مَن اخترع الموسيقى؟ قد تحمل المزامير والصفارات الأثرية بعض الأدلة

مَن اخترع الموسيقى؟ قد تحمل المزامير والصفارات الأثرية بعض الأدلة
صورة تم التقاطها في 21 يونيو/ حزيران 2021 تُظهر تماثيل قدماء المصريين وهم يعزفون على آلات موسيقية في معرض بالقاهرة، مصر. أحمد جمعة/ شينخوا- غيتي إيميدجيز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

الإجابة باختصار: لا أحد يعرف مَن اخترع الموسيقى.

لا يوجد دليل تاريخي يخبرنا من غنّى الأغنية الأولى أو من عزف اللحن الأول أو مَن ابتكر الأصوات الإيقاعية الأولى التي تشبه ما نعرفه اليوم بالموسيقى.

لكن الباحثين يدركون أن ذلك حدث منذ آلاف السنين. كانت هناك موسيقى في الحضارات الأولى التي كانت منتشرة في مختلف أنحاء إفريقيا وأوروبا وآسيا. لقد اعتقد الكثيرون في ذلك الوقت أنها من إبداع الإله، أو هبة من السماء.

اقرأ أيضاً: لماذا نشعر بالقشعريرة والمتعة حين نستمع إلى الموسيقى؟

وبالفعل، ترتبط الآلهة في العديد من الأديان والأساطير بالموسيقى. على سبيل المثال، تخبرنا القصص التراثية والأعمال الفنية أن الإله الإفريقي “أيان” (Àyàn) كان عازف طبول، وكان الإله اليوناني أبولو (Apollo) يعزف على القيثارة. وفي سفر التكوين، يُشار إلى يوبال (Jubal)- وهو من نسل النبي آدم- على أنه أبٌ لكل من عزف على القيثارة والناي.

ربما لن يتمكن العلماء أبداً في نسب اختراع الموسيقى إلى شخص واحد أو حتى مجموعة من الأشخاص. لكن بصفتي عالم موسيقى– أي شخصٌ يدرس تاريخ الموسيقى- رأيت العديد من القطع الأثرية والأدلة التي يمكن أن تساعدنا في فهم كيف ولماذا عزف القدماء الموسيقى.

مَن اخترع الموسيقى؟
يوليسيس يبكي متأثراً عند سماعه عزف الموسيقي الأعمى، ديمودوكس. الصورة مأخوذة من “قصص من هوميروس” للقس ألفريد تشيرش. الرسوم التوضيحية من تصميمات جون فلاكسمان. وايتماي/ديجيتال فيجين عبر غيتي إيميدجيز

الغناء

يقول بعض الباحثين إن الغناء كان أول نوع من الأصوات الموسيقية. لا يعني ذلك أن الناس في ذلك الوقت كانوا يغنون أغاني كاملة، ولكنهم كانوا يصدرون أصواتاً غنائية بسيطة- ربما مجرد بضع نغمات مع بعضها. على هذا النحو، يمكننا القول إن البشر الأوائل ربما بدؤوا في التحدث والغناء في نفس الوقت تقريباً.

ولكن لماذا بدؤوا بالغناء؟ ربما أثارتهم الأصوات الجميلة، مثل أصوات الطيور، فحاولوا تقليدها، أو ربما كانوا يستغلون تقليد أصوات الحيوانات الأخرى في الصيد، كتقليد أصوات البط الذي يُستخدم حالياً لصيد الطيور المائية.

ومن المحتمل أيضاً أن الغناء كان وسيلة للتواصل مع الرضع والأطفال الصغار، مثل تهويدات الأطفال القديمة. ولكن مجدداً، لم يكن الناس يصدرون الألحان أو يغنون أغاني كاملة؛ فقد استغرق تطور تهويداتنا الحديثة- مثل “روك باي بيبي“- قروناً من الزمن.

من ناحية أخرى، فإن التراتيل في الكنائس الكاثوليكية في جميع أنحاء أوروبا خلال العصور الوسطى موثقة جيداً. لم يكن هناك في البداية سوى لحن صوتي واحد يغنيه إما عازف منفرد وإما مجموعة صغيرة من رجال الدين الذكور، وقد تعلمت الراهبات أيضاً الغناء في الأديرة. وفي وقت لاحق، أصبح البوليفوني (polyphony)، أو تعدد الألحان، أكثر شيوعاً، وينطوي على إصدار لحنين أو أكثر في نفس الوقت بهدف إصدار لحن جديد مختلف، ما زاد من تعقيد الصوت.

