الذاكرة العضلية هي أمر حقيقي، ولكنها على الأرجح ليست كما تعتقد

إن تسديد رمية حرّة ينطوي على كمية هائلة من الذاكرة العضلية.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

سواء أكنت قد عقدت العزم على التمتّع بقوام جيد في شهر يناير أم لا، فإن شهر العضلات في بوبيولار ساينس هدفه تعليمك بعض الأمور حول التمدّد والتقلّص والرفع والتمزق العضلي واكتساب الوزن وأكثر من ذلك بكثير.

على عكس الأخطبوط، لا تتواجد أدمغة البشر في أطرافهم، ولذلك لا يمكننا “تذكّر” أي شيء يحدث في أذرعنا أو أرجلنا. ولكن صحيح أنه بمجرد أن تتعلّم كيفية القيام بشيء جسدي (سواء كان ركوب دراجة أو رفع الأثقال)، فسوف يصبح من الأسهل القيام به من دون تفكير. ومن المؤكد بأن الأمر يبدو وكأن جسمك يتذكّر كيفية القيام به.

يشير معظم الناس إلى هذه الظاهرة عندما يتحدثون عن “الذاكرة العضلية”، ولكن عندما يدرسها علماء الأحياء وعلماء الأعصاب فهم يقصدون بها شيئين مختلفين قليلاً على الأقل. وقد يكون فهمك لها على الأرجح مزيجاً من الفكرتين الأساسيتين، على الرغم من أن إحداهما فقط هي التي تحدث بالفعل داخل عضلاتك.

ذاكرة ألياف العضلات

إذا لم تقم أبداً برفع الأثقال في حياتك، ففي المرة الأولى التي تحاول فيها ممارستها ستشعر على الأرجح بأنها ثقيلة وصعبة. ستحتاج إلى زيادة التمرين بالتدريج حتى تتمكّن من رفع الأثقال بشكل مثير للإعجاب. ولكن إذا انقطعت عن التمرين وعدت بعد عدة أشهر، فستجد أنه من الأسهل بكثير أن تعود إلى الأوزان التي كنت ترفعها من قبل. وينطبق الأمر نفسه على كافة التمارين التي تختارها، فمن الأسهل ببساطة إعادة العضلات إلى وضعها التي كانت عليه بالمقارنة مع بنائها للمرة الأولى.

قام بعض علماء الأحياء بتجارب تفصيلية في السنوات الأخيرة لمحاولة معرفة السبب في ذلك. وتنصّ نظريتهم الحالية على أنه حتى مع تناقص حجم العضلات، فإن الخلايا العضلية تبقى في مكانها.

عندما تقوم بتمرين عضلاتك لتصل إلى درجة التضخم، تنمو خلايا جديدة فيها لتصبح أقوى. وكان يُعتقد لفترة طويلة بأن الشيء نفسه يحدث بشكل عكسي عند عدم استخدام العضلات، إذ يجب أن تموت هذه الخلايا. ولكن ذلك قد لا يكون صحيحاً تماماً. فالمؤشرات الرئيسية لنمو العضلات على المستوى الخلوي هي الأنوية العضلية المتواجدة داخل ألياف العضلات، ولكن من الصعب تتبّع تلك العضيّات الصغيرة فقط. ويوضّح لورنس شوارتز -عالم الأحياء في جامعة ماساتشوستس في أمهرست والذي نشر مؤخراً دراسة استعراضية حول هذا الموضوع- ذلك بقوله: “العضلات هي أنسجة معقدة وتحتوي على العديد من الأنواع الخلوية المختلفة، وأحد المشاكل في هذا المجال هو كيفية تحديد الأنوية العضلية من أجل الدراسة”. وربما تكون التجارب السابقة قد خلطت بين الموت الخلوي الكلي وموت الأنوية العضلية، مما دفع علماء الأحياء إلى الاعتقاد الخاطئ بزوال الأنوية العضلية.

