لماذا نصاب بدوار الحركة؟

استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

بدأت الحياة على الأرض منذ زمن يتراوح بين 3.8 و4.1 مليار سنة تقريباً، ولمدة طويلة خلال هذه الحقبة، ظلت الكائنات الحية على الأرض بسيطة، وبقي التطور بطيئاً. ثم حدث شيء مميز منذ 550 مليون سنة تقريباً؛ إذ أدى ارتفاع مستويات الكالسيوم والأكسجين في البيئة إلى تطور الأذن الداخلية، وأعضاء التوازن -أو ما يعرف بالجهاز الدهليزي- واجتذبت اليابسة بعد 165 مليون سنة أخرى من هذا التاريخ بعض الكائنات الحية بما في ذلك الكائنات التي ستتطور إلى كائنات بشرية، وقد يكون السبب الحصول على رؤية أفضل.

كتب الطبيب اليوناني «أبقراط» قبل 2000 عام: «أن الإبحار يثبت أن الحركة تسبب اضطراباً في الجسم». إن كلمة «nausea» مشتقة من كلمة «naus» اليونانية التي لها صلة بالسفن والإبحار والبحارة. يعاني نحو 65% من الناس دوار الحركة، وتصاب به النساء بدرجة أكثر من الرجال، ويصاب به من تبلغ أعمارهم 10 سنوات تقريباً أكثر من غيرهم، ولكن ما السبب في شيوعه؟

استجابة طبيعية

يحدث دوار الحركة عندما لا يكون ثمة توافق بين الإشارات البصرية التي ترسلها العينان إلى الدماغ، وما تشعر به الأذن الداخلية كحركة. على سبيل المثال: إذا كنت في سيارتك ونظرت إلى الهاتف، أو إحدى الصحف، أو أي شيء ثابت، فإن عينيك تخبران دماغك أنك لا تتحرك، لكن الجهاز الدهليزي -أعضاء التوازن في أذنك- يخبر دماغك أنك تتحرك. وهذا هو السبب في أن التطلع إلى الطريق والنظر إلى الأفق أمامك يمنع دوار الحركة؛ لأن ما تراه عيناك يتطابق مع ما يشعر به جسمك. تختبرنا تجربة دوار الحركة في سيارة متحركة أن نظامنا الدهليزي يعمل بشكل صحيح.

لا يصاب البشر وحدهم بدوار الحركة، بل يعاني منه الكلاب، القطط، الفئران، الخيول، الأسماك، البرمائيات، والعديد من الحيوانات الأخرى، لكن تختلف الأعراض بينها على نحوٍ طفيف. إذا عدنا إلى شجرة الحياة، فإننا نجد أن هذه الحيوانات كلها لها سلف مشترك أدنى هو سمك «الجريث» و«الجلكي». تحتوي أسماك الجريث على قناة دهليزية واحدة، أما سمك الجلكي فلديه اثنتان. بعد فترة وجيزة من ظهور أسماك الجريث والجلكي ظهرت الأسماك ذات الفك العظمي؛ مثل أسماك القرش التي لديها نظام دهليزي مثل البشر مكون من ثلاث قنوات.

نتساءل بناءً على ما تقدم: هل يمكننا القول إننا ورثنا حساسيتنا للحركة من قبل سلفنا المشترك هذا، وإننا أصبحنا أكثر حساسية عندما صرنا أكثر تعقيداً مع مرور الوقت؟ الإجابة عن هذا السؤال ليست بسيطة. على سبيل المثال: لدى سرطان البحر، والكركند، وجراد البحر جهاز دهليزي وجهاز بصري متطور للغاية، وقد تطورت هذه الأجهزة بشكل مستقل قبل ظهور الأسماك، منذ ما يقرب من 630 مليون سنة. كما أن هناك أدلة غير مُؤكَّدة تشير إلى أن هذه الكائنات تصاب أيضاً بدوار الحركة، لذلك ليس دوار البحر مجرد استجابة وراثية بسيطة، وإنما يبدو أنه يدل على عمل أجهزة الجسم كما يجب. لكن ما الذي يسبب دوار الحركة عند الكائنات الحية الأخرى؟ وكيف يمكن أن تكون ميزة تطورية؟ للإجابة عن هذين السؤالين نحن بحاجة إلى فحص أنواع الحركة الموجودة في الطبيعة.

