لماذا نصاب بالقشعريرة؟

العلماء غير متأكدين تماماً من سبب إصابتنا بالقشعريرة، على الرغم من أنهم يعتقدون أنها على الأرجح آلية بقاء ورثناها عن أجدادنا.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

إذا شعرت بنسمة باردة مفاجئة، أو كدت تتعثر بقدميك، أو سمعت نغمة شديدة الارتفاع من أحد المغنين، فستشعر بنفس الشيء على الرغم من الاختلاف الكبير بين هذه الأحداث، وهي: القشعريرة. ولكن ما هي بالضبط؟ ولماذا نصاب بها؟ يعتقد العلماء أن لديهم إجابة جيدة عن السؤال الأول، لكن سبب حدوثها ما يزال غامضاً إلى حد ما.

تتشارك القشعريرة في شكلها مع ما يحدث لدى نتف ريش الإوز، فتظهر بروزات صغيرة على الجلد حيث كان الريش موجوداً، وهو ما يعطي القشعريرة اسمها الإنجليزي Goosebumps، الذي يعني حرفياً بروزات الإوز. أما آلية القشعريرة لدى البشر فهي بسيطة أيضاً؛ ففي نهاية الشعرة القريبة من الجلد -التي تعرف باسم الجذر- توجد عضلات صغيرة تعرف باسم العضلات المُقِفَّة للشعرة، وهذه العضلات عندما تنقبض أو تتقلص فإنها تؤدي إلى انتصاب الشعرة.

ومن المفاجئ أن العلماء لا يعرفون سبب إصابتنا بالقشعريرة بالضبط، ولكنهم يعتقدون أنها آلية بقاء متوارثة من أجدادنا. ففي مرحلة ما من تاريخ السلالات البشرية، كان جلدنا مغطى بشعر أطول وأكثر كثافة من الآن، وعند إصابة الإنسان البدائي بالبرد، كانت الشعرات ترتفع وتتباعد قليلاً، مما يؤدي إلى احتباس مقدار من الهواء قرب البشرة، وتشكيل طبقة عازلة للحرارة.

ويبدو هذا منطقياً. ولكن لماذا نصاب بالقشعريرة عند الشعور بشيء يثير السرور، مثل صوت الموسيقى الجميلة؟

يدرس الدكتور ميتشل كلوفر (وهو باحث في جامعة يوتاه الحكومية) القشعريرة وسبب ظهورها في أوضاع غير الإصابة بالبرد، وهو يدرس على وجه التحديد “رعشة الجلد”، أي أمواج السعادة التي تتحرك على البشر، وهو شعور اختبره ثلثا البشرية على الأقل.

ويقول كلوفر إن أحدث نظرية حول هذا الموضوع تنسب القشعريرة إلى استجابة الهروب أو القتال، وهي آلية بقاء داخلية تجعلنا نستجيب خلال فترة زمنية تقدَّر بالملي ثانية للمحفزات الخارجية، مثل الأصوات المفاجئة.

وحتى تفهم الموضوع بشكل أكثر، يمكنك أن تتخيل نفسك تسير في غابة في الليل، وتسمع فجأة أغصاناً صغيرة تتكسر على الأرض. ومن دون تفكير، يبدأ الجسم بمجرد سماع هذا الصوت بإطلاق الأدرينالين، وهو مادة كيميائية تحفِّز زيادة التنفس، والتعرق، وتسارع نبض القلب. هذه الاستجابات الجسدية كلها تؤدي إلى زيادة استعداد الجسد للحركة، أي الهروب أو القتال، كما يؤدي الأدرينالين إلى القشعريرة أيضاً، ويقول كلوفر إن أدمغتنا حساسة لمسألة البقاء إلى درجة أن استجابة أجدادنا لتوقُّع تكسر الأغصان انتقلت معنا إلى مسألة الموسيقى والفن.

كما يقول: “إن الأوتار الصوتية لمغنٍّ بارع مدرَّبةٌ على الصراخ بنغمة صحيحة، وبهذا فإن طريقة اهتزاز هذه الأوتار أثناء الغناء تشبه أحياناً اهتزازات أوتار شخص يصرخ بأعلى صوته”. فإذا كنت تستمع إلى أغنية، وحدث شيء غير متوقع (مثل نغمة عالية أو تغير في الطبقة)، سيؤدي هذا إلى إثارة استجابة القتال أو الهرب، حيث يعتقد الجسم بوجود خطر ما، وهكذا تظهر القشعريرة. وما أن تتدخل قدراتنا الإدراكية المتطورة في الموضوع، وتخبرنا بأنه لا داعي للخوف وأننا يجب أن نجلس لنستمتع بالفن، تتراجع استجابة القتال أو الهرب، بل إننا نحصل في إثر هذه التجربة على دفقة من الدوبامين، وهو المركب الكيميائي المثير للسعادة.

لم يعد الإحساس بالنغمات دلالة على الخطر، بل أصبح شيئاً جميلاً ومثيراً للسعادة، كما يقول كلوفر: “إنها مكافأة من التطور لأننا أدركنا أن هذا ليس تهديداً لنا”.