كيف بدأ نقل الأعضاء من الحيوان إلى الإنسان وما مستقبله؟

5 دقيقة
كيف بدأ نقل الأعضاء من الحيوان إلى الإنسان وما مستقبله؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/ sulit.photos
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يموت وسطياً في أميركا وحدها نحو 17 مريضاً يومياً بسبب الحاجة إلى نقل الأعضاء، وبالوقت ذاته يضاف كل 9 دقائق اسم جديد إلى لائحة انتظار التبرع بالأعضاء التي يفوق عدد الموجودين فيها الـ 100،000 شخص، ناهيك عن الحالات غير الموثقة عالمياً والدول الأخرى خارج هذه الإحصائية. هذه الحاجة الملحة للأعضاء شجعت تطور الأبحاث والتجارب في مجال نقل الأعضاء من الحيوانات لإنقاذ حياة المرضى، فكيف بدأت هذه التجارب وإلى أين وصلت وما مستقبلها؟ 

تاريخ نقل الأعضاء من الحيوان للإنسان

لا يعد نقل الأعضاء الحيوانية للإنسان أمراً حديثاً، بل هو أمر مذكور في معظم أساطير الحضارات العالمية القديمة، وهناك عدة تجارب موثقة لهذه العمليات بدأت منذ نحو 350 عاماً، ومن أشهرها ما يلي:

  • في عام 1667 قام الطبيب الفرنسي جان بابتيست دينيس (Jean Baptiste Denis) بنقل الدم من الحيوانات إلى البشر، إذ استخدم دم الحملان لهذه العملية، وحدثت اختلاطات لاحقاً. لكن تعد هذه أول محاولة موثقة بشكل كامل في العصر الحديث لنقل طعم مادي من الحيوانات للإنسان.
  • في عام 1838 تم إجراء أول عملية زرع قرنية من خنزير لمريض بشري، ولم تتم زراعة قرنية من إنسان لإنسان إلا بعد مرور نحو 65 عاماً على هذه التجربة. 
  • في عام 1902 طور الجراح الفرنسي أليكسيس كاريل (Alexis Carrel) تقنيات جراحية لمفاغرة الأوعية الدموية أي وصلها مع بعضها، وبذلك فتح الطريق أمام إجراء نقل الأعضاء بنجاح لأول مرة في القرن العشرين، وحاز على جائزة نوبل في الطب والفيزيولوجيا في عام 1912 لإنجازه هذا. 
  • في عام 1964 نقل الطبيب كيث ريمتسما (Keith Reemtsma) كلية شمبانزي لأول مرة إلى إمرأة مصابة بفشل كلوي، واستطاعت أن تعيش بهذه الكلية لفترة 9 أشهر بنجاح.
  • في الستينيات من القرن العشرين أجرى الطبيب الأميركي توم ستارزل (Tom Starzl) عدة عمليات نقل كبد وكلى بين الرئيسيات غير البشرية للأطفال الصغار دون نجاح مستمر لفعالية الأعضاء، وقام بنقل كبد من قرد بابون لمرضى بالغين في التسعينيات مع بقاء مريض واحد على قيد الحياة لمدة 70 يوماً، وذلك بالترافق مع استخدام الأدوية المثبطة للمناعة.
  • وفي 7 يناير/كانون الثاني 2022، خضع “ديفيد بينيت” إلى عملية زرع قلب خنزير معدّل وراثياً لأول مرة في التاريخ واستمر بالعمل بفعالية لنحو شهرين، ثم توفي بينيت لأسباب لا تزال قيد الدراسة.

اقرأ أيضاً: كيف يعمل نظام زرع الأعضاء في ظل قواعد قوائم الانتظار المعقدة؟

ما هي الأعضاء التي يمكن نقلها؟

هناك عدة أعضاء يمكن نقلها من الحيوان للإنسان، وتختلف في درجة الحاجة لها، فمنها ما يكون ضرورياً للحياة مثل القلب والكلية، وغيرها وظيفي لكن ليس ضرورياً للبقاء مثل القرنية، وتشمل الأعضاء والأنسجة القابلة لزراعتها ما يلي:

  • الكبد.
  • الكلى.
  • البنكرياس.
  • القلب.
  • الرئة.
  • الأمعاء.
  • القرنيات.
  • الأذن الوسطى.
  • الجلد.
  • العظم.
  • نخاع العظام.
  • صمامات القلب.
  • النسيج الضام.
  • الأوعية الدموية.

