لماذا الفضاء شديد البرودة بينما الشمس شديدة الحرارة؟

برودة الفضاء وحرارة الشمس
shutterstock.com/Aphelleon
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

سؤال ممتاز. على عكس كوكبنا معتدل الحرارة، فإن نظامنا الشمسي مليء بالأماكن التي تسودها درجات حرارة متطرفة. الشمس هي عبارة عن كتلة من الغاز والنار تبلغ درجة حرارة داخل نواتها حوالي 15 مليون درجة مئوية، بينما تبلغ درجة حرارة سطحها حوالي 5500 درجة مئوية. في الوقت نفسه، فإن درجة حرارة الخلفية الكونية (أي درجة حرارة الفضاء بمجرد الابتعاد بما يكفي للهروب من الغلاف الجوي المعتدل للأرض) تقترب من 270- درجة مئوية، كيف يمكن لهذا أن يحدث؟

تنتقل الحرارة عبر الكون كإشعاع، وهي موجة طاقية من الأشعة تحت الحمراء تنتقل من الأجسام الأكثر سخونةً إلى الأجسام الأكثر برودةً. تثير موجات الإشعاع الجزيئات التي تتلامس معها؛ مما يؤدي إلى تسخينها. هذه هي الطريقة التي تنتقل بها الحرارة من الشمس إلى الأرض؛ لكن المهم هو أن الإشعاع يسخّن فقط الجزيئات والمواد الموجودة في مساره مباشرةً – كل شيء آخر يبقى بارداً. خذ كوكب عطارد على سبيل المثال: يمكن أن تكون درجة حرارة الكوكب أثناء الليل أقل بمقدار 537 درجة مئوية من درجة الحرارة في الجانب المعرض للإشعاع أثناء النهار، وذلك وفقاً لوكالة ناسا.

قارن ذلك بالأرض؛ حيث يظل الهواء من حولك دافئاً حتى لو كنت في الظل، وحتى في ظلام الليل خلال بعض المواسم. يعود ذلك إلى أن الحرارة تنتقل عبر كوكبنا الأزرق الجميل بثلاث طرق: النقل الحراري، الحمل الحراري والإشعاع. عندما تضرب إشعاعات الشمس وتسخّن الجزيئات في الغلاف الجوي، فإن هذه الجزيئات تنقل تلك الطاقة الزائدة إلى الجزيئات من حولها، ثم تصطدم هذه الجزيئات بالجزيئات حولها وتسخّنها، وهكذا. يسمى انتقال الحرارة هذا من جزيء إلى جزيء «النقل الحراري»؛ وهو تفاعل متسلسل يسخن النقاط خارج مسار الشمس.

لكن الفضاء عبارة عن فراغ – بمعنى أنه فارغ في الأساس. جزيئات الغاز في الفضاء قليلة جداً، كما أنها بعيدة عن بعضها البعض بطريقة لا تسمح لها بأن تتصادم بانتظام، لذلك حتى عندما تقوم الشمس بتسخين هذه الجزيئات بموجات الأشعة تحت الحمراء، فإن نقل هذه الحرارة عبر عملية النقل الحراري هو أمر غير ممكن. وبالمثل؛ يُعتبر الحمل الحراري – وهو شكل من أشكال نقل الحرارة يحدث في وجود الجاذبية، ضروري لنشر الدفء عبر الأرض؛ ولكنه لا يحدث في الفضاء حيث تكون جاذبية الأرض منخفضةً للغاية.

هذه هي الأمور التي تفكر فيها «إليزابيث أبيل»؛ وهي مهندسة معالجة حرارية في مشروع «دي أيه آر تي» التابع لوكالة ناسا في أثناء تحضيرها للمركبات والأجهزة للرحلات طويلة المدى عبر الفضاء. وذكرت فقاً لأبيل، أنها كانت تفكّر بشكل مكثّف بهذه الأمور عندما كانت تعمل في مشروع مسبار «باركر سولار بروب».

كما يمكنك أن تستنتج على الأرجح من اسمه، فإن المسبار الأخير هو جزء من مهمة تقوم بها وكالة ناسا تهدف لدراسة الشمس. يقوم هذا المسبار برصد الطبقة الخارجية من الغلاف الجوي للشمس؛ والتي تسمى «الهالة»، ويجمع البيانات. في أبريل/نيسان من عام 2019، وصل المسبار إلى نقطة تبعد حوالي 24 مليون كيلومتر من الشمس، وبذلك يُعتبر هذا المسبار أقرب مركبة فضائية إلى الشمس أُطلقت على الإطلاق. الدرع الحراري الموجود على إحدى جوانب المسبار يحميه من إشعاعات الشمس؛ مما يسمح له بالقيام بمهامه.

اقرأ أيضاً: المسبار الشمسي باركر من ناسا يحطِّم رقمين قياسيين تاريخيين في طريقه نحو الشمس

تقول أبيل: «إن وظيفة هذا الدرع الحراري هي ضمان ألا يلمس إشعاع الشمس أي شيء على المركبة الفضائية»، لذا في حين أن الدرع الحراري يتعرض للحرارة الشديدة (حوالي 121 درجة مئوية) لنجمنا المضيف، فإن المركبة الفضائية نفسها أكثر برودةً، حوالي 150- درجة مئوية – وذلك وفقاً لما ذكرته أبيل.

بصفتها مهندسة المعالجة الحرارية الرئيسية في مشروع دي أيه آر تي (وهي مركبة فضائية صغيرة مصممة للتصادم مع كويكب ودفعه بعيداً عن مساره)؛ تتخذ أبيل خطوات عمليةً للتعامل مع درجات حرارة الفضاء السحيق. يفرض التباين الشديد في درجة الحرارة بين الفضاء شديد البرودة ودرجة حرارة الشمس بالغة الارتفاع تحدّيات فريدةً. يجب تطبيق آليات خاصة لتبريد بعض أجزاء المركبة الفضائية لتجنّب حدوث دارات القَصر، بينما يجب تطبيق آليات أخرى لتسخين أجزاء أخرى لدرجات حرارة تسمح لها بأن تعمل.

قد يبدو التحضير لتقلبات درجات الحرارة التي تبلغ مئات الدرجات أمراً بالغ الصعوبة؛ ولكن هذه هي الظروف التي يجب التعامل معها في الفضاء. الظاهرة الغريبة بحق هي الأرض؛ إذ أنه في خضمّ البرودة الشديدة والحرارة الشديدة، يحافظ غلافنا الجوي على درجات حرارة معتدلة بشكل مدهش – على الأقل في الوقت الحالي.

هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً