هل الطائرات مليئة فعلاً بالجراثيم المسببة للأمراض؟

المسافة المثلى للجلوس بالقرب من شخص غريب لمدة خمس ساعات مرة واحدة
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

الأمر المؤكد حول الطائرات هو أن الجميع يريد أن ينزل منها بمجرد صعودهم إليها. فالنزول من الطائرة هو إعادة الانضمام إلى العالم الذي يمكنك فيه النهوض من مقعدك عندما تشاء، واستنشاق الهواء الطبيعي، والاستمتاع بما هو أكثر مما ستنتظر أن تحضره مضيفة الطيران لك بعد أن تمر على كل المسافرين قبلك. ولكن ربما يكون الأمر الأسوأ المرتبط بالسفر جواً – أسوأ من الوجبات الخفيفة غالية الثمن والضوضاء الناتجة عن المحركات النفاثة – هو أنك مقيد بمكان ضيق وتضطر للتفاعل مع الأشخاص الآخرين داخل الطائرة لساعات عديدة.

تجعلنا الطائرات نؤمن بحقيقة أن البشر عبارة عن أجسام محمّلة بالفيروسات ومثقلة بالأمراض. إذ يمكنك تجنب أي شخص يسعل في محل البقالة، ولكن لا يمكنك الهروب من استنشاق نفس الهواء المعاد تدويره والذي يستنشقه شخص يجلس في مقعد آخر ويبدو وكأنه يسعل بشدة لدرجة أن رئتيه تكادان تخرجان من مكانهما.

ولهذا السبب يدرس العلماء انتقال الأمراض على متن الطائرات. ويُذكر بأن ثلاثة مليارات شخص يسافرون بالطائرة كل عام، وقد أظهرت الدراسات بأن العديد من الأمراض الخطيرة قد انتقلت إلى مناطق لم تكن لتصل إليها أبداً بغير الطائرة. إذ انتقل فيروس السارس من هانوي عاصمة فيتنام إلى باريس خلال 14 ساعة و50 دقيقة فقط. كما انتقل فيروس الإنفلونزا H1N1 من لوس أنجلوس الى أوكلاند وبرمنغهام خلال أقل من 10 ساعات. ولم يكن هذا الانتقال ممكناً بدون السفر الجوي.

لكن الأبحاث الحديثة تشير إلى أن هذه قد تكون الاستثناءات التي تثبت القاعدة. إذ يجب عليك أن تكون قريباً جداً من راكب مريض للإصابة بمرضه، اعتماداً على مدى الحركة أثناء الرحلة، وتكون معظم الأسطح الموجودة داخل الطائرة نظيفة بشكل مدهش. وذلك وفقاً لدراسة جديدة في دورية PNAS.

يقول هوارد وايس – أستاذ الرياضيات في معهد جورجيا التقني وأحد المؤلفين الرئيسيين للدراسة: “إذا كنت تجلس بعيداً عن أحد الركاب المريضين بمتر واحد، فمن غير المرجح أن تصاب بالعدوى أثناء الرحلة”. ويعمل وايس على نمذجة انتقال المرض وتعاون مع شركة بوينغ التي ساعدت في تمويل الدراسة لمعرفة كيفية انتقال العوامل الممرضة على متن الطائرات.

إدارة الصحة في نيوزيلندا تريدك أن تبقى في المنزل.
حقوق الصورة: حساب Archives New Zealand على فليكر

ولكن لإنشاء مثل هذا النموذج، فلا بدّ من مصادفة الأشخاص وهو يقومون فعلاً بنشر الفيروسات. وهذا ما فعلوه بالضبط. إذ طار فريق من جامعة إيموري ومعهد جورجيا التقني على 10 رحلات جوية بين أتلانتا والساحل الغربي الأميركي، وسجلوا فعلياً كل التفاعلات التي قام بها المسافرون مع بعضهم البعض. وتعدّ المسافة الجسدية القريبة هي المسؤولة عن انتشار العديد من الأمراض، ولذلك فإن أي اتصال بين المضيفات أو الأشخاص المجاورين هو فرصة لنشر الفيروس. وما يثير الدهشة أن هناك الكثير من التفاعلات، على الرغم من عدم وجود الكثير من السعال.

يقول وايس: ” أكثر ما أدهشني هو أنه في 10 رحلات جوية – ثمانية منها خلال موسم الإنفلونزا – فقد كان هناك راكب واحد فقط يسعل من أصل 1500 راكب في 10 رحلات”. وهو شيء جيد على الأرجح، لأنه يقول بأن الشيء الآخر الذي فاجأه كان العدد الهائل للتفاعلات: 5000 تفاعل خلال رحلة مدتها أربع ساعات.

