خطوات بسيطة تساعدك على التخلص من التسويف والمماطلة

تسويف, مهام, مماطلة, أعمال
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

إذا صادفت هذا المقال على إحدى وسائل التواصل الاجتماعي، فإنك على الأرجح ستجد الجزء الأكبر من التعليقات عليه من قبيل: سأقرأه لاحقاً، لقد وضعته في قائمة اهتماماتي.

لأسبابٍ كثيرة، هؤلاء المعلّقون ليسوا أذكياء كما يظنون حقاً. فأولاً، هذا المقال بعيدٌ كلّ البعد عن السخرية أو المزاح. ثانياً؛ عدم قراءة مقالٍ في الحال سيكون مثالاً عن التسويف خاصة إذا كان المقال جديراً بالقراءة، لكنّك قررت -دون سببٍ وجيه- أن تفعل شيئاً أقلّ أهمية بدلاً من قراءته.

يقول «تيم بيشيل»، مؤسس «مجموعة أبحاث دراسة التسويف» في جامعة كارلتون في أوتاوا: «كل تسويفٍ هو تأخير، ولكن ليس كل تأخيرٍ هو تسويف».

فمثلاً، إذا كنت تقرأ هذه المقالة بدلاً من أن تردّ على الرسالة العاجلة التي أرسلها لك مديرك قبل بضع دقائق، فهذا بلا شك تسويف. وفي حال شعرت للتو بألمٍ في معدتك جرّاء قراءة السطر الأخير، فإن لديك بالفعل مشكلة التسويف. لحسن حظك؛ مشكلة التسويف ليست عصيّة على الحل، خاصةً إذا فهمنا السبب الكامن وراء تأجيل القيام بالأمور الواجب القيام بها بأسرع وقتٍ ممكن.

لماذا التسويف؟

في الحقيقة نحن نؤجل المهام لنفس الأسباب التي تجعلنا نؤجل الذهاب إلى السرير باكراً؛ فنحن نجد صعوبةً في القدرة على تنظيم عواطفنا التي تسمح لنا بالسيطرة على سلوكياتنا المرتبطة تحديداً بالعواطف. وبدون هذه القدرة؛ ستتحكّم مشاعرنا وعواطفنا بأفعالنا تماماً، وبالتالي لن نفعل أي شيءٍ لا نرغب بالقيام به.

يقول بيشيل، متخصص في علم النفس: «بالنسبة لك؛ ربما يكون الأمر مملاً ومحبطاً حقاً، أو قد يخيفك جداً أنك تشعر بالفشل أو الكذب. في الحقيقة لا أحد منّا يحبّ هذه المشاعر، لذلك إذا كنّا نمارس التسويف على مستوى اللا وعي، فسنكون حتماً قادرين على التخلّص من هذه المشاعر».

هناك أشياءٌ يمكننا القيام بها لتطوير قدرتنا على التنظيم الذاتي، أحدها التمارين الرياضية، حيث يمكن لِلعب بعض ألعاب الفيديو -تحديداً الألعاب المصممة لتحسين قدرتنا على تنظيم عواطفنا، مثل لعبة «Game Teen» و «Spock»- أن تساعدنا أيضاً. وذلك وفقاً لدراسةٍ بحثية قامت على مراجعة 23 أثراً لألعاب الفيديو على تنظيم عواطفنا. (لابد من الإشارة إلى أنّ الدراسة وجدت أن الإفراط في ألعاب الفيديو قد يؤثر سلباً على التنظيم العاطفي لدينا أيضاً).

لست مضطراً للانتهاء، ولكن على الأقل ابدأ

ريلاكس,تسويف, مهام, مماطلة, أعمال, استرخاء

إذا كانت فكرة القيام بشيءٍ ما تشغل بالك بالكثير من القلق أو الخوف لدرجةٍ لا يمكنك عندها البدء، فالقيام بنشاطٍ مهدّئ للذات للتخفيف من حدّة ذلك الشعور قد يكون فكرةً جيدة. مثلاً الاسترخاء، أو الرقص، أو الاستماع إلى أغنيتك المفضّلة، أو امنح نفسك 10 دقائق لاحتضان حيوانك الأليف إذا كان لديك، أو اجلس مع أحد أفراد أسرتك.

