تعرّف إلى مكونات الطيف الكهرومغناطيسي

7 دقيقة
تعرّف إلى أسرار الطاقة والضوء في بعض مكونات الطيف الكهرومغناطيسي
حقوق الصورة: shutterstock.com/ ju_see
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

نتعامل في حياتنا اليومية مع العديد من أنواع الموجات الكهرومغناطيسية ودون أن ندرك ذلك حتى، فالضوء المرئي الصادر عن مصباح المنزل، وموجات الراديو المنبعثة من محطات الراديو، والأشعة فوق البنفسجية التي تسبب سمرة البشرة وحروقها، والأشعة السينية التي يستخدمها الأطباء في تصوير العظام، هي جميعها جزء من الطيف الكهرومغناطيسي، وهو طيف يمتد على مدى واسع من الأطوال الموجية، طيف نرى قسماً صغيراً منه وقسماً أعظم لا نراه. فما هو الطيف الكهرومغناطيسي وما علاقته بالضوء المرئي والأشعة السينية والأشعة فوق البنفسجية؟

اقرأ أيضاً: ما هي مراحل دورة الكربون في الطبيعة؟

ما هو الطيف الكهرومغناطيسي؟

هو نطاق يشمل جميع أنواع الإشعاع الكهرومغناطيسي، ويتكون من العديد من النطاقات الفرعية مثل الضوء المرئي والأشعة السينية والأشعة فوق البنفسجية وغيرها. تنتقل الأشعة الكهرومغناطيسية على شكل موجات، مثل الموجات التي تراها في البحر أو المحيط، والموجة هي اضطراب في وسط مادي معين أو مجال ما يؤدي إلى اهتزاز أو تذبذب، فقمة موجة البحر والانخفاض اللاحق الذي يليها هو ببساطة تذبذب المياه أو اهتزازها على سطح المحيط. تتحرك الموجات الكهرومغناطيسية بطريقة مشابهة نوعاً ما، مع اختلاف أنها تتألف من نوعين من الموجات التي تتأرجح عمودياً على بعضها بعضاً، إحدى الموجتين هي مجال مغناطيسي متذبذب والأُخرى هي مجال كهربائي متذبذب.

وعلى الرغم من أن جميع الموجات الكهرومغناطيسية تنتقل بسرعة الضوء في الفراغ، فإنها تفعل ذلك على نطاق واسع من الترددات والأطوال الموجية وطاقة الفوتونات، فالطول الموجي هو المسافة بين قمة موجة وقمة الموجة التالية، أما التردد فهو يعبّر عن عدد الموجات التي تمر بنقطة معينة في ثانية واحدة، وكلما صغر الطول الموجي ازداد التردد وازدادت الطاقة التي تحملها الموجة. بالتالي، يمكن التعبير عن الإشعاع الكهرومغناطيسي من حيث طاقته وتقاس بالإلكترون فولت، أو الطول الموجي وتقاس بالمتر أو أجزائه، أو التردد ويُقاس بالثانية أو الهرتز.

إذاً، يشمل الطيف الكهرومغناطيسي بأكمله 7 مناطق أو نطاقات وهي من الطول الموجي الأطول إلى الأقصر (من الموجات الأقل طاقة إلى أكبرها) كالتالي: موجات الراديو، الموجات الدقيقة (المايكروويف)، الأشعة تحت الحمراء، الضوء المرئي، الأشعة فوق البنفسجية، الأشعة السينية، أشعة غاما. وإليك خصائص كل منها باختصار.

اقرأ أيضاً: كيف استفاد شعب الأزتيك من الشمس لتطوير تقويم زراعي دقيق؟

موجات الراديو 

تتمتع موجات الراديو بأطول الأطوال الموجية في نطاق الطيف الكهرومغناطيسي، إذ تتراوح من 30 سنتيميتراً إلى مئات الكيلومترات. وتمر معظم موجات الراديو بحرية عبر الغلاف الجوي للأرض، على الرغم من أن بعض الترددات قد تنعكس أو تمتصها الجزيئات المشحونة الموجودة في طبقة الأيونوسفير. لقد أثبت العالم الألماني هاينريش هيرتز وجود موجات الراديو في أواخر الثمانينات القرن التاسع عشر، في حين اكتشف العالم كارل جانسكي عام 1932 أن النجوم والأجسام الأخرى في الفضاء تشع موجات راديوية. يمكن استخدام موجات الراديو في البث الإذاعي والتلفزيوني والملاحة والتحكم في حركة الطيران والهواتف المحمولة وغيرها.