وعلى الرغم من كل هذه النقاط من الاتصال، فإن نموذجهم الحسابي يوضح بأن الشخص المريض لن يؤدي إلا إلى انتشار المرض للأشخاص الموجودين في صفه وصف واحد أمامه وخلفه. يمكنك اعتبار هذه المنطقة على أنها منطقة انتشار العطاس. خارج هذه المسافة المباشرة، يبدو بأن الركاب آمنون إلى حد كبير. حتى أن الباحثين قاموا بمسح العديد من الأسطح الصلبة داخل الطائرة – مقابض باب الحمام ومشابك أحزمة الأمان والطاولات – والتي جاءت جميعهاً بنتيجة سالبة لمجموعة من 18 فيروساً تنفسياً. ويعني هذا بأنه لم يكن هناك الكثير من المرضى الذين يطيرون في تلك الأيام بالذات، أو أن شركات الطيران جيدة جيداً في التعقيم. ولا يوجد حتى الآن معلومات حول مدى نظافة قماش المقاعد.

ويبدو أيضاً بأن أنظمة ترشيح الهواء في الطائرات هي بالفعل جيدة جداً. فقد يكون الهواء المعاد تدويره مزعجاً، ولكن يتم إرساله من خلال مرشح HEPA، والذي يزيل 99.9 في المئة من كافة الجسيمات الموجودة في الهواء، وهو ما تستخدمه المستشفيات في غرف العمليات ووحدات العناية المركزة. ويبقى الهواء يدور أيضاً في منطقة صغيرة جداً، كل صفين تقريباً، ولذلك قد تنحصر الفيروسات الجوالة في حلقة هوائية صغيرة.

عصر السفر الجوي الممتع حقاً.
حقوق الصورة: حساب James Vaughan على فليكر

والآن تأتي هذه النقطة من القصة حيث نلاحظ بأن هذه النتائج لا يمكن استقراؤها في كل رحلة. إذ كانت هذه الرحلات الجوية عبر القارة الأميركية، ولذلك فإن الأمر لا ينطبق بالضرورة على الطائرات الأكبر أو الأصغر ذات أوقات الطيران الأقصر أو الأطول. كما أنه لا ينطبق على جميع الفيروسات. فالحصبة على سبيل المثال هي عبارة عن فيروس صغير للغاية يبقى محمولاً في الهواء لفترات طويلة من الزمن. وعلى الرغم من أن هذه الدراسة قامت بأفضل ما يمكنها القيام به مع البيانات المتوفرة لديها، إلا أن 10 رحلات جوية لا يزال عدداً صغيراً جداً. من المحتمل أن تكون الطائرات بالمتوسط أكثر قذارة (أو تحمل ركاباً أكثر مرضاً). وكما هو الحال دائماً في مجال العلوم، فإننا بحاجة إلى المزيد من البيانات للتأكد.

إليك ما نعرفه: يجعلك وجودك حول الكثير من الأشخاص – وخاصة أثناء القيام بشيء مرهق مثل السفر – أكثر عرضة للإصابة بالمرض. إن نصيحة وايس – حتى بعد ملاحظته لعدد قليل من نوبات السعال والفيروسات في هذا المجال – هي ممارسة عادات النظافة الجيدة وإبقاء يديك بعيداً عن وجهك. إذا وضعنا الطائرات جانباً، فيجب علينا جميعاً أن نغسل أيدينا بشكل أكثر. ويشير وايس: “أشك بأن الكثير من الناس لا يفهمون أهمية النظافة الجيدة للأيدي”. وهو على حق. إذ لا يدرك الكثير منا كيفية إصابتنا بالمرض حتى: فمشاركة كوب ماء مع صديق مصاب بالعطاس ليس أمراً خطيراً بسبب إمكانية شربك لماء ملوث، وإنما لأنك عرضة للمس وجهك بعد وقت قصير من لمس الكوب (الشخص العادي يلمس وجهه حوالي 3.5 مرة كل ساعة) مما يعني بأنك ستنقل الفيروس أو البكتيريا إلى الأغشية المخاطية الضعيفة.

إن الكائنات الممرضة تحب البيئة الرطبة الدافئة داخل الأنف والرئتين، وتعدّ يديك هي السيارة التي تنقلها إلى هناك. لا تدع الفيروسات تنتصر، واغسل يديك. وربما عليك ألا تسافر على متن الطائرات. فهي فظيعة بكل الأحوال، حتى لو لم تكن موبوءة بالجراثيم.