التنبؤ بنهاية الجائحة: التفاؤل مقابل التشاؤم

جائحة كورونا, المشاعر, العواطف, التفاؤل, التشاؤم
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً


لكل شخص رأيه الخاص حول نهاية الجائحة. يتنبأ المتفائلون بتسّطح منحنى الإصابات وإيجاد لقاح قابل للاستخدام خلال الـ 6 أشهر القادمة، أما المتشائمون فيعتقدون أن الجائحة ستضربنا بقوة، ولن نستطيع أبداً العودة إلى نمط الحياة قبلها.

إذن ما الأفضل؟ هل يجب أن يكون الشخص متفائلاً ويحافظ على الأمل مخاطراً بخيبة أمل مستقبلية، أم يكون متشائماً مثقلاً بالاكتئاب والقلق حول حدوث مآس وشيكة، ثم يشعر بالانبهار عندما نتجاوز أصعب الظروف؟

كن واقعياً

عمد الاقتصاديان «ديفيد دي ميزا» من مدرسة لندن للاقتصاد، و«تشارلز داوسون» من جامعة بارث إلى الإجابة على السؤال السابق. وبدأ بمراجعة إجابات 1601 شخص في مسح تم لـ «ذا بريتيش هاوسهولد بانل»، على سؤالين جاوب الأشخاص عليهما بشكلٍ متكرر كل سنة بين 1991 و 2009: «كيف سيكون وضعك المادي بعد سنة حسب اعتقادك؟» و(بعد سنة) «هل تعتقد أن وضعك المادي الآن أفضل أم أسوأ، أو لم يتغير مقارنة بوضعك السنة الماضية؟» بعد ذلك، بحث دي ميزا وداوسون في مستويات سعادة هؤلاء الأشخاص ليحددوا هل هم متفائلون أم متشائمون، وهل هم أكثر سعادة أو بؤساً بناءً على تحقيق أهدافهم المالية أم لا.

تظهر نتيجتان من الدراسة كيفية الإجابة على السؤال الأهم المتعلق بالجائحة: متى ستنتهي؟ (مع تنبيه هام: التنبؤ بالوضع المادي المستقبلي أسهل بكثير من التنبؤ بسلوك فيروس جديد. أما علاقة التفاؤل والتشاؤم بالصحة لم تُدرس بعد حسب علمي).

أولاً: كان الأشخاص الذين تنبأوا بوضعهم المادي بعد سنة بدقة -وهم الواقعيّون- أكثر سعادة في السنة التالية. وكانت مستويات سعادة المتفائلين (الذين بالغوا في تقدير نجاحهم المالي)، والمتشائمين (الذين قللوا من تقدير مدى نجاحهم مالياً بعد سنة) أقل بكثير. بتعبير آخر، من الأفضل أن يكون المرء واقعياً، وأن يملك القدرة على التنبؤ بدقة بالمستقبل بدلاً من أن تكون متفائلاً أو متشائماً.

قراءة المستقبل مستحيلة

حسناً إذن، من الجيد أن تمتلك القدرة على التنبؤ بالمستقبل. ومع ذلك، إليك بعض الواقعية: معظمنا لا يستطيع ذلك. استناداً إلى ميولنا الطبيعية وتصرفاتنا، فإننا نخطئ في المبالغة في تقدير آفاقنا المستقبلية أو التقليل من شأنها، وهذا يشمل السؤال: متى سنصل إلى مستقبل خالٍ من الجائحة؟

لهذا السبب، فإن النتيجة الثانية لبحث دي ميزا وداوسون أكثر إثارة للاهتمام ولها تبعات أبعد المدى: عانى المتشائمون من ضائقات نفسية بنسبة تتجاوز الواقعيين بـ 37.2%، كما عانى المتفائلون منها بنسبة تتجاوز الواقعيين بـ 11.8%.

بتعبير آخر، المتشائمون غير الواقعيين الذين يعيشون في حالة من القلق حول حدوث مآسٍ وشيكة يعانون من الضائقات النفسية، بمعدل يفوق 3 أضعاف معدل المتفائلين غير الواقعين -الذين يأملون دائماً بمستقبل أفضل مما يحدث بالحقيقة- حتى عندما يتفاجأون بسعادة أن حياتهم ليست بالسوء الذي توقّعوه.

(مع ذلك فإن التفاؤل الجامح لا يجب أن يُبالغ به، وذلك لأننا قد نتبع مقاربة ساذجة في أخذ المخاطر عندما لا ننتبه إلى الأثر الوظيفي الاجتماعي للمشاعر السلبية، والتي تمثّل إشارات تنبيهية تساعدنا في أن نكون يقظين وواعين للمخاطر حولنا).

في حين أنه قد يوجد العديد من الأسباب التي تجعلنا نعتقد أن أثر التفاؤل أكبر على سعادتنا -ومنها بحث وجد أن المتفائلون يميلون لأن يعيشوا حياة أطول، وأسعد وأكثر صحية من المتشائمين-، إلا أن أهمها هو أن الأمل كالأفيون. لماذا؟ لأنه يعطينا سبب لأن نستمر.

كيف تريد قضاء وقتك؟

بالمصطلحات العملية، خذ بعين الاعتبار الآثار بعيدة المدى على سعادتك لقضاء ساعات طويلة، يوماً بعد يوم، مغموراً بالإيجابية والأمل بمستقبل أكثر إشراقاً مقابل قضاء هذه الساعات مغموراً بالقلق حول فشل حياتك (مع ارتفاع طفيف في المزاج كلما أصبحتْ أفضل من توقعاتك). كلنا نملك خياراً علينا اتباعه كل يوم من حياتنا: التركيز على أن نصبح أفضل، أو نغرق في الحزن.

قد تقول لنفسك الآن: «حسناً ولكن كيف يمكن لي أن أبقى متفائلاً على الرغم من غزارة الأخبار السلبية المثبطة الدائمة؟ على سبيل المثال، خذ بعين الاعتبار الأشخاص حولك الذين يقولون: «إن نمط حياتنا لن يعود لما كان عليه أبداً، سيتعيّن علينا دائماً ممارسة التباعد الاجتماعي من الآن فصاعداً».

عندما تتعرض لهذا النوع من التفكير، تخيّل شخصاً عاش سنة 1918 خلال جائحة الأنفلونزا الإسبانية كانت لديه نفس الأفكار على الأرجح. ثم فكر بعشرينيات نفس القرن، والتي وقعت خلالها أزمة صحية عامة أكثر فتكاً بشكلٍ لا يوصف من جائحة كوفيد-19، ومات أكثر من 50 مليون شخص.

تخيل مثلاً جموع البشر الذين اختلطوا بآخرين وقت ذروة الفيروس في بيئات مغلقة، حيث تعد بيئة مثالية لانتشار الفيروس، ومع ذلك ما زالوا أصحاء. هذا التفكير يساعدنا في أن نظل إيجابيين خلال هذه الأوقات الصعبة.


*نشر بواسطة «أنتوني سيلارد»، أستاذ مشارك بجامعة ولاية كاليفورنيا، معلم وخبير في مجال القيادة، كتب العديد من المقالات العلمية حول العاطفة وإدارة المشاعر. صدر كتابه الأخير بعنوان «Screened In: The Art of Living Free in the Digital Age» في مارس/ آذار 2020.