كيف يمكن إقناع المستهلكين بشراء المنتجات المعاد تدويرها؟

كيف يمكن إقناع المستهلكين بشراء المنتجات المعاد تدويرها؟
حقوق الصورة: بيكساباي.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تعاني الولايات المتحدة من مشكلة نفايات، وهذا معروف؛ إذ أنتجت البلاد في عام 2018 292.4 مليون طن من النفايات الصلبة. والتي تم إرسال نصفها تقريباً إلى المكبّات.

تساعد إعادة التدوير، أو تجميع المواد التي يتم التخلص منها عادة وإعادة معالجتها لتصنيع منتجات جديدة في تقليل كمية النفايات والتلوث الذي تتسبب به. يستطيع المستهلكون الاستفادة من هذه العملية من خلال شراء منتجات جديدة مصنوعة من مواد تمت إعادة تدويرها. في يومنا هذا، أصبحت تُصنع مختلف المنتجات من المواد المعاد تدويرها، من حقائب الظهر إلى قطع الأثاث الخارجي، ومن المواد البلاستيكية إلى الجوارب والألعاب، ومن شباك الصيد حتى إلى قوارير المياه والفولاذ.

مع ذلك، غالباً ما يظهر المستهلكون تناقضاً بين مواقفهم وسلوكهم (أو بين نيتهم وسلوكهم) عندما يتعلق الأمر بالاستهلاك المستدام. على الرغم من أن الناس لديهم موقف إيجابي تجاه المنتجات المصنوعة من المواد المعاد تدويرها، فإنهم لا يقومون بشراء هذه المواد دائماً. هناك عدة أسباب تجعل استخدام الملابس المخصصة للنشاطات والمصنوعة من قوارير المياه المعاد تدويرها أو الأحذية المصنوعة من الورق المقوى المعاد تدويره يبدو كفكرة جيدة نظرياً دون أن يتم تطبيقها عملياً.

المخاطر التي يشعر بها المستهلكون قد تمنعهم من الشراء

إذاً، لماذا لا يقوم المستهلكون بشراء هذه المنتجات، سواء فعلوا ذلك عمداً أو عن غير علم؟ وجدت دراسة مراجعة نُشرت مؤخراً في مجلة الموارد والحفظ وإعادة التدوير أن الفوائد البيئية والمخاطر المتصوَّرة والعواطف كلها عوامل تؤدي دوراً في التأثير إيجاباً أو سلباً على قبول المستهلكين للمنتجات المصنوعة من المواد المعاد تدويرها.

على سبيل المثال، يقول أثاناسيوس بوليبورتيس (Athanasios Polyportis)، مؤلف الدراسة والباحث في مرحلة ما بعد الدكتوراة في كلية هندسة التصميم الصناعي في جامعة ديلفت للتكنولوجيا، إنه يمكن أن ينظر المستهلكون إلى المنتجات المصنوعة من المواد المعاد تدويرها على أنها صديقة للبيئة، ما يجعلها خياراً ملائماً أكثر. تجعل هذه الفوائد البيئية المزعومة وفكرة تقليل التلوث المستهلكين يشعرون بمشاعر إيجابية مثل الفخر. مع ذلك، فإن المخاطر الوظيفية ومخاطر التلوث وتلك المتعلقة بالجماليات قد تقلل تقبّل المستهلكين للمنتجات المصنوعة من المواد المعاد تدويرها.

عندما يتعلق الأمر بالأجهزة الإلكترونية المصنوعة من المواد المعاد تدويرها، قد يقلق المستهلكون من جودتها وأدائها مقارنة بالبدائل غير المصنوعة من هذه المواد. بنفس الوقت، تثير الملابس المصنوعة من المواد المعاد تدويرها المخاوف المتعلقة بالنظافة والسلامة. يعتقد بعض المستهلكين أن هذه الملابس قد لا تكون نظيفة، ما يجعلها مصدر خطر صحي.

تؤدي جمالية المنتجات دوراً أيضاً. إذا لم يشعر المستهلك بأن المنتج المعاد تدويره يتماشى مع صورته الذاتية، فقد يؤجل شراء هذا المنتج أو يلغي فكرة شرائه تماماً. بالإضافة إلى ذلك، يقول بوليبورتيس: “يمكن أن تولّد المنتجات المصنوعة من المواد المعاد تدويرها المشاعر السلبية مثل الاشمئزاز بسبب مخاطر التلوّث المتصوَّرة، ما يقلل من رغبة المستهلكين بشرائها”.

بشكل عام، غالباً ما يُنظر إلى المنتجات المصنوعة من المواد المعاد تدويرها على أنها أقل جودة من بدائلها التقليدية. تقول أنجيلا تشانغ (Angela Chang)، أستاذة تدريس التسويق المساعِدة في كلية دامور-ماكيم للأعمال في جامعة نورث إيسترن، والتي لم تشارك في دراسة المراجعة الأخيرة، إن هذا ينطبق أيضاً على المنتجات الأخرى الصديقة للبيئة مثل معقّمات اليدين والمنظّفات.