أنواع حركة أخرى

الحركة في المحيطات: لا توجد الموجات فوق سطح البحر فحسب، بل في أسفله أيضاً بترددات تتراوح بين 0.16 و0.2 هرتز، وتؤثر على الحياة البحرية بطرق عديدة. وقد تبين أن بعض الأسماك تنتقل إلى المياه الأكثر هدوءاً عند هبوب العواصف.

وقد يكون دوار البحر الطريقة التي يخبر بها الجسم السمك بأنه في خطر، ومن الجدير بالذكر أن مقدار الحركة التي يمكن للإنسان أن يتحملها دون أن يصاب بدوار البحر؛ يقترب من مستوى التردد الذي تصاب عنده الأسماك بالدوار وهو 0.2 هرتز، ويتوافق هذا المقدار أيضاً مع تردد الأمواج الناتجة عن هبوب الرياح، وقد يكون هذا من قبيل الصدفة. ومن المُرجّح أنه يشير إلى العلاقة العميقة التي لا تزال قائمة بين جسم الإنسان والمحيط.

حركة الأشجار: تحمي الأشجار العديد من الحيوانات بما فيها «الشمبانزي»، لكنها مثل المحيطات، فقد تكون حركتها مضطربة، ومن المحتمل أن يكون التطور قد فضّل الأنواع التي نفرت من الحركة، وذلك بانتقالها إلى فروع ثابتة أقرب إلى الأرض. وهذا يُقلل من خطر موتها جراء الوقوع من ارتفاع شاهق. يعتقد البشر أنهم تركوا الأشجار والفروع المتمايلة، لكن المباني الشاهقة التي نسكنها ونعمل فيها تميل بخفة عند هبوب الرياح، تماماً كما تفعل الأشجار، وأفاد أشخاص يتأثرون بدوار الحركة أنهم عانوا أعراض مثل الدوخة وفقدان التركيز، النعاس والغثيان وهم في هذه المباني.

تطورت أجهزتنا الدهليزية، وأجهزتنا الأخرى على مدى ملايين السنين كي نستطيع المشي؛ لذلك ليس من المستغرب أن تتسبب القوارب، والسيارات، والجِمال، ونظارات الواقع الافتراضي في دوار الحركة. يرجع هذا إلى كون أجهزتنا الحسية لم يكن لديها وقت للتكيف مع التقنيات والبيئات الجديدة.

دوار الحركة صعب العلاج

يتعارض أي حل لدوار الحركة بشكلٍ أساسي مع ملايين السنين من التطور؛ ولهذا السبب يصعب علاجه.

يتناول كثيرون أدوية مثل «سكوبولامين» لعلاج دوار الحركة، لكن الأدوية تمنعك من التعود على البيئة حولك، بالإضافة إلى آثارها الجانبية. هذا يعني أنك ستستمر في الاعتماد عليها، ويلجأ بعض الناس إلى الأعشاب، ولكن نتائجها تختلف من شخصٍ إلى آخر.

الحل الأكثر فعالية لدوار الحركة هو محاولة التعود على البيئة. على سبيل المثال: يكون الشخص الذي يقضي الكثير من الوقت على القوارب أقل عرضة للإصابة بدوار البحر.

يبدو أن دوار الحركة هو استجابة طبيعية عند جميع البشر الأصحاء، ويبدو أن هذه الآلية الباطنية القديمة الدالة على اللياقة الوراثية وصفت بأنها مرض مع أنها ليست كذلك. قد يكون من الأفضل وصفها بأنها «استجابة حركية».