الموجات الدقيقة

تقع هذه الموجات بين نطاق موجات الراديو ونطاق الأشعة تحت الحمراء، وهي ذات أطوال موجبة تتراوح من 30 سنتيميتراً إلى 1 ميليمتراً. تستخدم الموجات الدقيقة في الرادار والاتصالات وعمليات نقل البيانات عالية السرعة بين المحطات الأرضية والأقمار الصناعية والمسابر الفضائية، ولعل أشهر استخداماتها هي في تسخين الطعام، وذلك لأن ذرات وجزيئات الماء والدهون الموجودة في المواد الغذائية تمتص الأشعة الدقيقة فتتذبذب وتتصادم مع بعضها بعضاً، فترتفع درجة حرارتها. في المقابل، لا يتم تسخين الأجسام الصلبة مثل الزجاج والسيراميك، ولا يمكنها اختراق الرقائق المعدنية على الإطلاق. يذكر أن المهندس بيرسي ليبارون قد سجل براءة اختراع بأول فرن مايكروويف عام 1945. 

الأشعة تحت الحمراء

هو ذلك الجزء من الطيف الكهرومغناطيسي الذي يمتد بين نطاق الموجات الدقيقة ونطاق الضوء المرئي (عند اللون الأحمر)، أي تتراوح أطوالها الموجية من 700 نانومتر إلى 1 ميليمتراً. وعلى الرغم من أنها غير مرئية للعين البشرية، لكن يمكن الاستشعار بها كحرارة. تُستخدم الأشعة تحت الحمراء في مجموعة متنوعة من التطبيقات، ومن أشهرها أجهزة استشعار الحرارة والتصوير الحراري ومعدات الرؤية الليلية، كما تستخدم في أجهزة التحكم المختلفة مثل جهاز التلفاز والمكيف وغيرها. يُذكر أن عالم الفلك البريطاني السير ويليام هيرشل هو من اكتشف الأشعة تحت الحمراء عام 1800.

اقرأ أيضاً: كيف يتم قياس سرعة الضوء؟

طيف الضوء المرئي

على الرغم من أن كل الإشعاع الكهرومغناطيسي هو ضوء، لكننا لا نستطيع أن نرى سوى جزء صغير من هذا الإشعاع، وهو الجزء الذي نسميه الضوء المرئي، الذي يمتد على نطاق من الأطوال الموجية يمتد من 380 نانومتر إلى 700 نانومتر من نطاق الطيف الكهرومغناطيسي. يُذكر أن الخلايا المخروطية الموجودة في عيون البشر تعمل كمستقبلات مضبوطة على الأطوال الموجية في هذا النطاق الضيق من الطيف، أما الأجزاء الأخرى من الطيف فهي إما ذات أطوال موجية كبيرة جداً أو صغيرة جداً حتى تستطيع البيولوجية البشرية إدراكها.

يرى البشر الضوء الذي يبلغ طوله الموجي نحو 740 نانومتراً كلون أحمر، في حين يرون الضوء الموجود في منتصف الطيف المرئي كلون أخضر، أما الضوء الموجود الذي يبلغ طوله الموجي نحو 380 نانومتراً يرونه كلون بنفسجي، وكل الألوان الأخرى التي ندركها هي مزيج من هذه الألوان.

على سبيل المثال، يحتوي اللون الأصفر على ضوء من المناطق الحمراء والخضراء من طيف الضوء المرئي، أما السماوي فهو مزيج من الضوء الأخضر والأزرق، والأرجواني هو مزيج من الأحمر والأزرق. يحتوي الضوء الأبيض على جميع الألوان معاً، أما اللون الأسود فهو الغياب التام للضوء. أول شخص أدرك أن الضوء الأبيض يتكون من ألوان قوس قزح هو إسحاق نيوتن عام 1666، عندما مرر ضوء الشمس عبر شق ضيق ثم موشور لإبراز الطيف الملون على الحائط.

