ما تأثير تغيير التوقيت العالمي على الساعة البيولوجية وكيف نخفف منه؟

ما تأثير تغيير التوقيت العالمي على الساعة البيولوجية وكيف نخفف منه؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/ 2M media
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يشهد معظم سكان العالم تغييراً في التوقيت يساوي ساعة واحدة مرتين كل عام. وعلى الرغم من أن هذا التغيير ضئيل، فإنه يمكن أن يتسبب في مشكلات كبيرة في حياتنا اليومية. في شهر مارس/ آذار من كل عام، نستيقظ مرهقين وننظر من النافذة ونعتقد أن التوقيت أبكر بمقدار ساعة، فقط لنشعر بالارتباك في نهاية اليوم عندما يحين موعد النوم ونحن لا نشعر بالنعاس مطلقاً. وفي شهر نوفمبر/ تشرين الثاني من كل عام، ننهض من السرير ممتنين للحصول على ساعة إضافية من النوم بسبب تأخير الساعة، ثم نتذكّر شعور العودة من العمل إلى المنزل في الظلام الدامس. 

الساعة البيولوجية وتغيير التوقيت

على الرغم من أن أكثر من 60% من الأميركيين يرغبون بإلغاء تغيير التوقيت، فلن يحدث ذلك على الأرجح في أي وقت قريب. في وقت سابق من عام 2022، صوّت مجلس الشيوخ الأميركي بالإجماع على تطبيق التوقيت الصيفي طوال العام. ولكن لم يتم التصويت بعد في مجلس النواب على القانون الذي ينص على ذلك، والذي يحمل اسم قانون حماية إشراق الشمس. وفي الوقت نفسه، يعاني سكان 48 ولاية أميركية من اضطرابات في الساعة البيولوجية بسبب هذه التغييرات نصف السنوية في التوقيت. وتنطوي هذه الاضطرابات بشكل أساسي على عدم انتظام في الساعات الداخلية في الجسم. 

اضطراب الساعة البيولوجية ليس حالة نادرة. إذا كنت من الذين ينامون في النهار ويستيقظون في الليل، فهذا قد يزيد من احتمال أن تعاني من اضطراب الساعة البيولوجية. يمكن أن يتسبب الانتقال إلى التوقيت الصيفي بهذا الاضطراب. ولكنه يمكن أن ينتج أيضاً عن نمط الحياة اليومية. يكمن سر التخفيف من آثار الانتقال إلى التوقيت الصيفي والاضطرابات الأخرى في الساعة البيولوجية في فهم ما يدعى بالنظام اليوماويّ.

اقرأ أيضاً: لهذه الأسباب قد يؤثر التوقيت الصيفي سلبياً على الصحة

ما هي الساعة البيولوجية؟

وفقاً لأستاذة الطب المشاركة في كلية الطب في جامعة هارفارد، جين دافي (Jeanne Duffy)، فإن النظام اليوماوي هو بمثابة ساعة داخلية تنظم دورة النوم والاستيقاظ والسلوكيات الدورية الأخرى. تقول دافي: “يساعدنا النظام اليومي في الاستعداد بالشكل الأمثل لمواجهة التغيرات في سلوكنا والتي تحدث بشكل يومي”. تتّبع هذه التغيرات بشكل أساسي دورة مدّتها 24 ساعة. وتم اشتقاق المصطلح “circadian” بالإنجليزية (والذي يعني اليومي أو اليوماويّ) من العبارة اللاتينية “circa diem”، والتي تعني “نحو يوم”.  بالنسبة للبعض، وخصوصاً النساء، قد يتغير توقيت الساعة الداخلية بمقدار يبلغ بضع دقائق فقط. 

يحتوي جسم الإنسان على ساعات داخلية أخرى أيضاً تؤثر على العمليات التي تحدث داخله. وتقول دافي إن بعضها ينظم إيقاعات موسمية، بينما ينظم بعضها الآخر إيقاعات سنوية أو حتى قمريّة. تستخدم معظم الكائنات الحية الساعات البيولوجية لتنظيم العمليات الجسدية. وينطبق ذلك حتى على الكائنات وحيدة الخلية

اقرأ أيضاً: مع اقتراب موعد التوقيت الصيفي: هل تعلم ما هو أثره عليك؟

ما آلية عمل الساعة البيولوجية؟

بالنسبة للبشر، تتحكم منطقة معينة في الدماغ تقع في الوِطاء، وهي النواة فوق المتصالبة، بالساعة البيولوجية. افترض العلماء بناءً على الدراسات التي أجريت على الفئران والذباب أن تراكم بعض أنواع البروتينات في هذه المنطقة هو المسؤول عن التحكّم بالساعة البيولوجية. تزداد نسبة هذه البروتينات، والتي يحمل بعضها اسم بروتينات كلوك (CLOCK proteins)، خلال النهار وتفعّل مورثات تساهم في إبقاء الجسم مستيقظاً.