اقرأ أيضاً: لماذا نستمتع بحضور حفلة موسيقية أكثر من مشاهدتها عبر الإنترنت؟

الآلات الموسيقية

ساعد علماء الآثار علماء الموسيقى على معرفة المزيد عن تاريخ الآلات الموسيقية القديمة من خلال القطع الأثرية التي عثروا عليها. على سبيل المثال، عثر علماء الآثار على مزامير وصفارات مصنوعة من العظام والفخار والحجر،

واستخدموا تقنية تُعرف بالتأريخ باستخدام الكربون لمعرفة عمر الأدوات الموسيقية المصنوعة من العظام. تحتوي جميع الكائنات الحية، سواء الحيوانات أو النباتات أو البشر، على بعض الكربون 14 المشع، وعندما تموت، تتناقص هذه الكمية تدريجياً على مر السنوات والعقود والقرون.

عندما قام العلماء بقياس كمية الكربون 14 المتبقية في المزامير الأثرية المصنوعة من عظام الطيور الكبيرة، اكتشفوا أن عمر بعض الأدوات أكثر من 30 ألف عام.

يبلغ عمر بعض الصفارات والخشخيشات القديمة المصنوعة من الحجر أو الطين، والتي عُثر عليها في اليابان، نحو 6 آلاف عام. كان بوسع هذه الأدوات إصدار نغمات عالية من خلال فتحات النفث الموجودة بها، وربما كان يعتقد من استخدمها أن في أصواتها شيئاً من السحر، ومن المرجح أنهم استخدموها في الطقوس الدينية. لا يزال بإمكان بعض هذه الصفارات الحجرية إصدار الأصوات.

اقرأ أيضاً: لماذا تختلف أصواتنا في التسجيلات الصوتية؟

في الصين، يُقدر أن الأجراس الفخارية، والتي تُعتبر بمثابة أسلاف الأجراس البرونزية، ظهرت منذ 4000 عام على الأقل. وفي اليونان، عزف الإغريق القدماء منذ 2500 عام على آلات موسيقية مثل آلة الكروتولا (krotola)، وهي عبارة عن مجموعة من الكتل المجوفة مربوطة ببعضها بخيوط من الجلد. كما استخدموا صاجات الأصابع وأدوات الإيقاع الطبلية الصغيرة.

يمكن ربط الآلات الموسيقية بأنواع مختلفة من الناس. على سبيل المثال، عزف الرعاة على آلة “السيرنيكس” (syrinx) النفخية، وهي آلة تشبه الصافرة وتُعرف اليوم بالمصفار (pan flute)، وقد كانت أداة بسيطة من السهل حملها إلى الحقول. وكانت آلة الأولوس (aulos) من أدوات النفخ الخشبية الأكثر تطوراً ومكونةً من أنبوبين، وتحتاج إلى مدرب لتعلم العزف عليها، لأن ذلك يتطلب مهارة خاصة- ولو كنت ثرياً، يمكنك توظيف موسيقيين ذوي خبرة للعزف عليها من أجلك.

المخطوطات والأعمال الفنية

تُظهر لوحات الكهوف والمنحوتات التي يعود تاريخها إلى 4 آلاف عام، والمُكتشفة في المقابر المصرية، موسيقيين يعزفون على ما يبدو أنه قيثارة.

وغالباً ما تُصور اللقى الأثرية الفخارية الإغريقية، مثل المزهريات والجرار، أجواء تسودها الموسيقى. ومع ذلك، غالباً ما تغيب الآلات الموسيقية والموسيقيون عن المشهد، لذلك من غير المعروف ما إذا كان الموسيقيون يعزفون في المهرجانات أو الاحتفالات، أو ما إذا كانوا يعزفون من أجل الترفيه عن أنفسهم فقط.

كما توفر المخطوطات اليدوية التي تعود إلى العصور الوسطى بعض الأدلة. حيث تُظهر المخطوطات المرسومة بالحبر، وأحياناً أوراق الذهب، موسيقيين يعزفون على آلة موسيقية.

عالمٌ بلا موسيقى

هل يمكنك تخيل العيش بلا موسيقى في عالم اليوم؟ أنا لا أستطيع بالتأكيد. فالموسيقى لا تسلينا وتأسرنا فحسب، بل تسمح لنا بالتعبير عن مشاعرنا. تساعدنا الموسيقى على الاحتفال بالأحداث السعيدة وتواسينا عندما نشعر بالحزن أو الألم. وبالتأكيد، منحت الموسيقى القديمة مستمعيها مشاعر جياشة، تماماً كما تفعل الموسيقى بنا الآن وستفعل في المستقبل.

موسيقى قديمة عُزفت لأول مرة منذ 3400 عام، ولكنها رائعة.