جزيرة مدغشقر تواجه خطر الانقراض الجماعي

جزيرة مدغشقر تواجه خطر الانقراض الجماعي
الليمور الفأري البني، أحد الأنواع الـ 104 من حيوانات الليمور المهددة بالانقراض حالياً. انقرض ما مجموعه 17 نوعاً من حيوانات الليمور منذ وصول البشر إلى مدغشقر. شيان لي
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تعد جزيرة مدغشقر مركزاً للتنوع البيولوجي. إذ إن أكثر من 90% من النباتات والحيوانات الموجودة على الجزيرة الواقعة في المحيط الهندي لا توجد في أي مكان آخر. لذا، فهي مكان مثالي لدراسة الطرق التي تؤدي فيها العزلة الجغرافية إلى التطور. منذ انفصالها عن البر الرئيسي للقارة الإفريقية قبل 150 مليون سنة وانفصالها عن شبه القارة الهندية منذ 80 مليون سنة، اتّبعت نباتات الجزيرة وحيواناتها مسارات تطورية خاصة بها. وقد أدى انخفاض التنوّع الجيني، بالإضافة إلى تنوّع الموائل،إلى انقسام الثدييات لأنواع مختلفة بسرعة أكبر مقارنة بما حدث في القارات الأخرى.

عزلة لا تحمي قاطني الجزيرة

ومع ذلك، فإن عزلة الجزيرة لا يمكن أن تحمي نباتاتها وحيواناتها من الصيد الجائر، وفقدان الموائل، وتغيّر المناخ الذي نشهده في جميع أنحاء الكوكب. إذ إن أكثر من 120 نوعاً من أنواع الثدييات المعروفة في مدغشقر والبالغ عددها 219 مهددة بالانقراض، ومنها 109 أنواع من حيوان الليمور، رمز مدغشقر. لذا، يبقى الانقراض احتمالاً وارداً إذا لم يدرك البشر خطورته.

23 مليون عام لتستعيد مدغشقر عافيتها

بحثت دراسة نُشرت بتاريخ 10 يناير/ كانون الثاني في مجلة نيتشر كوميونيكيشنز (Nature Communications) في المدة الزمنية التي يستغرقها ظهور الثدييات المهددة بالانقراض في مدغشقر من جديد بعد انقراضها، كما قدّرت المدة التي يمكن أن يستغرقها تطور مجموعات معقدة مشابهة من الثدييات الجديدة لتحل محل الثدييات القديمة. وبلغت هذه المدة 23 مليون عام، وهي فترة أطول بكثير مقارنةً بما وجده العلماء في الجزر الأخرى مثل تلك الموجودة في منطقة البحر الكاريبي.

يقول المؤلف المشارك للدراسة، ستيف غودمان، عالم الأحياء في برنامج ماك آرثر فيلد للثدييات في متحف شيكاغو فيلد للتاريخ الطبيعي (Chicago’s Field Museum)، والمسؤول العلمي في جمعية فاهاترا (Vahatra) في مدينة أنتاناناريفو عاصمة مدغشقر، في بيان صحفي: “من الواضح تماماً أن هناك سلالات كاملة من الثدييات الفريدة التي لا توجد إلا في مدغشقر، والتي إما انقرضت وإما أنها على وشك الانقراض، وإذا لم يتم اتخاذ إجراء فوري، فستفقد مدغشقر 23 مليون سنة من التاريخ التطوري للثدييات، ما يعني اختفاء سلالات كاملة فريدة من نوعها على وجه الأرض بالكامل”.

اقرأ أيضاً: الدبابير الروسية للتخلص من الخنافس الشرهة القاتلة لأشجار المُران الأميركية

يؤدي التنوع البيولوجي المميز في مدغشقر إلى حدوث التطور والانقراض بشكل سريع. إن أكثر من 50% من الثدييات التي تعيش في مدغشقر مدرجة في القائمة الحمراء للأنواع المهددة بالانقراض التابعة للاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة (IUCN).

في هذه الدراسة، قام فريق دولي من علماء مدغشقر وأوروبا والولايات المتحدة الأميركية بإنشاء مجموعة بيانات لكل أنواع الثدييات المعروفة بتعايشها مع البشر في مدغشقر على مدار 2500 عام. ووجدوا 219 نوعاً معروفاً من الثدييات لا تزال على قيد الحياة حتى اليوم، بالإضافة إلى 30 نوعاً آخر انقرض منذ 2000 عام، ومنها حيوان الليمور العملاق الذي يمكن مقارنة حجمه بحجم الغوريلا. حيث انقرضت هذه الحيوانات الضخمة منذ نحو 500 إلى 2000 عام.

تنوع بيولوجي تطور على مدى ملايين السنين

وقد قام الفريق ببناء شجرة وراثية تُظهر كيفية ارتباط كل هذه الأنواع والمدة التي استغرقتها لتتطور من أسلاف مشتركة. وبعد ذلك، تمكن العلماء من معرفة المدة التي استغرقها هذا القدر من التنوع البيولوجي للتطور، كما توصلوا إلى تقدير للمدة التي سيستغرقها التطور لتعويض جميع الثدييات المهددة بالانقراض إذا انقرضت.

حيث يستغرق الأمر نحو 3 ملايين سنة لإعادة بناء تنوع الثدييات البرية التي انقرضت بالفعل. وتشير النماذج إلى أنه إذا انقرضت جميع الثدييات المهددة حالياً بالانقراض، فسيستغرق الأمر 23 مليون سنة لإعادة بناء هذا المستوى من التنوع.

يقول المؤلف المشارك في الدراسة، لويس فالينتي، عالم الأحياء في مركز ناتشوراليز للتنوع البيولوجي (Naturalis Biodiversity Center) والأستاذ في جامعة غرونينغن في هولندا، في بيان صحفي: “تعد هذه المدة الزمنية أطول بكثير مما وجدته الدراسات السابقة على جزر أخرى، مثل نيوزيلندا أو منطقة البحر الكاريبي”. ويضيف: “من المعروف بالفعل أن مدغشقر تعد نقطة ساخنة للتنوع البيولوجي، ولكن هذا البحث الجديد يوضّح مدى أهمية هذا التنوع، وتؤكد هذه النتائج المكاسب المحتملة للحفاظ على الطبيعة في مدغشقر من منظور تطوري جديد”.

اقرأ أيضاً: كيف تساعد دراسة الدببة القطبية في حدائق الحيوان على إنقاذها في القطب الشمالي؟

وأضاف الفريق أن هذا البحث يعد نقطة تحول لحماية التنوع البيولوجي في مدغشقر، وأن أمامنا نحو 5 سنوات لتعزيز جهود المحافظة على البيئة في الجزيرة، لكن تصطدم تلك الجهود بظروف عدم المساواة والفساد السياسي الذي يمكن أن يعرقل قرارات استخدام الأراضي.

يقول غودمان: “إن السبب الرئيسي للأزمة البيولوجية في مدغشقر هو الاقتصاد الاجتماعي، ورغم تلك المصاعب، لن نستسلم، فنحن ملزمون بدعم هذه القضية بكل ما نستطيع، ومحاولة جعل العالم يفهم أهمية التحرك الآن وإلّا فسنخسر هذه الأنواع إلى الأبد”.