هل تستخدم كلمة “الحساسية” بشكل خاطئ؟

تعرّف على أعدائنا الصغيرة! (غبار اللقاح تحت المجهر.)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يعاني كل عام ما يقرب من 50 مليون أميركي من الحساسية، وفقاً للكلية الأميركية للحساسية والربو والمناعة. ويمكن لمعاناتهم أن تتخذ أشكالاً عديدة، والتي تتراوح من الأشخاص الذين يعانون من حساسية الأنف الموسمية والذين يتأثرون بأوقات ارتفاع وانخفاض أعداد غبار اللقاح مثل سوق الأوراق المالية، إلى من يعانون من الحساسية الغذائية والذين يجب عليهم الحذر من الفول السوداني أو البيض أو الفراولة على مدار السنة.

وأصبحت الحساسية شائعة جداً كسبب للقلق وفي المحادثة لدرجة أن الكلمة قد فقدت معناها تقريباً على ما يبدو – على افتراض أنه كان لها معنى أصلاً. ويقول ويليام رايسكر – الطبيب والأستاذ في جراحة الرأس والعنق في كلية طب وايل كورنيل: “يستخدم الناس كلمة الحساسية لوصف أي شيء لا يعجبهم. راجعتني مريضة مصابة بمرض في الجهاز التنفسي العلوي، وقالت أعتقد بأن لدي حساسية. فقلت لا، إنه زكام وهو فيروس. فقالت حسناً، فأنا أعاني حساسية تجاه الفيروس”.

وتم إطلاق كلمة الحساسية بالإنجليزية “allergy” لأول مرة عام 1906 من قبل طبيب الأطفال النمساوي بارون كليمنس فون بيركيه، وهي عبارة عن دمج للكلمة اليونانية “allos”، والتي تعني “تغيير” و”ergon”، والتي تعني رد الفعل. ويقول رايسكر: “تعني الكلمة رد الفعل المختلف. هذا كل شيء.” وقد تم رفض الفكرة في البداية من قبل المجتمع الطبي، ولكن أعمال فون بيركيه أدت في نهاية المطاف لإعادة تعريف فهمنا للمناعة. (إذ تبين أن جهازنا المناعي يمكنه أن يؤذينا حتى عند محاولته حمايتنا).

ولم يكن الأطباء هم الوحيدون الذين أدرجوا هذه العبارة غير المتبلورة والمغرية والعصرية في مفرداتهم. وكما كتب خوان مانويل إيجيا في مقالة عام 2013 في دورية Allergy: “إن كلمة [الحساسية] قد هربت من الأطباء منذ فترة طويلة وذهبت إلى الشارع، حيث تستخدم بشكل شائع كمرادف للكراهية والرفض”.

واليوم، لا يزال هناك الكثير من الألغاز التي يتوجب حلها حول الحساسية. ومع ذلك، يقول رايسكر بأن الأطباء عملوا في القرن الماضي على دراسة كيفية عمل الحساسية بالفعل على المستوى الخلوي، ويمكنهم أن يقدموا لمرضاهم تفسيرات حقيقية وملموسة لمرضهم وحلولاً حقيقية بشكل متزايد. ولكن أولاً، علينا البدء باستخدام هذه الكلمة بشكل صحيح. وإليك الطريقة.

حسناً أيتها السيدة. نحن ندرك بأن الحساسية سيئة!
حقوق الصورة: ديبوزيت فوتوس

التهاب الأنف التحسسي

يتم تمييز الحساسية عادةً في الوقت الحالي عن طريق وجود الأجسام المضادة للغلوبولين المناعي E (IgE). تقوم المواد المسببة للحساسية مثل غبار اللقاح بالارتباط بالأجسام المضادة للغلوبولين المناعي E، وتحفّز عملية تحرير الهيستامين عند الشخص الحساس. ويرتبط الهستامين بالخلايا داخل الجسم، ويمكنه عند تواجده بكمية كافية أن يسبب العطاس والحكة وغيرها من أعراض الحساسية الموسمية. ولهذا السبب يأخذ الكثير من الناس الأدوية “المضادة للهستامين” لوقف رد الفعل. وهو ما يسبب أيضاً الحساسية التقليدية، وهي نتيجة استجابة النظام المناعي العدوانية (وربما المضللة) لمركب شائع إلى حدّ ما.