عندما تمنح نفسك الفرصة للتخفيف من المشاعر السلبية تلك؛ ستتمكّن من تقييم المهمّة من جديد بطريقةٍ أكثر عقلانية. ربّما لن تجدها بالصعوبة التي كانت عليه قبل قليل. وبمجرّد أن تفهم مبدأ هذه الطريقة وتبدأ بتغيير نظرتك السلبية للأمور، ستكون الخطوة التالية بسيطةً؛ فقط ابدأ.

يصرّ بيشيل على أن الرسالة التي ستحصل عليها من اتباع مبدأ «فقط ابدأ» مختلفةٌ تماماً عن مبدأ «افعلها – Just Do it»، فهو لا يقترح على أيّ شخصٍ أن يبدأ بإنجاز العمل ولا يتركه من بين يديه حتّى يكمله؛ ذلك الأمر قد يكون محبطاً جداً لك.

على سبيل المثال، إذا كنت تكتب مقالةً ما وتؤجّلها دائماً، فإن اختيار المقدمة المناسبة لها قد يكون أول مهمّةٍ رائعةٍ لتنجزها، أو إذا كنت تؤجّل دفع ضرائبك، فقد يكون تحديدُ موعدٍ مع محاسبك ببساطة خطوةً أولى مناسبةً للبدء. سيكون الاختلاف في تأثير «لم أبدأ» وَ«بدأت» كبيراً، فقد تُفاجئ أنت نفسك بمقدار الزخم الذي يمكنه أن يمنحك إياه أيّ عملٍ صغير.

تذكّر: أنت من يحدد مستقبلك

عمل, سيدة, تسويف, مهام, مماطلة, أعمال

أحد الأشياء التي تمنعنا من بدء مهمة هي عدم وجود صلةٍ بأنفسنا مع المستقبل. بمعنى أننا حين نؤجل المهام؛ فإننا نشعر براحةٍ من خلال إلقاء مسؤوليتها على شخصٍ آخر، لكن في الواقع يكون ذلك الشخص الآخر هو أنت؛ فأنت المسؤول عن تنفيذها في النهاية.

حدّد عالم النفس الاجتماعي «هال هيرشفيلد» طبيعة هذا الانفصال عن المستقبل في تجربةٍ أجراها على أشخاص، طلب منهم أثناء مسح أدمغتهم بجهاز الرنين المغناطيسي؛ وصف ما هم عليه في الوقت الحاضر، وما يتخيليون أنهم سيكونون عليه بعد 10 أعوام. ثم طلب منهم أن يصفوا أشخاصاً آخرين. وجد هيرشفيلد أن الجزء الذي ينشط من المخّ عندما نفكّر في أنفسنا في المستقبل؛ هو نفس الجزء الذي ينشط عند تفكيرنا بالآخرين.

من المذهل أن بإمكاننا أن نطوّر ترابطاً عاطفياً مع المستقبل عندما يكون لدينا شيءٌ من المستقبل بين أيدينا. مثل ملامحنا الكَهلة الذي رأيناها عبر تطبيق «FaceApp»، والذي يقدّم لنا لمحةً عما سنبدو عليه في المستقبل. فبعد رؤية المشاركين في الدراسة صورهم المستقبلية -عبر نفس التطبيق- التي تظهر فيها التجاعيد والبثور على وجوههم، باتوا على استعدادٍ أكبر لتوفير ضعف ما يستطيعون من المال من أجل مرحلة ما بعد تقاعدهم.

إذا كنت تؤجّل زيارة الطبيب أو حتى تؤجّل غسل أسنانك بالفرشاة كلّ ليلة، فربما ترغب في أن ترى صورتك عندما تتقدّم في السن لكي تلهمك وتدفعك للقيام بما هو متوجبٌ عليك القيام به الآن من أجل مستقبلك.

تذكّر أيضاً أن تطبيق «FaceApp» قد ينتهك خصوصيتك إلى حدٍّ كبير، فانتبه أثناء التعامل معه.

الاتصال مع نفسك

يقول بيتشل إنّ الطريق نحو التخلّص من التأجيل والتسويف يمرّ عبر التأمّل الواعي في نفسك مستقبلاً، مما قد يساعدك على تطوير مشاعر وعواطف تحفّزك للعمل، وهو الأمر الذي سيساعدك على التقليل من التسويف.

