إكسير الحياة والشباب الدائم: رحلة البحث عن الكنز المفقود

استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

لقد غيرت رأيي، سألجأ لطبيب التجميل ليفعل ما يشاء. مشرط الجراحة أو حقن مواد مالئة (فيلر) لا يهم، المهم ألا أرى نفسي بهذا الشكل. الشيب لا يليق بي! 

أتت ردود الأفعال على منصات التواصل الاجتماعي مفاجئة بعد تجربة تطبيق «FaceApp»، الذي يتيح للشخص رؤية نسخته المستقبلية في سن الشيخوخة. فهناك على سبيل المثال من قرر أنه سيلجأ إلى حقن البوتكس من الآن حتى لا يصبح وجهه مليء بالتجاعيد هكذا.

البحث عن إكسير الحياة

يفكر كثيرون في إيجاد طريقة تحافظ على شبابهم، وتؤخر شيخوختهم وما يصاحبها من علامات تقدم في السن. في الحقيقة، لم يكن البحث عن طرق الحفاظ على الشباب الأبدي وليد اليوم، فوفقًا لأبحاثٍ أثرية، ظل إمبراطور الصين الأول «كي شي هيونغ» يبحث عن إكسير الحياة الذي اعتقد أنه سيمحنه الشباب الدائم، حيث أمر جيشه بالبحث عنه في أنحاء الإمبراطورية، لكنه توفي عن عمرٍ يناهز 49 عاماً عام 210 قبل الميلاد.

وفي العام 2016، أعلن «أناتولي بروشكوف»، أستاذ الجيولوجيا في جامعة موسكو أنه لم يصب بالإنفلونزا لمدة عامين، وأنه يشعر بأن صحته بشكلٍ عام أفضل منذ أن قام بحقن نفسه بالبكتيريا التي اكتشفها في جليد سيبيريا. وفقاً لدراسة بروشكوف، تمتلك هذه البكتيريا آلية مكنتها من البقاء على قيد الحياة لنحو مدة  3.5 مليون عام كما يقدّرها. قد يؤدي اكتشاف تلك الآلية إلى إيجاد وسيلة تطيل عمر الإنسان حسب بروشكوف، لكن هذه الآلية ما زالت مجهولة. ومن جهة أخرى، يقر بروشكوف أن تحسنه بعد حقنة البكتيريا قد يكون مجرد صدفة.

لم يكن بروشكوف أول العلماء الذين قاموا بحقن أنفسهم ببكتيريا من أجل الحصول على سر الشباب الدائم، بل سبقه «تشارلز إدوارد براون سيكارد» عالم الغدد الصماء في ثمانينيات القرن التاسع عشر، والذي قام بحقن نفسه بمزيجٍ من خصية كلب وخنزير معتقداً أنه بذلك وجد إكسير الشباب الدائم. وعلى الرغم مما أُشيع بأن هذا المزيج تسبب في قتل تشارلز بالتهاب المعدة الشديد، فقد استخدم كثيرون هذا المزيج من أجل الهدف ذاته.

دراكولا لم يعد أسطورة.. ربما

في مقاطعة مونتيري في ولاية كاليفورنيا، أسس «جيسي كارمازين»، طالب في كلية الطب جامعة ستانفورد، شركة «أمبروسيا – Ambrosia»، التي تتيح للفرد إجراء تجربة سريرية، يزعم القائمون عليها في الشركة أنها تحارب التقدم في السن، حيث تقوم التجربة على حقن الشخص بدماء شباب أصغر سناً لتجديد شبابه. «أمبروسيا» هي كلمة إغريقية تعني «طعام الآلهة».

تكلفك هذه التجربة -التي تذكرك بأساطير العصور الوسطى- 8000 دولار أميركي، مقابل الحصول على لترٍ ونصف من البلازما في يومين، من متبرع صغير السن يتراوح عمره بين 16 إلى 25 عاماً. استوحى كارمازين تجربته هذه من عدة تجارب تمت على الفئران، حيث يدّعي أن نتائج تجاربه إيجابية، وأن مرضاه يشعرون بتحسن. من الناحية الأخرى، تؤكد إدارة الغذاء والدواء الأميركية أن هذا النوع من الممارسات غير مثبت، ولها عدة مخاطر محتملة، وتحذر من فخ الوقوع فيها.

التخلص من البروتين الزائد قد يكون الحل

تعمل «إيرينا كونبوي» وفريق بحثي من جامعة كاليفورنيا بيركلي على تصميم جهاز يمكن أن يعيد الشباب، ويقلل من أمراض الشيخوخة مثل؛ الزهايمر، باركنسون (الرعاش)، ومرض السكري. ووفقاً لفريق البحث، يتغير تركيز البروتين المتواجد في كل أنسجتنا بمرور الوقت والتقدم في العمر، حيث تؤدي المستويات المرتفعة منه إلى الحد من نمو وإصلاح أنسجة الدم الطبيعية، وبذلك تساهم في عملية الشيخوخة.

