اعتماد أول علاج لاكتئاب ما بعد الولادة

حقوق الصورة: Deposit Photos
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في الأسبوع الثالث من مارس لعام 2019، اعتمدت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية أول علاج الاكتئاب ما بعد الولادة الذي يصيب في الغالب امرأة واحدة من كل 7 نساء. يُطلق على الدواء الجديد اسم “بريكسانولون”، ويؤخذ عن طريق الحقن، وقد أثبتت التجارب السريرية قدرته الكبيرة على التخفيف من أعراض الاكتئاب مقارنةً بالعلاج الوهمي.

أضف إلى ذلك أنها المرة الأولى أيضاً التي يستهدف فيها دواء جديد كهذا مساراً هرمونياً لم يُستخدم من قبل في مضادات الاكتئاب. وبهذا يعتقد الخبراء بأن  “بريكسانولون” يفتح طريقاً جديداً للبحث سواءاً لاكتئاب ما بعد الولادة أو للاكتئاب الشديد.

يتميز اكتئاب ما بعد الولادة، على عكس اضطراب الاكتئاب الشديد، بأن له سبباً محدداً تماماً ألا وهو الولادة. ويُعتبر الدواء الجديد شكل اصطناعي من هرمون “ألوبريجنانولون” الذي ينخفض ​​بشكل كبير بعد الولادة، حيث ينظم الهرمون ـ وبالتالي الدواء ـ الناقل العصبي جابا (مختصر حمض الغاما أمينوبوتيريك GABA ) المسؤول عن تغيرات الاكتئاب والمزاج.

على الرغم من معرفة الباحثين الوافية عن الآليات الكامنة وراء اضطراب الاكتئاب الشديد مقارنة بما يعرفونه عن اكتئاب ما بعد الولادة، إلا أنهم وجدوا أوجه تشابه بين النوعين. ترى “كريستينا ديليجيانديس” مديرة الصحة السلوكية للمرأة في مستشفى “زوكر هيل سايد” في نيويورك أن: “هناك تداخل كبير بين نوعي الاكتئاب هذين”، فكلاهما مرتبط بقضايا متعلقة بالنواقل العصبية، مثل السيروتونين، وكذلك دارات الدماغ التي تنظم الإجهاد والالتهابات.

تؤيد “جينيفر باين” مديرة مركز اضطرابات مزاج المرأة في كلية الطب بجامعة “جونز هوبكنز”، فرضية التشابه بين نوعي الاكتئاب، حيث ترى بأن “هناك بعض التداخل الوراثي بينهما”. وقد وجد الباحثون أن بعض الجينات المسؤولة عن الاكتئاب الشديد، كانت مسؤولة عن اكتئاب ما بعد الولادة أيضاً، ولكن بالطبع توجد اختلافات ملحوظة بينهما.

ترى “ديليجانيديس” بأنه: “من الصعب أيضاً المقارنة بين نوعي الاكتئاب هذين، لأنه غالباً ما يُدرسان بشكل منفصل، ولا يتم الجمع بين المرضى الذين يعانون من اضطراب الاكتئاب الشديد واكتئاب ما بعد الولادة في نفس الدراسة”.

ويُرجح الباحثون أن السبب وراء اكتئاب ما بعد الولادة يكمن في التغيرات الهرمونية التي تحدث مباشرة بعد الولادة. وقد صرحت “باين” بأنه: ” لم يتم بعد الكشف عن آلية تأثير تلك التغيرات في أمراض الاكتئاب”. ومع ذلك قد يكون استهداف الناقل العصبي جابا – كما يفعل دواء “بريكسانولون” – مفيداً لعلاج حالات أخرى أكثر من مجرد اكتئاب ما بعد الولادة. وحالياً تتم دراسة إمكانية استهداف هذا الناقل العصبي في مضادات الاكتئاب بشكل عام.

تفترض “ديليجانيديس” بأنه: “قد لا يكون لديك مسببات هرمونية في اضطراب الاكتئاب الشديد، إلا أن الأبحاث الجديدة تفترض آلية جديدة بالكامل لهذا النوع من الاضطراب”.

تعمل شركة “Sage Therapeutics”، التي طورت حقن “بريكسانولون”، على تطوير حبة عن طريق الفم تستهدف نفس الآلية. وقد كشفت نتائج التجارب السريرية عن أن حبوب منع الحمل فعالة في علاج اكتئاب ما بعد الولادة، كما أظهرت تجارب أخرى أنها فعالة في اضطراب الاكتئاب الشديد أيضاً.

تُعتبر آلية عمل العقار الجديد مثيرة للغاية، وذلك نظراً لأنه سريع التأثير، ويمكن أن تؤدي حقنة واحدة منه إلى تخفيف الأعراض على المدى الطويل. والمفيد هنا أن الوعي المصاحب لمرضى اكتئاب ما بعد الولادة يزيد من احتمالية نجاح تشخيص الحالة وتأثير العلاج عليها.

ومع ذلك، فإن هذا الدواء باهظ الثمن – إذ أنه سيكلف 34000 دولار لكل مريض دون تأمين صحي- كما أنه يستوجب على المرضى البقاء في المشفى لمدة 60 ساعة لتلقي جرعة واحدة من العقار، الأمر الذي يمكن أن يكون مستحيلاً من الناحية اللوجستية بالنسبة للعديد من النساء.

بدورها تتحمس “باين” للعقار الجديد كباحثة أكثر من كونها طبيبة، ففي حين أنه يصعب تطبيقه من وجهة نظر طبية، إلا أنه يمثل إنجازاً مذهلاً من وجهة نظر بحثية. وتعتقد باين بأن العقار الجديد “سيؤدي إلى المزيد من الأبحاث المثيرة للاهتمام حول اضطرابات المزاج”. على سبيل المثال تود باين معرفة ما إذا كان الدواء الجديد قادراً على منع ظهور الاكتئاب لدى النساء ذوات الاحتمالية المرتفعة للإصابة به.

إضافة إلى ذلك فقد تدرس الأبحاث المستقبلية أيضاً ما إذا كانت المؤشرات الحيوية للدم قد تتنبأ بمن سيستجيب لهذا العلاج، أو في إمكانية أن تحمل فعالية التأثير السريع للعقار أدلة لتطوير أدوية أخرى سريعة المفعول لأشكال أخرى من الاكتئاب.

وقد صرحت “ديليجانيديس” بأن: “هذه نافذة جديدة لعلاج الاكتئاب، والمثير في الأمر أن هذه الطريقة الجديدة ستظهر لأول مرة في مجال الصحة العقلية للمرأة”.

اقرأ أيضا: أفضل دواء للاكتئاب بدون آثار جانبية.