ما سبب هبوط الهواء البارد وصعود الهواد الساخن في الغلاف الجوي؟

الهواء البارد و الهواء الساخن
حقوق الصورة: إد كونور/ شتر ستوك.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

هل ينزل الهواء البارد للأسفل لأن نواة الأرض تتألف من الحمم، وهل يصعد الهواء الساخن لأن درجة حرارة الفضاء منخفضة، وهل تتكرر هذه العملية؟ سؤال يطرحه طفل في العاشرة.

شكراً لك على هذا السؤال الرائع! من الواضح أنك تمتلك عقلاً تحليلياً للغاية، وأنك ستنجح كعالم في فيزياء الغلاف الجويّ يوماً ما (علماء فيزياء الغلاف الجوي هم الذين يدرسون العمليات الفيزيائية التي تحدث في الغلاف الجوي).

هل لصعود الهواء الساخن وهبوط الهواء البارد أهمية كبيرة؟

إن صعود الهواء الساخن ونزول الهواء البارد هي عملية تؤثر على أغلبية جوانب الطقس اليومي ومناخ الأرض طويل الأمد، إذ أنها تؤثر على اتجاه هبوب الرياح وسرعتها، كما أنها تؤثر على احتمالية هطول الأمطار ونوع الهطول. تؤثر هذه العملية أيضاً على المواسم في المناطق ذات المساحة الكبيرة وعلى الأمد الطويل. إذن فسؤالك مهم للغاية، وهو سؤال يتعرّض له علماء المناخ مثلي في الكثير من السياقات في عملهم.

أريد أن أبدأ الجواب بوصف ما يحدث داخل نواة الأرض، ثم سأخبرك بالقليل عن درجة حرارة الفضاء. حينما أنتهي من ذلك، سأشرح السبب الحقيقي لصعود الهواء الساخن ونزول الهواء البارد.

نواة الأرض والفضاء الخارجي

إذا أخذت مقطعاً للأرض، سترى 4 طبقات واضحة. القشرة الأرضية هي الطبقة الخارجية الرقيقة، وهي طبقة قاسية تتألف من الصخور الصلبة. هذه الطبقة هي التي نعيش نحن عليها، وتحتها، توجد طبقة أكثر سماكة تسمّى الوِشاح، وهي طبقة لزجة من الصخور المنصهرة. تقبع تحت الوشاح نواة الأرض الخارجية، وتقع النواة الداخلية تماماً في مركز الأرض. تتألف الطبقتان الأخيرتان من الصخور والمعادن المنصهرة والحارة للغاية.

أنت محق تماماً، نواة الأرض حارة جداً جداً. إذ تبلغ درجة حرارة النواة الداخلية، والتي تتألف من الحديد، نحو 6000 درجة مئوية. حتى الجزء العلوي من طبقة الوشاح الذي يقع تماماً تحت القشرة الأرضية له درجة حرارة متوسطة تبلغ 2000 درجة مئوية. تبلغ درجة الحرارة هذه 100 ضعف معظم درجات الحرارة خلال النهار في فصل الربيع في جنوب إفريقيا.

لكن تتأثر درجات الحرارة أعلى القشرة الأرضية بالشمس أكثر بكثير من تأثرها بدرجة حرارة نواة الأرض، وسأعرّج على هذه الفكرة لاحقاً.

والآن، لنتحدّث عن درجة حرارة الفضاء الخارجي.

الأرض محاطة بغلافها الجوي، وهو طبقة من الغازات التي نتنفّسها والتي تتحكم في درجة الحرارة التي نشعر بها عن طريق امتصاص جزء من الحرارة الصادرة عن الشمس، وعكس ما يتبقّى منها. يقبع الفضاء الخارجي ما بعد الغلاف الجوي.

تبلغ درجة حرارة الفضاء الخارجي حول الأرض وبالقرب منها نحو  10.17 درجة مئوية. يُسخّن الفضاء الخارجي بواسطة الشمس، ويمكن أن تصل درجة حرارة المناطق المحيطة بالأرض والمعرضة لضوء الشمس المباشر إلى 120 درجة مئوية، بينما تصل درجة تلك تحجبها الأرض إلى 100 مئوية تحت الصفر. مجدداً، أنت محق: درجة الحرارة هذه أخفض بكثير من درجة حرارة نواة الأرض الداخلية.

صحيحٌ القول أن نواة الأرض ساخنة جداً وأن الفضاء أبرد بكثير، ولكن ليس هذا السبب الذي يجعل الهواء الساخن يرتفع بينما ينخفض الهواء البارد.

الديناميكا الحرارية

لنشرح السبب الحقيقي لهذه الظاهرة، علينا أن نتحدّث عن علم الديناميكا الحرارية. يتعلق هذا الفرع من الفيزياء بدراسة الحرارة والطاقة، وهو يتيح لنا فهم ما يحصل تماماً لفقاعات الهواء الإفرادية. هل تعلم أن الهواء حولنا يتألف من ملايين وملايين الفقاعات الهوائية الصغيرة القريبة من بعضها؟

يمكن أن يُسخن الهواء من خلال عمليتين اسمهما «التوصيل الحراري» و«الحَمْل الحراري». تنتقل الحرارة إلى فقاعات الهواء وبين بعضها بعضاً. ترتفع درجة حرارة سطح الأرض خلال النهار نتيجة للإشعاع الشمسي، والذي تمتصّه الأرض، مما يرفع درجة حرارتها. ثم تصدر هذه الحرارة من الأرض على شكل إشعاع طويل الموجة يُسخّن الهواء فوق سطح الأرض.

تتحرك فقاعات الهواء بعد ذلك وتصطدم ببعضها البعض، وتنقل الحرارة فيما بينها.

عندما يسخن سطح الأرض وتسخن الفقاعات الهوائية فوقه، تتمدد هذه الفقاعات، مثلما تتورم أقدامنا عندما تسخن إذ ارتدينا الأحذية لفترة طويلة. مع ارتفاع درجة حرارة هذه الفقاعات، يتوزّع وزنها على على حجم أكبر، وبالتالي فهي تصبح أقل كثافة.

فيديو يشرح مفهوم الكثافة.

مع انخفاض كثافة الفقاعات الهوائية، ترتفع لأن وزنها يصبح أقل من أوزان نظيراتها التي لها درجة حرارة أخفض. نفس الأمر ينطبق عندما تُفلت بالوناً من الهيليوم ليطفو للأعلى، إذ أن غاز الهيليوم الموجود في البالون أقل كثافة من الهواء في غلافنا الجوي (والذي يتألف بأغلبه من النتروجين الأثقل).

يحدث العكس عندما يبرد الهواء. إذ تتقلص الفقاعات الهوائية، ويُوزَّع وزنها على حيّز أصغر من الفراغ، ولذلك فهي تصبح أكثر كثافة، وبالتالي تتحرك لأسفل. يمكن أن يحدث هذا إذا ابتعدت جزيئات الهواء عن مصدر الحرارة، وذلك إذا ارتفعت كثيراً أو انتقلت إلى منطقة تقع فوق بحيرة باردة أو إلى منطقة ظليلة.

لذا، فلا علاقة لنواة الأرض ودرجة حرارة الفضاء بسلوك الهواء البارد أو الساخن. ولكنك تفكّر كالعلماء بالتأكيد، وذلك لأنك مهتم بالطريقة التي تؤثر فيها الأشياء بالأشياء الأخرى. ربما ستدرس علم الديناميكا الحرارية يوماً ما أيضاً!