اتصلت ابنتها بالطوارئ بعد أن لاحظت تورّم منطقة الإصابة واحمرارها، ووجود صديدٍ فيها. كل ذلك علامات تدل على وجود عدوى. قدم لها فريقنا الطبي العلاج اللازم بالمضادات الحيوية الوريدية وعالج العدوى، لكن الجرح لم يلتئم تماماً إلا بعد شهر على الأقل من خروجها من المستشفى.كيف ستختلف القصة المرضية إذا كان من أصيب بالجرح طفلاً؟ ربما سيصرخ الطفل في البداية، ولكن في غضون أيامٍ قليلة، سيُشفى الجرح ويختفي كاشفاً عن جلد جديد. ولكن لماذا تأخر الشفاء كثيراً عند مريضتي البالغة من العمر 83 عاماً مقارنة بالطفل السليم؟

الجواب هو العمر. تعمل عقود من الحياة على إبطاء التئام معظم الأنسجة، ويمكن أن توفر الجروح في الجلد فكرة عن سبب حدوث هذا التباطؤ.

تتألف عملية التئام الجروح من 3 مراحل

أنا طبيب أدرس كيف يمكن للشيخوخة أن تهيئ الناس للإصابة بأمراضٍ مثل السكري وما إذا كانت التغيرات السلوكية مثل الصيام المتقطع قد تبطئ الشيخوخة. من أجل فهم سبب البطء الشديد في عملية التئام الجرح لدى مريضتي كبيرة السن، من المهم أولاً أن نفهم كيفية التئام الجروح في ظل الظروف المثالية عند الشباب.

تجري عملية التئام الجروح على 3 مراحل. المرحلة الأولى هي الالتهاب، وهي بالأساس محاولة الجسم لتنظيف الجرح. حيث تنتقل الخلايا المناعية المسماة بالبلعميات إلى الجرح خلال هذه المرحلة وتقتل أي بكتيريا وتبتلع الخلايا الميتة وبقايا الخلايا وتتخلص منها.

تبدأ الاستجابة الالتهابية مباشرة بعد حدوث الجرح.

تمهد مرحلة الالتهاب للمرحلة التالية، وهي الترميم أو التجديد، حيث تتضافر العديد من العمليات لإعادة ترميم الجلد التالف. فتتكاثر خلاياً جديدة بدءاً من الخلايا الموجودة على أطراف الجرح، بينما تصنع الخلايا الليفية اليافعة سقالاتٍ( أنسجة) داعمة تُسمى النسيج البيني أو الضام خارج الخلايا، ليجمع الخلايا الجديدة معاً. كما تحتاج أيةُ هياكل متضررة، مثل الأوعية الدموية التي توفر الأكسجين والمواد المغذية الضرورية، إلى الترميم أيضاً. ينغلق الجرح في المرحلة الثانية بشكلٍ كافٍ ويستعيد مهمته كحاجز ضد البكتيريا.

تبدأ مرحلة الترميم بالعمل لإغلاق الجرح في غضون بضعة أيام.

تُعد مرحلة إعادة الترميم عملية إصلاحٍ سريعةً نسبياً، حيث يبقى الجلد فيها ضعيفاً وهشاً. وهنا تبدأ مرحلة إعادة التشكيل النهائية لتستمر على مدى عامين في تقوية الجلد الجديد تدريجياً من خلال تضافر عدة عملياتٍ بالتوازي. يتم تفكيك النسيج البيني، والذي تشكل في البداية بطريقةٍ أكثر عشوائية، ويُستبدل بنسيجٍ أكثر ديمومةً وقوة. ولا تعود للخلايا المتبقية من المراحل السابقة أي حاجة، مثل الخلايا المناعية أو الخلايا الليفية، وتصبح غير نشطةٍ أو تموت. وبالإضافة إلى أن هذه العملية تقوي الجلد الجديد، فهي مسؤولة أيضاً عن تلاشي الندوب واختفائها نهائياً مع مرور الوقت.

بمجرد التئام الجرح بالكامل، تبدأ مرحلة إعادة التشكيل لتعيد بناء الأنسجة بطريقة أقوى.

الأمراض تعطل عملية الشفاء

إحدى الطرق الرئيسية التي يمكن أن تؤدي بها الشيخوخة إلى عرقلة التقدم المنظم والفعال خلال مراحل الشفاء هي المشاكل الصحية التي تنجم عن أمراض الشيخوخة.

على سبيل المثال، يؤثر مرض السكري، والذي يرتبط بشكلٍ وثيقٍ بالشيخوخة، سلباً على سرعة الشفاء من خلال تسببه بتضيق الأوعية الدموية الذي يؤدي بدوره إلى انخفاض تدفق الدم إلى المنطقة المصابة، وبالتالي لا تصل العناصر الغذائية الأساسية والأوكسجين اللازم بشكلٍ كاف لضمان حسن سير مرحلة الترميم الثانية.

في الحقيقة، مرض السكري ليس سوى مرضٍ واحد من بين العديد من الأمراض المرتبطة بالشيخوخة والتي تعطل العمليات الطبيعية في الجسم مثل التئام الجروح.