ووجدت الأبحاث الحديثة التي قام فيها علماء الأحياء -مثل كريستيان غوندرسن من جامعة أوسلو- بوضع علامات على خلايا معينة لتتبّع نموها أو انحلالها بأن الأنوية العضلية تنكمش دون أن تزول على شكل ضمور عضلي. ويقول شوارتز: “عندما نشر كريستيان غوندرسن في النرويج نتائجه أولاً … أعتقد بأنه تلقى الكثير من الصدّ من الناس في هذا المجال. ولم يكن هناك مؤخراً الكثير من المواد المنشورة التي تشكّك في نتائجه، لذا أظن بأن الناس تقبّلوا استنتاجاته بشكل عام”. واعتمد مختبر شوارتز على نتائج غوندرسن وتوصل إلى نفس الاستنتاجات باستخدام أساليب مختلفة قليلاً، على الرغم من أن بعض الباحثين ما زالوا يعتقدون بأن بعض الأنوية العضلية تزول.

كل هذا يعني بأننا لا ندرك تماماً كيف تحافظ ألياف العضلات على فكرة مدى حجمها الذي كانت عليه، ولكن الأدلة تشير إلى أن الأنوية العضلية تقوم على الأقل ببعض التذّكر. وهذا يعني بأن العضلات التي تقوم ببنائها في صغرك —خاصةً في مرحلة المراهقة عندما تكون مستعداً للنمو— قد تساعدك في وقت لاحق من الحياة. وقد أشار شوارتز وآخرون إلى أن هذه التمارين المبكرة “قد تفيد وظيفياً في السماح للأفراد بتجميع الأنوية العضلية التي يمكن استخلاصها لاحقاً في الحياة لإبطاء آثار الشيخوخة”.

ذاكرة الخلايا العصبية

إن تعلّم ركوب الدراجة هو تمرين يتم حفظه في الذاكرة العرضية، إذ يمكنك معرفة كيفية ركوب الدراجة دون أن تكون قادراً على شرح كيفية قيامك بذلك. ويعتبر ركوب الدراجات حالة غير عادية لأنه يبدو بأن هناك لحظة تفهمه فيها أخيراً، ولكن تعلّم القيام بأي شيء جسدي ينطوي على هذا النوع من الذاكرة. ويبدو الأمر بالنسبة لنا كما لو كانت هذه الذاكرة مخزّنة في العضلات، أي كما لو أنها تتذكر كيفية القيام بعمل ما دون إدراكنا الحقيقي له. ولكن الواقع هو أن النشاط يحدث في أدمغتنا.

وأوضحت عالِمة الأعصاب في جامعة أكسفورد إينسلي جونستون في مقال على موقع ميديم (Medium) ذلك بقولها: “على الرغم من أن بعض المهارات -مثل ركوب الدراجات أو إتقان ضربات التنس- قد تتطلب تقوية عضلات معينة، فإن العمليات المهمة لتعلّم وتذكّر المهارات جديدة تحدث بشكل رئيسي في الدماغ، وليس في العضلات”. تقوم أجزاء الدماغ المسؤولة عن تلك الحركة (وخاصة القشرة الحركية) بتطوير ارتباطات أقوى بين الخلايا العصبية والتي تعمل بمثابة تمثيل للحركة، وهذه الروابط هي التي تجعل الذاكرة أفضل والوصول إليها أسهل. فعلى سبيل المثال، يقوم الأشخاص الذين يعزفون على الأدوات الموسيقية الوترية بحفظ الذاكرة العضلية المرتبطة بأيديهم اليسرى، والتي تضغط على الأوتار بأنماط معينة لعزف موسيقى محددة. وبناءً على ذلك، تشير الدراسات إلى أن قشرتهم الحركية تحتوي على مناطق تمثيلية كبيرة بشكل غير معتاد لأيديهم اليسرى.

وينطبق الأمر نفسه عندما تتعلّم القيام بأي نشاط جسدي آخر، سواءً كان تمرين القرفصاء أو العزف على الغيتار. كما تلعب الخلايا العصبية داخل عضلاتك دوراً قوياً بالطبع، ولكن نمط النشاط الذي يساعدك القيام بنفس الأمر مراراً وتكراراً يحدث داخل دماغك، إلا أن الأمر يبدو وكأن عضلاتك هي التي تقوم به من تلقاء نفسها.