فطريات تقتات على حرائق الغابات تثير فضول العلماء

لماذا تزدهر بعض أنواع الفطريات والبكتيريا أولاً بعد حرائق الغابات؟
فطر لحم البقر ينمو في غابة. ديبوزيت فوتوز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تؤثر حرائق الغابات في الأنظمة البيئية بطرق عديدة. وعلى الرغم من أن الكثير من هذه التأثيرات سلبي، فإن بعض الكائنات تزدهر بعد الحرائق؛ من الحشرات والحيوانات الصغيرة التي تحتمي في البقايا المتفحمة إلى الحيوانات مثل نقار الخشب أسود المنقار والبوم المرقّط.

في دراسة نشرت بتاريخ 6 فبراير/ شباط في مجلة علم البيئة الجزيئي، فحص الباحثون من جامعة كاليفورنيا في مدينة ريفرسايد كيف أثّر حريق هولي فاير (Holy Fire) الذي وقع عام 2018 في كل من مقاطعة ريفرسايد ومقاطعة أورانج في ولاية كاليفورنيا الأميركية في البكتيريا والفطريات بمرور الزمن بعد إخماده. تسبب هذا الحدث في احتراق أكثر من 90 كيلومتراً مربعاً من الأراضي ودمّر 24 مبنى.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن أن يساعد التعديل الكيميائي للنباتات على تعافيها من الأضرار؟

أشكال الحياة في منطقة ندبة الحريق

قادت عالمة الفطريات في جامعة كاليفورنيا والمؤلفة المشاركة للدراسة الجديدة، سيدني غلاسمان (Sydney Glassman)، فريقاً من الباحثين في ما يدعى بندبة الحريق، وهي المنطقة التي تظهر فيها علامات حرائق الغابات على الأرض بشكل واضح. قالت غلاسمان في بيان صحفي: “عندما وصلنا إلى منطقة الحريق، كانت سماكة الرماد كبيرة لدرجة أنه وصل إلى أعلى ساقي. كان هذا الحريق شديداً للغاية”.

علامات على وجود أشكال الحياة الميكروبية بعد إخماد حريق هولي فاير الذي وقع عام 2018 في ولاية كاليفورنيا الأميركية. المصدر: سيدني غلاسمان/ جامعة كاليفورنيا في ريفرسايد

خلال السنة التي تلت هذا الحريق، زار الفريق المنطقة المتأثرة 9 مرات، وقارن الباحثون التربة المتفحمة بالعينات من التربة غير المحترقة التي تم جمعها من مناطق قريبة. انخفضت كتلة الميكروبات بنسبة تتراوح بين 50% و80%، ولم تتعافَ جماعات الميكروبات خلال السنة الأولى بعد الحريق. مع ذلك، وجدت بعض أشكال الحياة طرقاً للبقاء.

قالت غلاسمان: “ازدادت وفرة بعض الأنواع. وفي الواقع، طرأت تغيّرات سريعة للغاية في وفرة هذه الأنواع في التربة المحترقة بمرور الزمن”، وأضافت: “لم تطرأ أي تغيّرات في الوفرة في التربة غير المحترقة”.

هيمنة الميكروبات

تناوبت العديد من أنواع الميكروبات في الهيمنة على التربة المحترقة في السنة الأولى بعد الحريق. وحدثت تحولات مميزة في وفرة الميكروبات بمرور الوقت. قالت غلاسمان: “مع تراجع أحد الأنواع، انتشر نوع آخر”.

في الأيام الأولى بعد الحريق، تم إيجاد الميكروبات التي تتمتع بمقاومة عالية للنار ودرجات الحرارة المرتفعة في التربة. وبمرور الوقت، لاحظ الفريق انتشار المزيد من الكائنات الحية التي تنمو بسرعة والتي تحتوي على العديد من الأبواغ. يبدو أن هذه الكائنات كانت قادرة على الاستفادة من المساحات دون أن تواجه الكثير من المنافسة من الميكروبات.

اقرأ أيضاً: هل تدخل الفيروسات السلسلة الغذائية كمغذيات لأحياء أخرى؟

مالت الكائنات التي تستطيع استهلاك الفحم وبقايا الحريق الغنية بالنتروجين لأن تكون أكثر هيمنة مع اقتراب نهاية العام الأول.

