ماذا سيتعلم رواد الفضاء من السبات الشتوي عند السناجب؟

الكتلة العضلية للسناجب ورواد الفضاء
حقوق الصورة: سوزان بيتيت/ شترستوك.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

اكتشف علماء الأحياء في جامعة «مونتريال» الكندية الطريقة التي تستعيد فيها السناجب نشاطها بعد أن تدخل في مرحلة السبات الشتوي، دون أن تفقد كتلة العضلات ووظيفتها. وأوضحوا في الدراسة التي نُشرت في دورية ساينس العلمية أنهم يتبعون نظرية تُعرف باسم «إنقاذ نيتروجين اليوريا». وهي طريقة سيكون لها آثار مهمة على مستقبل السفر إلى الفضاء، وكبار السن.

السناجب والسبات الشتوي

درس باحثو جامعة مونتريال «السنجاب الأرضي ذو الـ 13خطاً»، بهدف معرفة كيف يحافظ على كتلته العضلية في فترة السبات الشتوي. تقضي السناجب من هذا النوع نهاية الصيف في التهام الطعام استعداداً للسبات الشتوي، وتخزن الكثير من الدهون، لتكون مصدر طاقة لها طوال الشتاء.

مع بداية الشتاء، تبدأ معدلات التمثيل الغذائي لديها بالانخفاض لتصل إلى 1%، وتنخفض درجة حرارة أجسادها إلى درجة قريبة من التجمد، وبذلك لن تكون بحاجة إلى مقدار كبير من الطاقة، وتدخل في مرحلة السبات.

عادةً، يقلل الانقطاع عن الطعام لفترة طويلة من كتلة العضلات، لكن الحيوانات التي تدخل في مرحلة السبات لا تعاني من ذلك، والسبب كان لغزاً لعقود قبل إجراء هذه الدراسة.

اقرأ أيضاً: السُّبات الشتوي أو النوم الطويل دون حمل أعباء الغذاء

ميكروبيوم الأمعاء وإنقاذ نيتروجين اليوريا

وجد الباحثون الآن أن الانقطاع عن تناول الطعام لم يقتصر على السناجب فقط، بل إن ميكروبيوم الأمعاء الخاص بها يصوم معها أيضاً، إذ يطرأ عليه تغيرات طفيفة في الشتاء، ولمعرفة ما هو هذا التغيير يجب أن نعود قليلاً إلى الوراء.

وضع باحثون في الثمانينيات من القرن الماضي نظرية تُعرف باسم «إنقاذ نيتروجين اليوريا»، وهي عملية تقوم بها الحيوانات المجترة لتأمين احتياجاتها من البروتين عندما تنخفض نسبته في الطعام، أو عندما تزداد الحاجة له في فترة الحمل.  

تقول النظرية إنه يمكن للحيوان استرداد النيتروجين الموجود في اليوريا التي تُطرح عن طريق البول على اعتبارها فضلات سامة للجسم. لماذا النيتروجين؟ لأنه العنصر الأساسي لصنع الأحماض الأمينية، وهي اللبنات الأساسية التي تُبنى منها البروتينات.

لكن تفكيك جزيئات اليوريا لإطلاق النيتروجين يتطلب وجود إنزيم «اليورياز»، وهو إنزيم لا تنتجه الحيوانات، بل تنتجه البكتيريا التي تعيش في أمعائها (ميكروبيوم الأمعاء). أُثبتت هذه النظرية عند المجترات، لكن ليس عند البشر أو الحيوانات التي تدخل في مرحلة السبات.

التحقق من نظرية إنقاذ نيتروجين اليوريا عند السناجب

اشتبه الباحثون في جامعة مونتريال بأن ميكروبيوم الأمعاء في السنجاب الأرضي ذي الـ 13 خطاً يقوم بالعملية ذاتها خلال مرحلة السبات. لتأكيد شكوكهم صمموا التجربة التالية:

حُقنت السناجب عن طريق الدم بكمية قليلة من جزيئات اليوريا التي تضم شكلاً أثقل من ذرات النيتروجين. ثم تتبع الباحثون هذه الجزيئات، ووجدوا أنها تنتقل من الدم إلى الأمعاء، ثم تُفكك بكتيريا الأمعاء اليوريا إلى أجزاء، استُخدمت في بناء بروتينات السناجب وأنسجتها. فقد لاحظ الباحثون انتشار ذرات البروتين الثقيلة في جسم السناجب، وهذا يدل على أن مصدرها هو اليوريا، وبالتالي ثَبُت أن ميكروبات الأمعاء مسؤولة عن إعادة نيتروجين اليوريا إلى أجسام الحيوانات التي تدخل مرحلة السبات الشتوي.