إن الحساسية الموسمية – مثل النوع الذي ربما بدأت تعاني منه الآن – هي حساسية حقيقية جداً. ويظهر رد الفعل التحسسي هذا – الذي يدعى التهاب الأنف التحسسي أو حمى القش – في الربيع والصيف، حيث يتم إطلاق غبار اللقاح وأبواغ العفن بشكل كبير جراء الجنس النباتي، ويمكن استنشاقها بسهولة عن طريق الأنف. وعند الأفراد الحساسين، يمكن أن تؤدي هذه المواد الدقيقة إلى تهيج شديد، بما في ذلك سيلان الأنف والحكة والعطاس والاحتقان وحتى التعب الكامل للجسم.

كما أن التهاب الأنف التحسسي المستمر يصيب الناس طوال العام. ويتم إثارة أعراض الحكة والعطاس والاحتقان من عث الغبار والصراصير ووبر الحيوانات الأليفة والعفن. وفي بعض الأحيان، يمكن أن تؤدي الحساسية لأطعمة معينة إلى ظهور هذه الأعراض أيضاً.

الحساسية للغذاء والسم

بالمستوى الميكانيكي، يمكن للحساسية الغذائية أن تعمل بنفس طريقة التهاب الأنف التحسسي. لكن هذه الاستجابة المتواسطة بالغلوبولين المناعي E عادةً ما تكون أكثر عدوانية. فعندما يتعرض بعض الأشخاص لأحد مسببات الحساسية، فإنهم لا يصابون بحكة العينين أو الشري وإنما يصابون مباشرة بالحساسية المفرطة. إذ يقوم الجسم بتحرير الكثير من الهيستامين والذي يؤدي إلى تضيق المجاري الهوائية وتورم اللسان والحنجرة وانخفاض ضغط الدم. ويقول رايسكر: “عندما يتعرض بعض الناس للأطعمة التي يتحسسون منها، فإن الخلايا التي تخزّن الهيستامين تقوم بتحريره في وقت واحد. وهذا يسبب تسريب الأوعية الدموية”. ودون التدخل الطبي، يمكن لكثير من الناس الذين يعانون من صدمة الحساسية المفرطة أن يتعرضوا للموت.

وفي حين أن العديد من المواد المسببة للحساسية يمكنها أن تسبب الحساسية المفرطة من الناحية النظرية، إلا أن هناك عدد قليل من أنواع الحساسية المعروفة بأنها تسبب الموت. وتشمل اللاتكس والبنسلين والأدوية الأخرى ولسعات الحشرات. ومع ذلك، فإن معظم المشاكل تأتي من مجموعات قليلة من مسببات الحساسية الغذائية، وهي المكسرات والأسماك والمحار والبيض وفول الصويا والحليب.

ويبدو أن معظم أنواع هذه الحساسيات الغذائية تحدث بشكل عضوي، ولكن هناك واحدة على الأقل يمكنك التقاطها، وهي الحساسية للحوم الثدييات، والتي تعدّ رد فعل تحسسي على اللحوم الحمراء وتسببها لدغة من حشرة اليغموش الأميركي المصابة. وكما أوضحت بوبيولار ساينس في مقال حول هذا الموضوع، يمكن للدغة هذه الحشرة بالذات أن تسبب بإصابة الإنسان بالحساسية للكربوهيدرات التي تسمى galactose-alpha-1،3-galactose (alpha-gal). وعندما يأكل الشخص المصاب لحم البقر أو لحم الخنزير، فإن جسمه يحفّز الاستجابة المتواسطة بالغلوبولين المناعي E والهستامينات وكل شيء.

عدم تحمّل الطعام

إن عدم تحمّل الطعام يختلف عن الحساسية الغذائية. وفي الواقع، فإنها ليست حساسية من الناحية الفنية على الإطلاق. فعند التعامل مع النوادل المتشككة أو عند السفر إلى بلدان أخرى، فإن ادعائك “الحساسية” يبقى هو الطريقة المثلى للتخلص من أحد المكونات من طبق الطعام. ولكن عدم تحمّل الطعام لا يؤدي إلى الموت عادةً، رغم أنه مروع في كثير من الأحيان.

لنأخذ الحليب على سبيل المثال. فبالنسبة للأشخاص الذين يعانون من الحساسية تجاه الحليب، فإن تناول كمية قليلة منه يمكن أن يؤدي إلى تحفيز الاستجابة المناعية التي تؤدي إلى الشري وحكة الجلد وحتى الحساسية المفرطة. ولكن الأكثر شيوعاً هو عدم تحمل اللاكتوز. إذ قد يؤدي تناول كمية قليلة من الحليب عند شخص يعاني من عدم تحمل اللاكتوز إلى تشنجات أو إمساك أو إسهال، ولكن هذا كل شيء. والفرق هو أنه بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من الحساسية تجاه الحليب، فإن الحليب يؤدي إلى إنتاج الهيستامين، في حين أن الأشخاص الذين يعانون من عدم تحمل اللاكتوز لا ينتجون ما يكفي من إنزيمات اللاكتاز لتفكيك اللاكتوز في الحليب بمجرد أن يصل إلى المعدة. وفي حين أن الكثير من أنواع عدم تحمل الطعام تعدّ مصدراً لمشاكل الجهاز الهضمي، إلا أنه قد لا يكون لها حتى الآن مصدر بيولوجي واضح، مثل عدم تحمل الثوم، والذي يجعل الثوم والبصل وأمثالهما مصدر إزعاج للأمعاء.

