كيف يستطيع العلماء قياس المسافات بين النجوم والمجرات في الفضاء؟

كيف يستطيع العلماء قياس المسافات بين النجوم والمجرات في الفضاء؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/ Vladi333
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

انظر للسماء فوقك ليلاً، وأخبرني بما ترى. غالباً سيكون الجواب، إنها النجوم التي تزين السماء في الليالي الصافية، وقد يكون المشهد مكتملاً عندما يُطل القمر في أبهى صوره في منتصف الشهور القمرية، لكن هل تساءلت من قبل عن كيفية قياس المسافات بين تلك الأجرام السماوية؟ حسناً، لقد بدأ الأمر منذ آلاف السنين.

اجتهادات العلماء لقياس المسافات بين الأجرام السماوية

في القرن الثاني قبل الميلاد، حاول عالم الفلك اليوناني “أبرخش” قياس المسافة بين الأرض والقمر عبر ملاحظات الكسوف الشمسي باستخدام منظار، وكانت هذه أول محاولة بشرية معروفة لقياس المسافات بين الأجرام السماوية. وبعد ذلك بمئات السنين، تعاون عالمان بارزان، هما: عالم الفلك والرياضيات الإيطالي “جيوفاني كاسيني” مع زميله الفرنسي “جان ريتشر” في عام 1672، لقياس المسافة بين الأرض والمريخ.

يبدو أنّ فضول البشر نحو السماء قد ازداد، فراحوا يقيسون المسافات بين النجوم، وفي عام 1838، استطاع عالم الفلك الألماني “فريدريش بيسل” قياس المسافة بين النظام الشمسي ونجم “سيغني 61” (Cygni 61) الواقع في كوكبة “سيغنوس” (Cygnus) على بُعد 10 آلاف سنة ضوئية عن الأرض. وبمرور الوقت ومع التقدم التكنولوجي الهائل، استطاع العلماء اكتشاف وقياس المسافات بين النجوم بصورة أدق.

اقرأ أيضاً: كيف تبدو الأرض من الأجرام السماوية البعيدة في الفضاء؟

كيف يمكن قياس المسافات بين النجوم والمجرات؟

تتنوع الطرق التي يتبعها علماء الفلك لقياس المسافات بين النجوم والمجرات، من ضمنها:

الرادار

يمكن استخدام هذه الطريقة لقياس المسافات التي تصل إلى مليار كيلومتر، ما يجعلها مثالية لقياس المسافة بين الأرض والقمر مثلاً، وذلك عن طريق إرسال موجات رادار إلى الجرم السماوي والتقاط الموجات المرتدة عنه، ومن خلال قياس زمن إرسال وعودة هذه الموجات، يمكن قياس المسافة اعتماداً على هذا القانون الشهير الذي تعلمناه في المدرسة: المسافة = السرعة × الزمن

التزيّح

تستطيع هذه الطريقة قياس المسافات حتى 10 آلاف سنة ضوئية، وتعتمد على مقارنة موقع الجرم السماوي بآخر في خلفية الصورة. مثال على ذلك، لنفترض أنّ نجم “أ” أقرب إلى الأرض، بينما نجم “ب” بعيد على مسافة كبيرة، عندما يريد علماء الفلك تحديد حركة الأرض حول الشمس، يقيسون المسافة عبر مراقبة موقع النجم “أ” بالنسبة للنجم “ب”، ومنه يحددون المسافة بالرياضيات والحسابات. لكن بعد مسافة 10 آلاف سنة ضوئية، يصعب القياس.

متغير قيفاوي

يمكنه قياس حتى 100 مليون سنة ضوئية. متغير قيفاوي هو نوع من النجوم النبضية، تتمدد وتتقلص بانتظام، استطاعت عالمة الفلك الأميركية “هنريتا سوان ليفيت” توظيف هذه النجوم في قياس المسافات عبر الفضاء باستخدام معادلة رياضية تربط درجة سطوع النجوم القيفاوية والفترة الزمنية التي تنبض خلالها. مهّدت هذه الطريقة للعلماء اللاحقين أبرزهم “إدوين هابل”، الطريق لقياس المسافات بين الأجرام السماوية.

اقرأ أيضاً: كيف يقدّر العلماء وزن الكون والأجرام السماوية؟

علاقة تولي-فيشر (TFR)

يمكن قياس مسافة تصل إلى 15 مليون سنة ضوئية عبر هذه الطريقة، وتعتمد على ملاحظة سطوع وضخامة المجرات. على سبيل المثال، إذا كانت المجرة “س” ساطعة جداً وتبدو كبيرة الحجم، فهذا يعني أنها قريبة، وتُحسب المسافة على هذا الأساس، أما إذا كانت باهتة، وتبدو وكأنها صغيرة الحجم، هذا يدل على بُعدها عن الأرض.

الانزياح الأحمر

يمكن لهذه الطريقة قياس المسافة بين الأجرام السماوية بمقدار مليار سنة ضوئية، فمع تمدد الكون، ينتشر الضوء الصادر عن المجرات، وينزاح حتى يصل إلى اللون الأحمر، ويزداد هذا الانزياح مع المسافة، لذلك يمكن معرفة المسافة بين الأرض والمجرات الأخرى عبر تحليل الضوء الصادر عنها، وحساب مقدار الانزياح.

ما أهمية قياس المسافات بين الأجرام السماوية؟

إنّ قياس المسافات بين الأجرام السماوية له العديد من الفوائد، من ضمنها:

  • تقدير طاقة الجسم السماوي: عند معرفة المسافة بين الأرض والأجرام السماوية، يمكننا تقدير الطاقة التي تُولدها تلك الأجرام، فكلما ابتعد الجسم، قل سطوعه، وصار باهتاً، بعد ذلك، يمكننا استخدام هذه المعلومات في مقارنة النجوم وتعزيز فهم البشر لعلم الفيزياء.
  • تعزيز دراسة الأجرام السماوية: ربما تنظر إلى السماء، فتجد نجمين متشابهين، كلاهما له نفس درجة السطوع، فتستنتج أنهما متشابهان ويقعان بالقرب من بعضهما، لكن الحقيقة أنّ أحدهم بعيد عن الآخر، ولا يشبهان بعضهما. عند قياس المسافة جيداً بين الأرض وكل نجم من هذين النجمين، نستطيع دراستهما جيداً.

اقرأ أيضاً: مرصد جايا يكشف أسراراً مذهلة عن مجرة درب التبانة

كانت وما زالت السماء مبهرة للبشر على مر العصور، واستطاع الإنسان المعاصر تحقيق أحلام السابقين في الصعود إليها وتطوير أجهزة وأدوات تساعده على دراستها وفهمها جيداً.