الكتلة العضلية للسناجب ورواد الفضاء
حقوق الصورة: كارل بوك/ شترستوك.

تجارب وملاحظات أخرى 

لقطع الشك باليقين، أراد الباحثون التأكد أكثر من أن ميكروبيوم الأمعاء هو المسؤول عن إعادة تدوير نيتروجين اليوريا، وصمموا تجربة أخرى للمقارنة بين السناجب التي تحتوي على ميكروبيوم أمعاء طبيعي، ومجموعة أخرى من السناجب التي عالجها الباحثون بالمضادات الحيوية لتقليل كمية ميكروبات الأمعاء، وأجروا المقارنة بين هذه السناجب في الصيف، وفي الشهر الأول من السبات، وبعد 4 أشهر أيضاً.

عند السناجب ذات الميكروبيوم الطبيعي، لاحظ الباحثون مرور عملية إنقاذ نيتروجين اليوريا في جميع مراحلها بشكل طبيعي. أما عند السناجب المعالجة بالمضادات الحيوية، أُعيد تدوير كميات ضئيلة من اليوريا.

لاحظ الباحثون أيضاً، عندما تفحّصوا السناجب أواخر الشتاء، أن أنسجة العضلات والكبد احتوت على النسبة الأعلى من نيتروجين اليوريا، وهذا يؤكد أن إنقاذ نيتروجين اليوريا هو ما حافظ على كتلة العضلات وأنقذها من الهزال الذي ينتج عادة عن قلة الطعام.

ومن الاستنتاجات الأخرى التي توصل إليها الباحثون، هي أن خلايا أمعاء السناجب تزيد من إنتاج بروتينات تسمى «ناقلات اليوريا»، وهي بروتينات توجد في أغشية الخلايا المعوية، وتساهم في نقل اليوريا من الدم إلى القناة الهضمية حيث توجد الميكروبات التي تحتوي على اليورياز.

 لم تقتصر فائدة إعادة تدوير نيتروجين اليوريا على السناجب فقط، بل تستفيد بكتيريا الأمعاء من هذا التعايش، فهي تستخدم نيتروجين اليوريا لبناء البروتينات الخاصة بها أيضاً. 

كيف سيستفيد البشر من قدرة السناجب على إعادة تدوير نيتروجين اليوريا؟

إن فهم كيف يمكن للسناجب الحفاظ على كتلتها العضلية خلال سباتها الشتوي يعود بفائدتين محتملتين على البشر:

الهزال العضلي لدى كبار السن

يعاني ملايين البشر في العالم من سوء التغذية الذي يؤدي إلى تدهور صحة العضلات، ويعاني أيضاً كبار السن من الهزال العضلي الذي يحدث بشكل طبيعي في سن الشيخوخة. يؤدي فهمنا الآن لعملية إنقاذ نيتروجين اليوريا إلى إيجاد علاج جديد لمعالجة هؤلاء، قد يكون عبارة عن شيء يشبه حبوب البروبيوتيك التي تعمل على تحفيز نمو البكتيريا في الأمعاء.

اقرأ أيضاً: هل يمكن استخدام ميكروبيوم الأمعاء كدواء؟

ضمور العضلات لدى رواد الفضاء

يعاني رواد الفضاء، من مشكلة ضمور العضلات بسبب قلة الجاذبية أو انعدامها في الفضاء، وهي مشكلة كبيرة ستواجهها البشرية في رحلاتها المستقبلية إلى الفضاء. يحاول رواد الفضاء الآن تلافي المشكلة عبر تكثيف تدريباتهم الرياضية، لكن هذا غير كافٍ، خاصةً وأن رحلات الفضاء السحيق التي يصبو إليها البشر ستتم في مركبات فضائية صغيرة لا تتسع لمعدات التمرين.

اقرأ أيضاً: فقدنا هذه القدرة تماماً: البشر القدماء دخلوا سباتاً شتوياً

سيحاول الباحثون الآن إيجاد طريقة لزيادة عمليات تخليق البروتين العضلي لرواد الفضاء باستخدام نيتروجين اليوريا، لتحقيق صحة عضلية أفضل.

كان هذا كلاماً نظرياً فقط، إذ يقول الباحثون إن هذه التطبيقات بعيدة المنال حاليّاً، فهي بحاجة إلى الكثير من العمل الإضافي لترجمة هذه الآلية المتطورة بشكل طبيعي وآمن وفعال عند البشر. لكن هذا ليس مستحيلاً، فقد أثبتت دراسة من تسعينيات القرن الماضي أن البشر قادرون على إعادة تدوير كميات صغيرة من نيتروجين اليوريا عبر هذه العملية نفسها، وهذا يشير إلى أن الآلية الضرورية موجودة، لكنها تحتاج إلى التحسين فقط.