يتصوّر المستهلكون أن المنتجات الصديقة للبيئة أقل فعالية من المنتجات العادية. تضيف تشانغ أن المستهلكين يميلون أيضاً لاستخدام كمية أكبر من هذه المنتجات لتعويض انخفاض جودتها. لنكن صريحين، لا تعتبر جميع المنتجات الصديقة للبيئة أقل سميّة و/أو أكثر قابلية للتحلل من المنتجات التقليدية كما تدّعي بعض الشركات المصنّعة.

مع ذلك، بالإضافة إلى الخصائص المادية لهذه المنتجات، هناك أسباب ثقافية واجتماعية وراء تردد المستهلكين في اعتماد المواد المعاد تدويرها. يقول دانييل فيشر (Daniel Fischer)، كبير العلماء في مخبر جولي آن ريغلي غلوبال فيوتشرز التابع لجامعة ولاية أريزونا، والذي لم يشارك في الدراسة الجديدة: “مع صعود المجتمعات الاستهلاكية، أصبحت إعادة استخدام المنتجات التي تم استخدامها من قبل ممارسة غير محبّذة ثقافياً”، ويضيف: “يتعلق ذلك بمُثل ‘النظافة’ بصفتها عرفاً جَمعياً يرتبط عادة باستهلاك المنتجات الجديدة”.

لحسن الحظ، إن معظم مخاوف المستهلكين المتعلقة بالنظافة والسلامة هي مجرد مخاوف وليست حقائق عندما يتعلق الأمر بالمنتجات المعادة تدويرها.

المنتجات المصنوعة من المواد المعاد تدويرها ليست أقل جودة بالضرورة

وفقاً لشيلي ميلر (Shelie Miller)، أستاذة الأنظمة المستدامة التي تشغل كرسي جوناثان بيركلي في جامعة ميشيغان، حقيقة أن منتجاً ما مصنوعاً من المواد المعاد تدويرها لا تعني أنه أقل جودة من المنتجات التقليدية أو أن أداءه سيكون أسوأ.

يجب أن يحقق أي منتج مخصص للمستهلكين نفس معايير السلامة والجودة المتفق عليها، بغض النظر عن المواد المصنوع منها. تضيف ميلر قائلة: “على الرغم من أن المواد المعاد تدويرها لا تمتلك نفس الخواص التقنية التي تمتلكها المنتجات التقليدية، فإنها ليست أقل جودة بطبيعتها”.

تقول ميلر أيضاً إن تقبّل المستهلكين للمنتجات المعاد تدويرها يعتمد على الأرجح على نوع المنتج. قد تتمكّن الجهات التي تبيع الأحذية والحقائب من استخدام المواد المعاد تدويرها والفوائد البيئية لمنتجاتها لجذب المستهلكين. بينما قد يكون من الأفضل للجهات التي تبيع المنتجات التي يجب أن تكون آمنة أكثر وذات أداء أفضل (مثل الأجهزة الإلكترونية) التركيز على إيجاد طرق لطمأنة المستهلكين أن هذه المنتجات تحقق معايير الجودة والسلامة.

يقول بوليبورتيس إنه لزيادة تقبّل المستهلكين، يمكن أن توفّر الشركات المصنّعة فترات كفالة أطول لمنتجاتها أو شهادات الجودة التي قد تخفف من مخاوف المستهلكين المتعلقة بأداء هذه المنتجات. يمكن أن تطبّق هذه الشركات أيضاً نماذج عمل مختلفة، مثل الاشتراكات أو خدمات الأجرة التي تضمن الجودة العالية أو طول عمر المنتج. يضيف بوليبورتيس أن تصميم شهادات لطمأنة المستهلكين أن المنتج المصنوع من المواد المعاد تدويرها نظيف وغير ملوث أمر وارد أيضاً.

لا يمانع المستهلكون عموماً بأن يدفعوا المزيد من المال لقاء المنتجات الصديقة للبيئة، لكنهم غير مستعدين لفعل ذلك عندما يتعلق الأمر بشراء منتجات الاقتصاد الدائري (أي المنتجات المصنوعة من المواد المعاد تدويرها أو تلك التي تتمتع بدورات حياة مطولة)، ويعود ذلك إلى المخاوف المتعلقة بالجودة. تقول فيشر إن استخدام المواد المعاد تدويرها ظاهرة جديدة نوعاً ما ولا يمتلك المستهلكون الكثير من الخبرة فيها. ولذلك يمكن أن يكون توفير المعلومات المهمة وتثقيف المستهلكين من الاستراتيجيات الفعّالة. تبيّن دراسة نشرت في مجلة الموارد والحفظ وإعادة التدوير في 2021 أن المستهلكين مستعدون لدفع المزيد من المال لشراء منتجات الاقتصاد الدائري عندما تتوفر لهم المعلومات المتعلقة بتأثير هذه المنتجات على البيئة، وخصوصاً المنتجات التي تمتلك شهادات من جهات مستقلة تؤكّد فوائدها البيئية المزعومة.

لذلك، إذا كنت تشعر بالتردد حول شراء منتج معاد تدويره، لا تقلق، فمن المرجح أنك ستشتري منتجاً له نفس جودة المنتجات الأخرى ولكن بتأثير أقل ضرراً على البيئية.