لا تعد الجراحة الدماغية للأبقار أمراً شائعاً. وبالتالي، إذا كنت في زيارة لموقع التنقيب العائد للعصر النيوليتي (العصر الحجري الحديث) في شامب – دوراند في فرنسا، وعثرت على جمجمة بقرة بعمر 5,200 تقريباً مع ثقب كبير فيها، فمن المرجح أنك ستفترض أن حادثاً ما تسبب بالصدفة بهذا الثقب. قد يكون السبب طعنة من قرن بقرة أخرى. ولهذا، ستسجل ملاحظاتك بكل دقة، وتعزو السبب إلى جريمة بقرية وقعت منذ زمن، وتتابع عملك واثقاً من دقة تحليلك.
ولكنك ستكون مخطئاً، على الأقل في هذه الحالة.
قام باحثون فرنسيون مؤخراً بإعادة تفحص جمجمة الضحية المزعومة، وأدركوا أن هذا الثقب لم يكن مجرد حادث، فقد كان منتظم الشكل وجيد الاستدارة، ولم يكن هناك أية دلائل على إصابة، كما أن الآثار الصغيرة حول الفتحة تبدو ناتجة عن أداة حادة بدلاً من قرن كبير. وفي الواقع، فهي شبيهة بالخدوش على الجماجم البشرية التي تعرضت لعمليات الثقب الجراحي، وهو ما يعتقد العلماء أن هذه البقرة تعرضت له، وقاموا مؤخراً بنشر نتائجهم في مجلة Scientific Reports.
ما هو ثقب الجمجمة الجراحي؟ سؤال وجيه فعلاً. فمنذ زمن، أي ما بين العصر النيوليتي وعصر النهضة، استخدم ثقب الجمجمة كإجراء لشفاء مجموعة متنوعة من الأمراض. كانت العملية بسيطة، وخطيرة للغاية، وتتلخص بفتح ثقب في جمجمة المريض. تعتبر هذه العملية من أولى العمليات الجراحية المعروفة لدى البشر، كما توجد أدلة على أنها كانت حتى ناجحة في بعض الأحيان. فإذا كان المريض مصاباً بازدياد الضغط داخل الجمجمة، كما في حالة نزيف دماغي، فقد يستفيد من هذه العملية. بطبيعة الحال، اعتقد الجراحون في تلك الأزمنة أنه يمكن بهذه الطريقة أيضاً شفاء النوبات بأنواعها والأمراض النفسية، وهي أمور لا يمكن التخفيف منها بإحداث ثقب كبير في الرأس. صحيح أن هذه العملية لم تشف أحداً بشكل فعلي إلا في حالات نادرة، ولكن لا بد من وجود بعض الأشخاص الذين عاشوا بعد هذه العملية. وقد عثر علماء الآثار على جماجم تحمل علامات شفاء واضح، ما يظهر أن الشخص عاش بما يكفي لإعادة تشكل العظام، وهو ما يبدأ بعد بضعة أيام من العملية.
من غير المرجح أن البشر في العصر النيوليتي كانوا يعتقدون أن هذه البقرة كانت تعاني من مرض عقلي، أو حتى أنهم كانوا يحاولون إنقاذ حياتها. لا يوجد أية علامات على إعادة تشكل العظام، ما يعني أن البقرة ماتت إثر العملية، أو أن العملية أجريت على بقرة نافقة. يعتقد العلماء أن هذا كان عبارة عن جولة تدريبية للجراحين القدامى، حيث أن حفر الثقوب في الجماجم عملية محفوفة بالمخاطر، ومن الجيد أن يتدرب الجراح على شيء يمكن الاستغناء عنه بدلاً من البشر. ويمكن في هذه الحالة أن يستخدم بقرة حية، أو حتى بقرة نافقة حديثاً.
لا يمكن تحديد مدى انتشار هذه الممارسة، لأن هذا يعتبر أول مثال معروف لجراحة الحيوانات. يشير فرناندو راميريز روزي، وهو أحد المؤلفين المشاركين في الدراسة، إلى أنه يوجد جمجمة أخرى من نفس الحقبة تقريباً ويحتمل أنها خضعت للثقب الجراحي أيضاً. نشرت صورة للجمجمة (وهي تعود لخنزير بري) في ورقة بحثية في عام 1948، ولكن، كما يقول روزي: "من سوء الحظ أنه لم يتم تحديد عمر الجمجمة، كما أنها اكتشفت خارج أي سياق آثاري". إذا كانت هذه الجمجمة مثقوبة جراحياً بالفعل، فهذا يظهر أن هذه العملية كانت أكثر شيوعاً على الحيوانات مما كنا نعتقد، ولكنه يكمل قائلاً: "بدون تأريخ وبدون سياق آثاري، من الصعب أن نجزم بأي شيء"، ومن سوء الحظ أنه لا أحد يدري أين هذه الجمجمة حالياً.
من المحتمل وجود بعض الأدلة التي تختبئ ضمن قطع جماجم معروفة أيضاً. يقول روزي: "من الصعب أن نعثر على جمجمة حيوان كاملة في سياق آثاري". يوجد الكثير من قطع العظام التي تحمل علامات ثقب الجمجمة، ولكنها صُنفت جميعاً كعظام بشرية، حيث لم يفكر أحد باحتمال أن تكون عظام مخلوقات أخرى. يقول روزي: "قد نحتاج لتفحص هذه القطع بشكل أدق، ودراسة احتمال أن تكون جزءاً من جماجم حيوانية".
إذا تمكن روزي وزملاؤه من إعادة تصنيف بعض هذه القطع، فقد نعرف كيف تمكن الجراحون القدامى من إتقان فن ثقب الجمجمة. إن مجرد تمكن البعض من متابعة حياتهم بعد عملية كهذه، نظراً لوضع الطب في تلك الأزمنة، هو أمر مثير للذهول، ومن المحتمل أن بعض الفضل في هذا الموضوع يعود إلى تلك الأبقار.