الحساسية الموضعية

لا تنجم كافة أنواع الحساسية عن تناول الطعام أو الحقن أو الاستنشاق. إذ يحدث التهاب الجلد التحسسي عندما يتلامس جلد الشخص الحساس مع إحدى المواد المسبّبة للحساسية. ويمكن أن ينجم رد الفعل هذا عن أي شيء مثل اللاتكس أو النيكل أو النباتات السامة أو مستحضرات التجميل. في مثل هذه الحالات، يبقى رد الفعل سطحياً عادةً. وقد يصبح الجلد غير منتظم أو متقشراً أو أحمر استجابةً للمركب المسبّب للحساسية، والذي قد يستغرق أسابيع حتى يزول. ولكن ردود الفعل هذه يمكن أن تكون أكثر خطورة. فالتعرض لسمّ نبات اللبلاب واللاتكس – وعلى وجه الخصوص – يمكن أن يؤدي إلى صدمة تحسسية.

اضطرابات المناعة الذاتية

سيطرت إحدى أنواع الحساسية على الخطاب العام في السنوات القليلة الماضية، على الرغم من عدم كونها حساسية على الإطلاق. فالداء البطني – الذي يسبب رد فعل شديد تجاه الغلوتين، وهو مجموعة من البروتينات الموجودة في القمح – يؤثر على ما يقرب من 1 بالمئة من الأميركيين. ولكنه لا يعدّ حساسية متواسطة بالغلوبولين المناعي E، بل هو من اضطرابات المناعة الذاتية.

يعاني الناس المصابون بالداء البطني من العديد من الأعراض المزعجة، من التعب إلى الغثيان بعد تناول الغلوتين. وتتداخل بعض هذه الأعراض مع أعراض الحساسية الغذائية أو عدم تحمل الطعام. لكن العرض الأساسي للداء البطني مختلفة تماماً. فبالنسبة للأشخاص الذين يعانون من الداء البطني، فإن تناول الغلوتين يجعل الجسم يهاجم أمعائه الدقيقة، مما يمنع الامتصاص الغذائي المناسب. وفي حين أن معظم الناس يحصلون على الشفاء التام بعد الاستجابة التحسسية التي تتم معالجتها بشكل صحيح، فإن الأشخاص المصابين بالداء البطني يعانون من هشاشة العظام (بسبب عدم هضم الكالسيوم بشكل صحيح) وفقر الدم (وكذلك الحديد) وغيرها من المشاكل الصحية ذات الصلة. وتشير الأبحاث أيضاً إلى ازدياد احتمال تعرضهم لخطر الإصابة ببعض السرطانات مثل سرطان الغدد الليمفاوية المعوية بسب المرض. ولن تفيد مضادات الهستامين في علاج هذه “الحساسية”، لأن اللوم لا يقع على الهيستامين.

ما هو الأمر المهم؟

منذ أن ابتكر فون بيركيه مصطلح الحساسية باللغة الإنكليزية في القرن الماضي، عمل الأطباء دون كلل لفهم الاستجابة التحسسية واضطرابات المناعة وعدم التحمل وغيرها من المشاكل ذات الصلة. وقاموا بخطوات كبيرة في تشخيص وعلاج المشاكل المؤذية، من حساسية الفول السوداني المهددة للحياة إلى المعاناة اليومية بسبب المشاكل التنفسية الناجمة عن وبر الحيوانات الأليفة. ولكن بقي الكثير منها دون حل، كعدم تحمل الثوم على سبيل المثال، والذي لا يزال يكتنفه الغموض. إن استخدام كلمة “الحساسية” بشكل صحيح سيبقى مهماً لأغراض تشخيصية، ولكن من المهم أكثر أن تتحدث بصراحة مع طبيبك عن علاج هذه المشاكل إذا كنت تعاني منها. فمن يدري ما هي الاكتشافات الجديدة التي سيتم إجراؤها في هذا المجال؟