قد تسهم هذه البروتينات أيضاً في تركيب مورّثات التثبيط الخاصة بها. بناءً على الأبحاث التي أجريت على الفئران والذباب، قد تتسبب بروتينات كلوك أيضاً بتراكم بروتينات مثبّطة أخرى ببطء خلال النهار. بحلول وقت الغسق، تتفوق هذه البروتينات المثبطة على المورثات الأخرى التي تُفعّل بروتينات كلوك وتحفّز لدينا الشعور بالنعاس. تستمر هذه الدورة بشكل يومي؛ إذ إنه خلال الليل، تبدأ نسبة بروتينات كلوك المنخفضة بالارتفاع. ما يحفّز الاستيقاظ وبدء الدورة من جديد في الصباح. 

تعتمد الساعة البيولوجية بشكل أساسي على حلقة التغذية الراجعة هذه في الدماغ. ولكن تؤثر البيئة المحيطة أيضاً عليها. تقول دافي: “تتولد الساعة البيولوجية نتيجة عمليات داخلية”، ولكن العوامل الخارجية “تسهم في مزامنة العمليات الدورية الداخلية مع العالم الخارجي”.

اقرأ أيضاً: لنضبط ساعتنا البيولوجية: هرموناتنا البشرية تتغير مع فصول السنة

تحمل هذه العوامل الخارجية اسم الميقاتيّات (zeitgebers). والمصطلح بالإنجليزية هو دمج لمصطلحين باللغة الألمانية يعنيا “مانِح الوقت”. يعتبر الضوء أحد أهم هذه العوامل الخارجية. نظراً لأن أعيننا مرتبطة بالنواة فوق المتصالبة، يمكن أن يتسبب التعرض للضوء في تغيير الوقت الذي يتم فيه تفعيل هذه المورثات وإلغاء تفعيلها. يمكن أن يؤثر الظلام أيضاً على تركيب الميلاتونين. ما يعزز أنماط النوم اليومي من خلال تحفيز إفراز الهرمونات التي تجعلنا نشعر بالنعاس. قد يعني ذلك أن الساعات البيولوجية لدى الأفراد الذين يعانون من ضعف البصر لن تكون متزامنة مع مواعيد النشاطات النهارية والليلية. مع ذلك، يمكن أن يساعد كل من الميلاتونين والمركبات الأخرى في التخفيف من ذلك. الضوء ليس العامل الوحيد الذي يؤثر على الساعة البيولوجية؛ إذ إن العوامل مثل العمر ودرجة الحرارة وممارسة التمارين الرياضية تؤثر أيضاً.

وفقاً لدافي، تطورت العمليات الدورية في الجسم نتيجة للتعاقب المتسق للنور والظلام في العالم الطبيعي على الأرجح؛ إذ تقول: “إذا عاشت الكائنات وحيدة الخلية في بيئات تتعاقب فيها فترات النور والظلام بشكل منتظم، فمن المنطقي أن تطور آليات تساعدها على التكيّف مع هذه الأنماط”.

ما العمليات التي تنظمها الساعة البيولوجية بخلاف النوم والاستيقاظ؟

في الواقع، هناك العديد من هذه العمليات. تؤثر الساعة البيولوجية على الجهاز المناعي ونسب الهرمونات ودرجة حرارة الجسم ومعدل الاستقلاب. وهذه هي فقط العمليات التي تمت دراستها. تقول دافي إن الساعة البيولوجية قد تؤثر أيضاً على المزيد من الأجهزة في الجسم بطريقة لم ندرسها بعد.

إحدى العمليات المفهومة بشكل جيد نسبياً هي الاستقلاب. إذا قال لك أحد ما من قبل إنه لا يجب عليك تناول الطعام في وقت متأخر من الليل، فالساعة البيولوجية قد تكون سبب هذه النصيحة. تقول دافي: “إذا تناولنا الطعام خلال النهار، سيستجيب نظام الاستقلاب لدخول الطعام إلى الجسم بسرعة. بينما إذا تناولنا الطعام في منتصف الليل مثلاً، فلن تكون أجهزة الجسم مستعدة للتعامل مع ذلك”. 

يدرس العلماء حالياً الطرق التي تؤثر فيها الساعة البيولوجية على عمليات جسدية أخرى. وتقول دافي إنه مؤخراً، درس الباحثون الاستجابات المناعية المحفّزة باللقاحات تبعاً للتوقيت خلال اليوم والساعة البيولوجية.

اقرأ أيضاً: ما هي الأوقات الأنسب للقيام بنشاطاتنا المختلفة علمياً بحسب ساعتنا البيولوجية؟

ما السلوكيات التي تؤثر على الساعة البيولوجية؟

الشعور بالنعاس في الأوقات غير الاعتيادية ليس النتيجة الوحيدة لاضطراب الساعة البيولوجية. تقول دافي إن الأشخاص الذين يتبعون سلوكيات تتعارض مع نظام الساعات الداخلية هم “أكثر عرضة للإصابة بحالات مثل الاضطرابات الاستقلابية والسمنة وداء السكري والاضطرابات القلبية الوعائية”.