ما هي الحيوانات المرشحة لعملية نقل الأعضاء؟

على الرغم من الاعتقاد الشائع بأن الرئيسيات الأخرى مثل الشمبانزي والغوريلا وغيرها أفضل لنقل الأعضاء بسبب التشابه الجيني الكبير مع البشر، لكن تعد الخنازير أفضل منها للأسباب التالية:

  •  مشابهة للبشر فيزيولوجياً. 
  •  فترات حملها قصيرة، تقل عن أربعة أشهر، وتنتج عدداً كثيراً نسبياً من الأجنة.
  •  انخفاض مخاطر انتقال فيروسات منها للبشر.
  • إمكانية تربيتها ببيئات خاضعة للرقابة الصحية، ولا تحتاج لتدابير تعامل خاصة نظراً لأنها مستأنسة.
  • جينوم الخنازير مدروس بشكل جيد، ما يسمح بالتعديل الوراثي عليه لجعله أكثر قابلية للزراعة في الإنسان.

وتتميز كلى الخنازير أيضاً بالخصائص التالية:

  • لديها تدفق دم مماثل لكلى البشر.
  • يمكنها موازنة السوائل والشوارد بشكل جيد.
  • يمكنها التعامل مع الأطعمة التي يأكلها البشر.
  • لديها معدلات رشح كبيبي (eGFR) مماثلة لكلى لبشر.

اقرأ أيضاً: هل تدخل الروبوتات ميدان زراعة الأعضاء والنُسج البشرية؟

بينما لا تعد القرود نموذجية لزراعة الأعضاء للأسباب التالية:

  • يعد التعامل معها صعباً، وتربيتها بحاجة للرقابة المستمرة.
  • تنضج ببطء وتميل إلى إنجاب نسل واحد في كل مرة.
  • يزيد احتمال نقل الأمراض من القردة للإنسان مثل الفيروسات وغيرها نتيجة التشابه الفيزيولوجي والجيني.

إيجابيات نقل الأعضاء من الحيوان للإنسان

من أهم إيجابيات نقل الأعضاء من الحيوان للإنسان ما يلي:

  • تأمين الحاجة المتزايدة من الأعضاء

يزداد عدد المرضى الذين هم بحاجة إلى أعضاء يومياً، لذا هناك حاجة ملحة لبديل عن الأعضاء التي يتم التبرع بها من البشر، وهنا يبرز دور الأعضاء الحيوانية كوسيلة أكثر وفرة لهذه الحاجة.

  • إنقاذ حياة العديد من الناس

لا يمكن اعتبار أعضاء الحيوانات بديلاً دائماً لأعضاء الإنسان، لأن الحيوانات المنقولة أعضاؤها أعمارها أقصر من عمر الإنسان وتؤخذ عادة بعد نضوج الحيوانات وبلوغها لكي يصبح حجم العضو المزروع مناسباً، لكن يمكن لهذه الأعضاء المنقولة أن تمنح المرضى على لائحة الانتظار المزيد من الوقت إلى حين توفر عضو من متبرع بشري ملائم.

  • تقليل فرص التبرع بالأعضاء في السوق السوداء

قد يضطر عدد كبير من الأشخاص الذين حالتهم الصحية حرجة إلى اللجوء لطرق غير شرعية للحصول على عضو من السوق السوداء، ويتبع هذا الأمر شبكة إجرامية واسعة تعتمد على طلب الأعضاء، فيمكن لنقل أعضاء الحيوانات تقليل هذه الظاهرة بشكل كبير.