والآن، هل تعلم أن الأجسام الساخنة تُطلق جزءاً من طاقتها الحرارية على شكل فوتونات؟ وهو ما يُسمى بالتوهج، وكلما ازدادت سخونة الأجسام، فإنها تشع طاقة تهيمن عليها أطوال موجية أقصر، وهو ما نراه على شكل ألوان متغيرة. على سبيل المثال، يتغير لون لهب موقد اللحام من الأحمر إلى الأزرق إذا ضبط ليكون أكثر سخونة. فعندما تكون درجة حرارة الجسم الساخن 800 درجة مئوية، تكون الطاقة التي يشعها الجسم في نطاق الأشعة تحت الحمراء، ومع ارتفاع درجة حرارته، تنتقل طاقة الفوتونات التي يشعها إلى منطقة الطيف المرئي بحيث يبدو أن الجسم يتوهج بشكل ضارب إلى الحمرة، ثم وعندما يصبح الجسم أسخن، يتغير اللون إلى أبيض وفي النهاية إلى لون أزرق.

اقرأ أيضاً: مفارقة كمومية جديدة تلقي بظلال الشك على أسس الواقع المرصود

لذلك يستخدم لون الأجسام الساخنة مثل النجوم لتقدير درجة حرارتها؛ فالشمس التي تبلغ درجة حرارتها نحو 5,527 درجة مئوية، يبلغ الطول الموجي للضوء المنبعث منها نحو 550 نانومتراً، وهو ما نراه كضوء أبيض أو أصفر قليلاً، أما وفي حال كانت درجة حرارة سطح الشمس أبرد أي نحو 3,000 درجة مئوية، فسوف تبدو حمراء، أما لو كانت أكثر سخونة فسوف تبدو زرقاء. 

الأشعة فوق البنفسجية

هي ذلك الجزء من الطيف الكهرومغناطيسي الممتد من نهاية نطاق الضوء المرئي عند طول موجي يبلغ تقريباً 400 نانومتر إلى بداية منطقة الأشعة السينية عند طول موجي يبلغ تقريباً 10 نانومترات. وعلى الرغم من أن الأشعة فوق البنفسجية غير مرئية للعين البشرية، فإن بعض الحشرات تستطيع رؤيتها مثل النحل الطنان.

قسمت الأشعة فوق البنفسجية بناءً على تفاعل الأطوال الموجية للأشعة فوق البنفسجية مع المواد البيولوجية إلى 3 أقسام، هي (تذكر أنه كلما قصر الطول الموجي كانت الأشعة أكثر قوة وخطراً):

  • الأشعة فوق البنفسجية A: ذات طول موجي يتراوح بين (400-315) نانومتراً، وتسمى أيضاً الضوء الأسود.
  • الأشعة فوق البنفسجية B: ذات طول موجي يتراوح بين (315-280) نانومتراً، وهي المسؤولة عن أشهر تأثيرات الأشعة فوق البنفسجية على الكائنات الحية.
  • الأشعة فوق البنفسجية C: ذات طول موجي يتراوح بين (280-100) نانومتر، وهي لا تصل إلى سطح الأرض.

إن الشمس هي المسؤولة بشكل أساسي عن الأشعة فوق البنفسجية التي تصل إلى كوكب الأرض. يمتص الأوكسجين الموجود في الغلاف الجوي للأرض، الذي يشكل طبقة الأوزون في طبقة الستراتوسفير السفلى، معظم الأشعة فوق البنفسجية التي تصل إلى الغلاف الجوي للأرض، أما الأشعة فوق البنفسجية التي تستطيع الوصول إلى سطح الأرض فإن 99% منها هي من النوع A.

للأشعة فوق البنفسجية قوة اختراق منخفضة، وبالتالي، فإن تأثيرها المباشر على جسم الإنسان يقتصر على سطح الجلد، وتشمل الآثار المباشرة لهذا التعرض حدوث حروق الشمس التي قد تتراوح من مجرد احمرار في الجلد إلى ظهور بثور وتورم وتقشر الجلد الخارجي وغيرها، بالإضافة إلى اسمرار البشرة.

