ما الصفات التي يرثها الطفل عن أمه والتي يرثها عن أبيه؟

3 دقيقة
ما الصفات التي يرثها الطفل عن أمه والتي يرثها عن أبيه؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/ HENADZI KlLENT
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يُحكى أن امرأة فاتنة الجمال قالت لأينشتاين: تعال لنتزوج، فننجب طفلاً يرث مني الجمال ومنك الذكاء، فقال لها: وماذا لو ورث قبحي وغباءك! والآن، وبغض النظر عن صحة الحكاية، هل صحيح أن الصبي يرث الذكاء من أمه وليس من أبيه؟ أو لنقل، هل هناك صفات يرثها الطفل عن أمه بالتحديد وصفات يرثها عن أبيه بالتحديد؟ 

هل حقاً نرث الذكاء من أمهاتنا فقط؟

انتشرت منذ عدة سنوات وما زالت حتى اليوم، العديد من المقالات التي تدّعي أن الأطفال الذكور يرثون ذكاءهم من أمهاتهم فقط، وذلك لأن معظم جينات الذكاء تحمل على الكروموسوم الجنسي X، والصبي يحصل على هذا الكروموسوم من أمه فقط، ويحصل على الكروموسوم Y من والده، هذا بالإضافة إلى أنه حتى ولو نقل الأب بعضاً من جينات الذكاء إلى طفله (كما في حالة الطفلة التي تمتلك كروموسوم X من الأم وكروموسوم X من الأب مثلاً)، فمن المحتمل ألا يكون لها أيّ تأثير على دماغ الطفل، لأن جينات الذكاء هي جينات مُكيِّفة (مشروطة) تعمل في حال وُرِّثت من الأم فقط. وقد استندت جميع هذه المقالات إلى دراسات قديمة أُجريت على الفئران ونُشِرت عام 1996، فهل صحيح أننا نرث الذكاء من أمهاتنا فقط؟ 

اقرأ أيضاً: فك شيفرة التاريخ البشري من خلال دراسة الحمض النووي للأسلاف.

في الواقع، إن الموضوع أكثر تعقيداً من ذلك بكثير، والتعقيد يبدأ من الذكاء أساساً، فدراسة الذكاء تعد أمراً صعباً، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن تعريف الذكاء وقياسه يتم بطرائق مختلفة. فمن تعريفات الذكاء أنه القدرة على التعلم من التجارب، والتكيّف مع البيئات المتغيرة، والقدرة على التفكير والتخطيط وحل المشكلات، والتفكير المجرد، وفهم الأفكار المعقدة، والذاكرة، والقدرات اللفظية، وغيرها.

وعلى الرغم من أن بعض الجينات المحمولة على الكروموسوم X قد يكون له دور مهم في نمو الدماغ، لكن لا يمكن القول إن جميع جينات الذكاء محمولة فقط على الكروموسوم X، فالدراسات الحديثة لم تحدد بشكل قاطع أي الجينات التي تؤدي أدواراً رئيسية في الذكاء، بل من المحتمل أن تكون وراثة الذكاء ناتجة عن عدد كبير من الجينات، بحيث تسهم كل منها بتأثير بسيط في ذكاء الشخص، والتي تخضع أيضاً لتأثير مجموعة من العوامل البيئية، فالذكاء لا يتأثر بالعوامل الجينية فقط، بل هو سمة معقدة تتأثر بالعوامل الجينية والبيئية، إذ إن العديد من العوامل البيئية مثل الرعاية الصحية والتغذية والتعليم والتربية ودخل الأسرة ومهنة الوالدين ومكان الإقامة وغيرها هي عوامل تؤثر على معدل ذكاء الطفل إلى حد كبير.

إذاً وعلى ما يبدو، فإن الذكاء ليس من الأمهات فقط، وليس من الكروموسوم X فقط، وليس من الجينات فقط أساساً.  