لذا يطور الفريق  ذلك الجهاز الذي يقوم بتصفية دم كبار السن من التركيز العالي من البروتينات وإعادة ضبطه للوصول إلى نسب صحية، إلا أن ذلك الجهاز ما زال في طور التجهيز منذ حوالي 3 سنوات، ونحن في انتظار فريق البحث ليعلن لنا عن النتائج.

مركبات كيميائية تجدد الخلايا

حيلة أخرى لمحاربة الشيخوخة اقترحها باحثون في جامعة إكستر البريطانية، من خلال معالجة الخلايا القديمة بمادة كيميائية تطلق كمياتٍ صغيرةٍ من كبريتيد الهيدروجين يمكنها تجديد الخالية القديمة.كبريتيد الهيدروجين هو جزيء موجود  طبيعياً في أجسادنا، وقد تبيًّن من التجارب على الحيوانات أنه يعالج العديد من الأمراض المرتبطة بتقدم العمر، ولكن نظراً لسمّية الكميات الكبيرة منه، فما زال البحث جارياً عن طريقة لإيصاله إلى الجزء المراد من الخلية. 

هذا النوع من الأبحاث لم يكن متوفراً في القرن السادس عشر حين تعرضت «ديان دو بواتييه» عشيقة هنري الثاني ملك فرنسا للتسمم بعد أن تناولت إكسير الذهب لتحافظ على جمالها وتبقى شابة إلى الأبد. يبدو أن فكرة أن الذهب قد يحافظ على الجمال والشباب ما زالت عالقة في أذهان النساء حتى الآن، لهذا سنجد الذهب موجود في مكونات العديد من مستحضرات التجميل، ولكن مدى فاعليته ما زالت قيد البحث والدراسة.

الشباب في الغذاء أم في الدواء؟

«تفاحة يومياً تغنيك عن الطبيب» مثل إنجليزي شهير، ويتفق كثيرون حول ما توصل إليه باحثون في كلية الطب في جامعة مينيسوتا عن قدرة مركب «الفيستين» في التقليل من مستويات الخلايا التالفة لدى الحيوانات، مما أطال أعمارها وساعد في تحسين صحتها. 

يوجد مركب الفيستين بشكلٍ طبيعي في بعض الفواكه والخضروات، مثل التفاح والفراولة والبصل والخيار، لكن الدراسة تحتاج إلى المزيد من البحث للإجابة على العديد من الأسئلة منها مثلاً؛ ما هي الجرعة الصحيحة الطبيعية للمركب حتى تظهر نتائجه؟ فقد تكون تفاحة واحدة كافية لإبعاد الطبيب، لكنها غير كافية لإبعاد الشيخوخة.

يستهلك الفرنسيون والإيطاليون وبلدان أخرى كمية كبيرة من الفِطر (المشروم) في طعامهم، لذا لديهم إصابات أقل بالأمراض التنكسية العصبية (مثل باركنسون والزهايمر)، بينما بلدان مثل الولايات المتحدة الأميركية والتي تستهلك كميات قليلة لديهم احتمال أكبر للإصابة بأمراض الشيخوخة مثل مرض الزهايمر.

هذا ما توصلت له نتائج الباحثين في مركز ولاية بنسلفانيا لمنتجات النبات والفطر للصحة، وقد أرجعوا تلك النتائج إلى وجود مركبي الإرغوثيونين والجلوتاثيون في بعض أنواع الفِطر الجاري دراسة أثرهما على مقاومة الإجهاد التأكسدي، الذي يحدث للخلايا مع التقدم في السن، والذي يسبب العديد من الأمراض مثل السرطان وأمراض القلب التاجية ومرض الزهايمر.

إذا كنت لا تثق في التغذية العلاجية، فنود الإشارة إلى أن «نيكولاس موزي» وفريق من الباحثين في جامعة تكساس عملوا على إيجاد حل دوائي للشيخوخة. ففي بداية العام الجاري، 2019، نشرت نتائج تجربة صغيرة عالج فيها موزي وفريقه 14 مصاباً بالتليف الرئوي مجهول السبب، باستخدام علاجات على مدار 3 أسابيع، تهدف إلى قتل الخلايا السامة القديمة في أجسامهم. في نهاية التجربة، أصبح المرضى قادرين على المشي لمسافاتٍ أبعد مما كانوا يستطيعون سابقاً، كما تحسنت لديهم باقي الأعراض، إلا أن التجربة ما زالت قيد البحث.

على الرغم من كل هذه المحاولات، فلم تنجح مساعي الإنسان في إيجاد إكسير الحياة الذي يحافظ على شبابه الأبدي حتى الآن. ربما استطاع أن يتحايل على شيبه ويخفيه، ولكنه لم يستطع أن يغلبه لا بحجر الفلاسفة ولا بالكيمياء الحيوية، لكن ما نجح فيه بعض البشر حقاً  هو أنهم تمكنوا من أن تظل أرواحهم شابة مهما طال العمر، وهذا ما نوصيك به لحين إشعارٍ آخر.