بالإضافة إلى ذلك، لا يعتبر التسبب باضطراب الساعة البيولوجية صعباً؛ إذ إنه حتى السهر لوقت متأخر من الليل مرة واحدة قد يتسبب بعواقب متضاعفة. تقول دافي: “قد تتأخر في الاستيقاظ في الصباح كثيراً. ولن يعود ذلك بالضرورة إلى أن ساعتك البيولوجية أعيد ضبطها، بل لأنك محروم من النوم”، وتضيف: “من خلال التأخر في الاستيقاظ، ستفوت التعرض لأشعة الشمس الصباحية التي تساعد في مزامنة ساعاتك الداخلية مع العالم الخارجي. وفي ليلة هذا اليوم، لن تشعر بالنعاس في وقت مبكر”. تقول دافي أيضاً إنه بعد عدة أيام من اتباع هذا النظام، “يصبح الاستيقاظ شبه مستحيل بسبب اضطراب الساعة البيولوجية”. 

يمكن أن تتسبب النشاطات الأخرى، مثل استخدام الهاتف قبل النوم، في اضطراب تزامن الساعة البيولوجية أيضاً؛ إذ إن هذه الأجهزة تحاكي الضوء الطبيعي الذي يربطه الدماغ بحالة الاستيقاظ. تقول دافي: “يتأثر النوم كثيراً بالسلوك والنشاطات التي نقوم بها، وخصوصاً تعرّضنا للضوء”، وتضيف: “لذلك، فإن الامتناع عن النوم حتى الشعور بالنعاس كما يفعل الكثيرون هو مفهوم خاطئ”. 

ماذا عن العوامل التي لا نستطيع التحكّم بها، مثل تغيير التوقيت؟

على الرغم من أن مقدار التغيير في التوقيت العالمي يبلغ ساعة واحدة فقط، فإن هذا التغيير قد يتسبب في بعض التأثيرات الخطيرة، وخصوصاً خسارة ساعة في الربيع بسبب الانتقال إلى التوقيت الصيفي. وجد الباحثون أن هذا التغيير في التوقيت يتسبب بانخفاض مدة النوم بمقدار 40 دقيقة وسطياً. قد لا يبدو هذا الرقم كبيراً، ولكن وجد الباحثون أن إصابات مكان العمل تصبح أكثر تكراراً وشدّة في يوم الدوام الأول الذي يتبع تغيير التوقيت. بالإضافة إلى ذلك، لم يلحظ الباحثون أي اختلاف في معدل هذه الإصابات ولم يجدوا أن الأشخاص خسروا من مدة النوم عند تغيير التوقيت خلال فصل الخريف. 

اقرأ أيضاً: هل تساءلت عن السبب الكامن وراء شعورك الدائم بالتعب؟ إليك بعض الأسباب

نظرت دراسات أخرى في ارتفاع معدلات الحوادث المرورية وأخطاء الأطباء بعد اعتماد التوقيت الصيفي. تقول دافي: “يستيقظ الأشخاص في الربيع في موعد أبكر بساعة من الزمن من المعتاد. ويكون كل من أدائهم ويقظتهم في أقل مستوياتهما في هذه الفترة من اليوم. لذلك، فإن تغيير التوقيت قد يجعلنا أكثر عرضة بقليل للتعرض إلى حادث سيارة”.

ما أفضل الطرق للتأقلم مع تغيير التوقيت؟

وفقاً لدافي، قد يتمكن البعض من التأقلم بسرعة مع تغيير التوقيت، بينما يحتاج البعض الآخر إلى بضعة أيام. تنصح دافي الأشخاص الذين يقلقون بشأن التأقلم مع تغيير الوقت بالتحضير لهذا التغيير مسبقاً من خلال النوم في موعد متأخر بمقدار نصف ساعة عن الموعد الاعتيادي لمدة يومين خلال الخريف، والنوم في موعد أبكر بنصف ساعة خلال الربيع.

يعتبر الحصول على قدر كافٍ من النوم قبل موعد تغيير التوقيت ضرورياً أيضاً. تقول دافي: “إذا كنت تعاني من نقص النوم المزمن، فسيصبح إجراء التغييرات على دورة النوم والاستيقاظ أكثر صعوبة”.

اقرأ أيضاً: هل يمكنك تغيير نمط نومك لتصبح شخصاً صباحياً؟

وكقاعدة عامة، يجب أن تحافظ على انتظام هذه الدورة قدر الإمكان لتجنّب الاضطرابات في الساعة البيولوجية. تضيف دافي: “يبدو أن الانتظام عامل ضروري للصحة على المدى الطويل”. بالإضافة إلى ذلك، يعتبر كل من النوم وتناول الطعام في الموعد ذاته يومياً ضرورياً في تنظيم الساعة البيولوجية. تقول دافي إن “التوصية الأكثر أهمية” تنص على تنظيم مواعيد النوم والحصول على قدر كافٍ منه. وتضيف: “ستلاحظ أن تأثير التغيير في التوقيت العالمي سينخفض كثيراً بعد العمل بهذه النصائح”. في النهاية، الجسم أعلم بما هو صحي بالنسبة له.