اقرأ أيضاً: كيف يمكننا الاستفادة من علوم الأحياء الرياضية في دراسة تشابك الحمض النووي؟

إذاً، هل ثمة من صفات نرثها من أمهاتنا بالتحديد وأخرى نرثها من آبائنا بالتحديد؟

تؤدي الجينات دوراً أساسياً في تحديد السمات الجسدية للإنسان، إذ تحتوي كل خلية في جسم الإنسان على عدد من الجينات يتراوح بين 25.000 إلى 35.000 جين، وهي محمولة على الكروموسومات، إذ تحتوي نواة كل خلية في جسم الإنسان على 46 كروموسوماً (اثنان منهما هي الكروموسومات الجنسية X وY)، نصفها من الأم والنصف الآخر من الأب. 

وعلى الرغم من أن سمات الإنسان يحددها مزيج من العوامل الجينية (التي يورثها الطفل من والديه معاً) والعوامل البيئية، لكن وفي بعض الحالات، فقد يكون أحد الوالدين هو المسؤول فقط عن بعض السمات.

اقرأ أيضاً: الحمض النووي القديم يحل بعض ألغاز حياة البشر الأوائل في إفريقيا

ما السمات التي قد يكون الأب مسؤولاً عنها؟

بداية، يُذكر أن الكرموسومات الجنسية للأب لا تحدد فقط جنس الطفل، بل هي تحمل أيضاً بعض الجينات التي ترتبط بسمات أخرى، وهو ما يسمى بالميراث المرتبط بالكروموسوم Y، والتي قد يورثها الأب لأبنائه الذكور فقط، ومن هذه السمات:

  • فرط شعر الأذنين.
  • أصابع القدم الوتراء (Webbed toes).
  • رجل النيص (Porcupine man) وهي حالة يصبح فيها الجلد ثخيناً وغامق اللون ومتقشراً وخشناً.
  • عقم الكرموسوم Y، وهي حالة تؤثر على إنتاج الحيوانات المنوية وتسبب العقم عند الذكور، إذ قد لا ينتج جسم الرجل المصاب خلايا منوية ناضجة، أو قد يكون عددها أقل من المعتاد، أو أنها لا تتشكل بشكل طبيعي أو لا تتحرك بشكل صحيح. وفي حال لجأ الرجل للتقنيات المساعدة على الإنجاب، فغالباً ما يكون ابنه الذكر مصاباً بهذا العقم.

اقرأ أيضاً: ما الذي تخبرنا به الحفريات وعينات الحمض النووي عن تطور ذكاء البشر؟

ما السمات التي قد تكون الأم مسؤولة عنها؟

يمكن أن تُعزى بعض السمات الموروثة إلى المادة الوراثية التي تنقلها الأم فقط، وذلك نتيجة احتفاظ البويضة بالميتاكوندريا الخاصة بها، والميتاكوندريا هي هياكل تحول الجزيئات إلى طاقة تحتوي على مجموعة من كمية صغيرة من الحمض النووي الذي أتى من الأم أساساً. لذلك، فإن بعض السمات والأمراض الوراثية توصف بأنها ميراث أمومي. ومن هذه السمات:

  • اعتلال ليبر العصبي البصري الوراثي وهو ما قد يؤدي إلى فقدان البصر. فإذا كان هناك طفرة في جين الميتاكوندريا تُحدِث هذا المرض، فإنها تنتقل من الأم إلى جميع أطفالها، لكن الأطفال الذكور لن ينقلوه إلى أطفالهم في المستقبل، أما البنات ينقلونه إلى جميع أبنائهم.
  • قد يؤدي الحمض النووي للميتوكوندريا دوراً أساسياً في التحمل الرياضي للإنسان.

ختاماً، لا يرث الطفل ذكاءه عن أمه فقط، والذكاء ليس نتيجة الوراثة فحسب، بل إن العديد من السمات هي نتيجة التفاعل ما بين الجينات والعوامل البيئية.