تغيرات جينية على الميكروبات المهيمنة

لاحظت المؤلفة المشاركة للدراسة الجديدة والمرشحة لنيل شهادة الدكتوراة في علم أمراض النبات في جامعة كاليفورنيا ريفرسايد، فابيولا بوليدو-تشافيز (Fabiola Pulido-Chavez)، أن نسبة المورثات التي تؤدي دوراً في استقلاب الميثان تضاعفت في الميكروبات التي انتشرت بعد الحريق. الميثانوتروفات (Methanotrophs، أو البكتيريا المحبة للميثان) هي ميكروبات تنظّم عملية تفكيك غاز الميثان في البيئة، والذي يعتبر أحد الغازات الدفيئة شديدة التأثير.

قالت بوليدو-تشافيز في بيان صحفي: “يبين هذا الاكتشاف المثير أن الميكروبات التي انتشرت بعد الحريق تستطيع التغذّي على الميثان للحصول على الكربون والطاقة، ما قد يساعد البشر في التخفيف من نسب الغازات الدفيئة”.

اختبر الفريق ما إذا كانت الفطريات وأنواع البكتيريا قادرة على الازدهار في فترات مختلفة من الزمن بناء على سماتها الخاصة، أو أن هناك سبباً آخر وراء التغيرات في الأنواع المهيمنة في التربة.

اقرأ أيضاً: اكتشاف بكتيريا عملاقة بحجم حبة الفول تذهل العلماء

قالت غلاسمان: “نعتقد أنه لا يوجد نوع واحد يحقق جميع الشروط اللازمة للازدهار في المناطق التي تأثرت بالحريق”، وأضافت: “إذا تمتّع نوع ما بقدرة عالية على تحمّل الحرارة، فلن يتمتّع على الأرجح بالقدرة على النمو بسرعة”.

تشبه العملية التي تحدث في التربة المحترقة ما يحدث في جسم الإنسان عند تعرضه للإجهاد. على سبيل المثال، عندما يتناول مريض ما مضاداً حيوياً، يقتل هذا الدواء البكتيريا المعوية، ما يتسبب بظهور أنواع جديدة من البكتيريا التي إما لم تكن مهيمنة أو موجودة حتى في الأمعاء من قبل. في نهاية المطاف، قد يعود تركيب البكتيريا المعوية إلى الحالة التي كان عليها قبل الإصابة بالعدوى. ولكن ذلك غير مؤكّد.

تكيف النباتات مع الحرائق

يحاول مؤلفو الدراسة الجديدة فهم العمليات التي تسهم في عودة الأراضي إلى الحالة التي كانت عليها قبل الحريق. وقد تُغيّر المعلومات التي يمكن أن يحصلوا عليها النظريات الأقدم والمتعلقة بطرق تكيّف النباتات مع حرائق الغابات؛ إذ إن هذه النظريات لم تأخذ بعين الاعتبار الميكروبات التي تم فحصها في الدراسة الجديدة. قالت بوليدو-تشافيز: “هذا المسعى مثير للحماس بالنسبة لي؛ إذ إنه تم تجاهل دراسة الميكروبات في هذا السياق من قبل على الرغم من أنها تؤدي دوراً ضرورياً في صحة الأنظمة البيئية”.

السؤال الذي لم تتم الإجابة عنه حتى الآن هو ما إذا كانت النباتات والميكروبات التي تطورت في المناطق المتأثرة بالحرائق قادرة على التكيّف مرة أخرى استجابة للحرائق الضخمة الأخرى أو الحرائق المتكررة في المنطقة نفسها. يمكن أن تنظر الأبحاث المستقبلية في كيفية تأثير العوامل الأخرى، مثل ارتفاع درجات الحرارة وذوبان الثلوج في أوقات أبكر من المعتاد ومواسم الجفاف الأطول وزيادة وتيرة حرائق الغابات الناجمة عن التغيّر المناخي في التعافي الطبيعي للمناطق المتأثرة بالحرائق.

اقرأ أيضاً: كيف تشتري لنا النباتات الوقت في مواجهة تغيّر المناخ؟

قالت غلاسمان: “تمتلك الطبيعة القدرة على التعافي. ولكن هذه العملية تستغرق وقتاً طويلاً. ولا نعلم بعد ما إذا كانت الأراضي قادرة على التعافي بعد الحرائق الضخمة والمتكررة بمعدلات عالية. هل يمكن أن يعوض التعافي الأضرار الناجمة عن الحرائق الضخمة؟ لا نعلم جواب هذا السؤال بعد”.