الخلايا تشيخ أيضاً

وبغض النظر عن الآثار السلبية للأمراض المرتبطة بالشيخوخة، فإن الخلايا نفسها تشيخ. في الحالات المتقدمة من هذه الحالة، والتي تُدعى الشيخوخة الخلوية، تفقد الخلايا قدرتها على الانقسام بشكل دائم، فتتراكم هذه الخلايا الشائخة في الجلد وفي العديد من الأعضاء الأخرى مع تقدم العمر وتسبب مجموعة من المشاكل.

عندما تنقسم الخلايا بشكل أبطأ- أو عندما تتوقف عن الانقسام تماماً بسبب الشيخوخة- يصبح الجلد أرق. كما تتراجع عملية استبدال الخلايا الدهنية التي تشكل طبقة داعمةً تحت الجلد مع تقدم العمر أيضاً. لذلك فإن جلد المرضى الأكبر سناً أكثر عرضة للإصابة بالأمراض بشكلٍ أساسي.

ونتيجةً لذلك، فإن شفاء الجروح والأذيات الجلدية لدى كبار السن يصبح أكثر صعوبةً. في الواقع، لا تستطيع الخلايا المناعية التي شاخت الدفاع ضد البكتيريا، وبالتالي يزداد خطر الإصابة بالالتهابات الجلدية الخطيرة. ثم في مرحلة إعادة الترميم، يؤدي تباطؤ معدل تكاثر الخلايا إلى بطء عملية ترميم الجلد. وقد ظهرت هذه الأعراض على مريضتي التي تبلغ من العمر 83 عاماً، حيث تمزّق جلدها الرقيق شبه الشفاف من حادثٍ بسيط، وأصيب الجرح بالعدوى واحتاجت إلى شهرين تقريباً للتعافي.

لكن قد يكون للخلايا الشائخة دور سلبي أيضاً على التئام الجروح. فلأسبابٍ غير مفهومة تماماً حتى الآن، تفرز الخلايا الشائخة منتجات ثانوية سامة تتلف الأنسجة المحيطة وتسبب الالتهاب، حتى في حالة عدم وجود تهديدٍ بكتيري. ويمكن لبعض هذه المنتجات الثانوية أن تسرع من شيخوخة الخلايا المجاورة. وهذا يشير إلى أن الخلايا الشائخة معدية في طبيعتها، وتعمل على تغذية دورةٍ غير متناهية من الالتهابات وتلف الأنسجة مما يعيق عملية التجديد والشفاء الناجح.

مشكلة الجسم كله

نظراً لكون أنسجة الجلد أكثر تفاعلاً مع الوسط الخارجي، فإن الجلد يوفر نافذة يمكننا من خلالها فهم سبب بطء شفاء كبار السن، ولكن يمكن أن تصاب جميع أنسجة الجسم وتصبح عرضةً لآثار الشيخوخة عموماً. قد تكون الإصابات صغيرة ومتكررة وتتراكم بمرور الوقت، مثل تأثير التدخين على أنسجة الرئتين. أو قد تكون فريدةً وتحدث فجأةً، مثل موت خلايا القلب بنوبة قلبية. قد تلتئم الأنسجة المختلفة بطرق مختلفة. ومع ذلك، فإن جميع الأنسجة تشترك في الحساسية تجاه شيخوخة الجهاز المناعي وانخفاض القدرة على ترميم الخلايا الميتة أو التالفة.

إن فهم سبب تباطؤ الشفاء مع تقدم العمر أمر مهم، لكن قصة مريضتي تطرح سؤالاً عملياً يواجهه الأطباء من مرضاهم مراراً وتكراراً: «دكتور، ماذا يمكنك أن تفعل من أجلي؟».

للأسف، ما يزال العلاج الحالي للجروح يعتمد على العلاجات القديمة إلى حد ما وغير فعال في كثير من الأحيان. حيث يشتمل بروتوكول علاج الجروح المتاح على تضميد الجرح وتغيير الضماد كل فترة، بالإضافة إلى تناول المضادات الحيوية أو إعطاء المريض كمياتٍ كافية من الأوكسجين في حال كان مصاباً بتصلب الشرايين نتيجة إصابته بمرض السكري.

ومع ذلك، فهناك أمل في أن اكتشاف علاجاتٍ وطرقٍ جديدة لمعالجة الجروح لدى كبار السن مع تقدّم الطب وزيادة المعرفة بتأثير عملية الشيخوخة. فقد أشارت بعض الأبحاث المختبرية إلى أن تحييد الخلايا الشائخة في الفئران أدى إلى تحسين الأعراض في مجموعةٍ متنوعة من الأمراض المرتبطة بالعمر. وبالرغم من ما يزال من المبكر القول أن الباحثين قد اكتشفوا اكسير الشباب، إلا أنني متفائل بأن يتمكن الأطباء في المستقبل من تحييد أثر الشيخوخة وجعل مختلف أنواع الإصابات والجروح تُشفى بشكلٍ أسرع وأفضل.