اقرأ أيضاً: هل يومض شريط الذكريات قبل الوفاة؟ مسح نادر لدماغ بشري يحتضر

  • تطور العلوم الطبية

تتطلب عمليات نقل الأعضاء من الحيوانات إجراء أبحاث معمّقة عن خصائص الحيوانات وقابلية استخدامها، ومنها التمساح الذي يمتلك أجساماً مضادة مقاومة للعدوى بشكل كبير، ما قد يساهم في استخدام هذه الآليات لتطوير علاجات السرطان الحديثة.

سلبيات نقل الأعضاء من الحيوان للإنسان

من أبرز سلبيات نقل الأعضاء الحيوانية للإنسان ما يلي:

  • القضايا الأخلاقية والدينية التي يطرحها نقل الأعضاء من الحيوانات التي تعد محرمة مثل الخنازير وغيرها.
  • خطورة انتقال الأمراض من الأعضاء المزروعة للمرضى.
  • المخاطرة بقصر مدة فعالية الأعضاء المزروعة من الحيوانات.
  • للأعضاء الحيوانية معدل رفض مرتفع جداً مقارنة بالأعضاء البشرية.

إقرأ أيضاً: لأول مرة: نجاح بنكرياس اصطناعي في التحكم بالسكري من النمطين الأول والثاني

مستقبل نقل الأعضاء من الحيوان للإنسان

شهد نقل الأعضاء من الحيوانات تطورات كبيرة في السنوات الأخيرة بعد ظهور تقنية كريسبر لتحرير الجينوم، إذ جعلت من السهل تكوين أعضاء حيوانية أقل عرضة للهجوم من قبل أجهزة المناعة البشرية.

وتركز الأبحاث الحالية التي تهتم بنقل الأعضاء والأنسجة الحيوانية للإنسان على المجالات التالية:

  • زرع الأعضاء الكاملة: مثل القلب والرئتين والكبد والبنكرياس والكلى.
  • زرع الخلايا: كما في جزر لانغرهانس المفرزة للإنسولين في مرض السكري والخلايا الدماغية في داء ألزهايمر وباركنسون.
  • زراعة الأنسجة: وذلك في حالات ترقيع الجلد أو زرع القرنية أو زراعة العظام.
  • زرعات جسرية: وتقوم بتأدية وظيفة عضو المرضى خارجياً دون زرعه داخل جسم المريض لفترة مؤقتة ريثما يتم تأمين العضو من متبرع.

ويعد الرفض المناعي أكبر عائق لنقل الأعضاء، ويمكن  تجاوزه كما يلي:

  • قمع جهاز المناعة لدى المتلقي: ويمكن القيام بذلك من خلال الأدوية المثبطة للمناعة.
  • تعديل الحيوانات المانحة وراثياً: وذلك لمنع حدوث رفض مناعي شديد من قبل المتلقي، حيث تقوم شركة “ريفيفيكور” (Revivicor) الأميركية بالتعديل الوراثي على الخنازير، وقامت بإجراء 10 تعديلات وراثية نوعية للخنزير الذي استخدم قلبه لديفيد بينيت عام 2022 للتقليل من الرفض المناعي واستمرار القلب بالعمل لفترة أطول.
  • تغليف الخلايا المزروعة: إذ تقوم شركة ليفينغ سيل تكنولوجيز (Living Cell Technologies) النيوزيلندية، بحماية  خلايا الخنزير المزروعة بطبقة مواد من الأعشاب البحرية التي تمنع الجهاز المناعي من اكتشاف الخلايا.

إقرأ أيضاً: نجاح تغيير فصيلة دم الكلى المتبرع بها يفتح آفاقاً جديدة في زراعة الأعضاء

ليس من المتوقع أن تنجح عمليات نقل الأعضاء من الحيوانات للإنسان قبل مرور 30 عاماً على الأقل، وهناك عدة أبحاث في مجال نقل الأعضاء قد تكون متفوقة على هذا النمط، كاستخدام الأعضاء الميكانيكية المصغرة أو الأعضاء المصنعة بالمختبر باستخدام الخلايا الجذعية، فالسباق الطبي لتأمين الحاجة من الأعضاء مستمر، لكن هل سيواكب الحاجة المتزايدة للمصابين بأمراض عضال؟