي منها؛ مثل مرض كوفيد-19 الذي يسببه فيروس كورونا. قلّة النوم تجعلنا أكثر عرضة للإصابة بالعدوى الفيروسية، وتبطئ التعافي من نزلات البرد ومن الحالات الأكثر خطورة. ولذلك يعدّ نيل قسطٍ واف من النوم مهماً جداً.

لسوء الحظ، في الأوقات التي نحتاج فيها النوم أكثر، خصوصاً في أوقات التوتر والقلق الاجتماعي، يضطرب نومنا أكثر. قد يدفعنا القلق بشأن المستقبل والخوف على صحة أحبائنا إلى التأثير سلباً على نومنا؛ من خلال زيادة «استجابة الكرّ والفرّ» (وسيلة دفاعية) والتأمل الارتجاعي (استعادة الذكريات ومراجعتها)، مما يزيد من شدّة الأرق. كما إنّ ابتعادنا عن روتين حياتنا الاجتماعية وعن الضوء الطبيعي سيزيد من اضطراب ساعة الجسم البيولوجية، مما قد يزيد ارتباكنا في معرفة الوقت الذي يُفترض فيه أن نشعر بالتعب، ومتى نكون أصحّاء وسعداء.

معظم الأميركيين لا يلتقون ببعضهم خلال هذه الأزمة. تشير الأبحاث التي أجريناها لمئات الآلاف من الأميركيين على مدى السنوات القليلة الماضية؛ باستخدام بيانات مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها؛ إلى أنّ ظهور الهواتف الذكية أدى إلى تدهورٍ كبير في مدّة وجودة النوم. ومن الأمثلة على ذلك، يشير تحليل حديث أجراه فريقي إلى أنّ ملايين الأميركيين أبلغوا عن مشكلاتٍ في النوم خلال السنوات الخمس الماضية.

كما المشاكل النفسية ليست ببعيدةٍ عن ذلك أيضاً، لكنّها ستسجل ارتفاعاً أكبر بعد أن تبدأ معدلات الإصابة بالفيروس بالانخفاض. فبمجرّد أن يصل الوباء إلى ذروته، ويبدأ المرضى بالتعافي، عندها فقط ستظهر العواقب الكاملة له على رفاهنا. يجب توقّع الارتفاع الحتمي في المشاكل النفسية، الانتحار، واضطرابات تعاطي المخدرات والتحضير لتخفيف آثارها منذ الآن. علينا تذكّر «الركود الكبير» الذي حدث في عامي 2008-2009، حيث عانى ملايين الأشخاص من مشاكل صحية ونفسية في الولايات المتحدة وأوروبا.

كيف نحافظ على نوم صحي؟

رغم التهديدات والتحديات في ظل الأزمة الحالية، توفّر هذه الظروف فرصة حقيقية لتحسن نومنا. متى كانت آخر مرة حظِي الناس بنوم هادئ دون الحاجة إلى ساعة تنبيه لإيقاظهم صباحاً؟

بالإضافة إلى تواصلنا مع الأشخاص الأقرب إلينا، يمكن للكثير نيل قسطٍ كافٍ من النوم وتنظيم حياتهم بطريقة تناسب ساعتهم البيولوجية. يمكن لمن اعتادوا الاستيقاظ مبكراً النوم باكراً، أما من يستيقظون في وقتٍ متأخر فيمكنهم التأخّر في النوم. يمكن للعائلات مزامنة وجباتهم وممارسة روتينهم بطرقٍ جديدة مع مراعاة ساعاتهم الداخلية (ما يسمّيه علم الأحياء الزمني النّظم اليوماوي، أو التواتر اليومي). عبر تاريخنا، كنا ننام عندما يخبرنا جسمنا بأننا بحاجةٍ إلى ذلك، أو عندما ننتهي من أعمالنا، وليس عندما كنا نقرر ذلك بأنفسنا. قد تكون هذه الأوقات فرصةً لا تُعوض لتلبية حاجة إنسانية يمكن أن نجعلها تعمل بانتظامٍ مجدداً، ومساعدة أجسامنا على الانتصار في حروبها ضد الأمراض.

تم نشر المقال في موقع ذا كونفيرسيشن