أما التعرض المستمر لأشعة الشمس فوق البنفسجية فيسبب حدوث معظم تغيرات الجلد المرتبطة عادة بالشيخوخة، مثل التجاعيد والتغيرات في التصبغ وزيادة معدلات الإصابة بسرطان الجلد خاصة لدى الأشخاص ذوي البشرة الفاتحة. ومع ذلك، فإن للأشعة فوق البنفسجية تأثيرات إيجابية على جسم الإنسان، فهي تحفّز إنتاج فيتامين د في الجلد، بالإضافة إلى قدرتها على التعقيم.

الأشعة السينية

هي جزء من الطيف الكهرومغناطيسي، تتمتع بطول موجي قصير جداً يتراوح ما بين 10-0.01 نانومتر، وذات تردد عالٍ جداً، وطاقة عالية جداً. وهي وعلى عكس الأشعة فوق البنفسجية، ذات قدرة عالية على اختراق الأجسام، كما أنها شكل من أشكال الإشعاع المؤين تستطيع عندما تتفاعل مع المادة أن تدفع الذرات المعادلة لتحرير الإلكترونات، بالتالي تستطيع عندما تمر عبر الأنسجة الحية أن تسبب تغيرات كيميائية وحيوية ضارة في الجينات والكروموسومات ومكونات الخلايا الأخرى. لحسن الحظ، فإن الأشعة السينية التي تصدر عن الهالة الشمسية، وهي الطبقة العليا من الغلاف الجوي للشمس، لا تصل إلى سطح الأرض بسبب الغلاف الجوي السميك للكرة الأرضية الذي لا يسمح بعبور أي أشعة سينية قادمة من الفضاء.

وقد اكتشف العالم الألماني فيلهيلم كونراد رونتجن الأشعة السينية صدفة لأول مرة عام 1895، حيث التقط صورة شعاعية ليد زوجته التي كشفت بوضوح عظامها وخاتمها، وأثارت الصورة حينها اهتماماً علمياً كبيراً حول الإشعاع الجديد، وأُطلق عليه اسم X أو “سين” لكونه إشعاعاً مجهولاً وقتها.

ومنذ ذلك الحين، أدت خصائص الأشعة السينية مثل قدرتها على اختراق المواد، وأطوالها الموجية ذات البعد الذري، والطاقة العالية لفوتوناتها إلى استخدامها في مجموعة واسعة من التطبيقات الصناعية والطبية والعلمية. وقد أصبحت صور الأشعة السينية للجسم أداة تشخيصية لا غنى عنها في الطب الحديث، إذ يسمح التصوير الطبية بالكشف عن تجاويف الأسنان وكسور العظام والأجسام الغريبة والحالات المرضية مثل السرطان. بالإضافة إلى ذلك، تستغل العلاجات الإشعاعية خصائص الأشعة السينية المذكورة أعلاه في علاج الأورام السرطانية واضطرابات الدم مثل سرطان الدم، وذلك عبر توجيهها إلى الأنسجة المستهدفة.

أشعة غاما

تتمتع بأقصر الأطوال الموجية من طيف الأشعة الكهرومغناطيسية وأعلاها طاقة. في الفضاء، تنتجها الأجسام الأكثر سخونة والأعلى طاقة مثل النجوم النيوترونية والنجوم النابضة وانفجارات المستعرات العظمى والمناطق المحيطة بالثقوب السوداء. أما على سطح الأرض، تتولد موجات غاما عن طريق الانفجارات النووية والبرق وأنشطة الانحلال الإشعاعي. تسبب أشعة غاما أضراراً مشابهة لتلك التي تسببها الأشعة السينية، مثل الحروق والسرطانات والطفرات الجينية. يُذكر أن الكيميائي الفرنسي بول فيلارد كان أول من اكتشف وجود أشعة غاما، عندما كان يحقق في إشعاع الراديوم.

اقرأ أيضاً: كل ما تحتاج معرفته عن اليورانيوم

ختاماً، وعلى الرغم من أن طيف الضوء المرئي والأشعة فوق البنفسجية والأشعة السينية وباقي الأشعة المختلفة جميعها أجزاء من الطيف الكهرومغناطيسي، فإن لكل واحدة منها خصائص مختلفة جداً عن الأخرى.