لقد صمّمت عالمة النفس التربوي «سارة بيتون» طريقةً خاصّة للتأمل -قدّمت له وصفاً في كتابها «Your Resonant Self»- لمساعدة الناس على تقوية تعاطفهم الذاتي (تعاطفهم مع أنفسهم). يمكنك اتبّاع طريقتها في التأمّل التي تشرحها في الارشادات في كتابها خطوةً بخطوة، أو يمكنك الاستعانة بشخصٍ ما ليقرأه لك بينما تقوم بعملية التأمل.

قد تشعر في المرّات الأولى القليلة التي ستقوم فيها بتجربة التأمل بالارتباك والخجل أو الضعف، لذلك تأكد من أنّك في مكانٍ مريح. يمكنك الجلوس أو التمدد، وأن تأخذ بعض الوقت للتفكير فيما بعد. ابدأ في التأمل عدّة مرّاتٍ في الأسبوع، وراقب نفسك كيف تشعر، ثم قم بالتأمل كلّما شعرت أنّك بحاجةٍ إلى ذلك.

تطبيقات التنبيه ليست فقط لإيقاظك

يستخدم أغلبنا تطبيقات التنبيه كي تذكرّنا ببعض الأعمال التي يجب أن نقوم بها، ولكننا في مرحلةٍ ما نقوم بإيقافها، ونحدّث أنفسنا: «حسنا، سأقوم بذلك بعد قليل»، ثم لا نقوم بها مطلقاً. يقدّم تطبيق «Alarmy» حلاً عملياً لتلك المشكلة. يتمثل ذلك في أنه يجب عليك القيام بأي نشاط لإيقاف المنبه، بخلاف الضغط على زر الإيقاف. على سبيل المثال؛ عليك التقاط صورةٍ لمكانٍ قمت بتحديده مُسبقاً في منزلك، ستجبرك تلك المهمة على التحرك من مكانك إلى تلك النقطة.

غيّر نظرتك إلى نفسك

إن خداع أدمغتنا عبر تطبيقات التنبيه والتقاط صورٍ لأنفسنا في المستقبل؛ هو إحدى الطرق التي تدفعنا للقيام بالمهام التي يتعين علينا القيام بها. ولكن من أجل تغيير سلوكنا حقاً، يتعين علينا تغيير الطريقة التي ننظر بها إلى أنفسنا.

يتمثلُ جزءٌ من هذه العملية بالتخلص من الأعذار التي تجعلنا نلجأ للتسويف والمماطلة في المقام الأول. على سبيل المثال، قد تكون مرهقاً (وهو أمر مقبول)، وقد يقودك ذلك إلى استنتاج أنه من الأفضل أن تقوم بمهمةٍ ما بعد أن تنال قسطاً من الراحة. الاستنتاج الأكثر فائدةً في هذه الحالة؛ هو أنه بالرغم من أنك مرهقٌ جداً للدرجة التي لا تستطيع فيها إكمال مهمتك، لكنك قد تكون قادراً على البدء بها، وإنجاز ولو قسمٍ صغير منها.

عندما تفشل هذه الطرق، اذهب إلى السرير

هناك الكثير من النصائح والحيل التي يمكنك استخدامها للابتعاد عن التسويف والمماطلة، لكن قد تكون لدى البعض عادة التسويف والمماطلة أسوأ من الآخرين. فقد أظهرت دراسةٌ أُجريت عام 2018 أنّه إذا كان الشخص يعاني من تدني مستوى تحكمّه بنفسه، فإنّ الأمور ستزداد سوءاً حتماً إذا كان مرهقاً. في هذه الحالة، نظّم جدول أعمالك ومواعيدك مهما كنت تؤجل من أعمالٍ لتقوم بها بعد أن تنال قسطاً من الراحة.

في بعض الأحيان قد يكون إنجاز المهام صعباً بالفعل، لكننا قد نشعر ببعض الارتياح لمعرفتنا بأن العلم يقول بأن الأمر ليس بهذه الصعوبة. إذا استطعنا التخلّص من المشاعر السلبية، يمكننا تنفيذ مهمةٍ كنا قد أجلناها. وفي هذه المرحلة، نكون قد ربحنا بالفعل جزءاً من المعركة.