هل استطاع فرانك هوغربيتس فعلاً التنبؤ بالزلزال الذي أصاب تركيا وسوريا؟

هل استطاع فرانك هوغربيتس فعلاً التنبؤ بالزلزال الذي أصاب تركيا وسوريا؟
حقوق الصورة: بوبيولار ساينس العربية. تصميم: مهدي أفشكو.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تنبأ الباحث الهولندي فرانك هوغربيتس (Frank Hoogerbeets) بالزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا في فجر 6 فبراير/ شباط 2023، والذي أودى بحياة أكثر من 35000 ضحية في مناطق تركيا وسوريا وفقاً لوكالة رويترز للأنباء، وقال هوغربيتس الذي يعمل لدى هيئة مسح هندسة النظام الشمسي (SSGEOS) على حسابه في تويتر قبل 3 أيام من حدوث الزلزال، إن زلزالاً بقوة توازي 7.5 على مقياس ريختر سيضرب نقطة في جنوب وسط تركيا وسوريا ولبنان، وهذا ما حدث بالفعل.

اقرأ أيضاً: كيف تشكل الزلزال الذي ضرب الحدود التركية السورية؟ ولماذا كان بهذه الشدة؟

كيف استطاع هوغربيتس التنبؤ بالزلزال؟

وقع الزلزال المدمر، الذي بلغت قوته 7.8 درجة على مقياس ريختر والناس نيام ليلاً، ما زاد بشكل كبير في عدد الضحايا، ويعد من أقوى الزلازل التي ضربت المنطقة منذ 100 عام، وأدت برودة الطقس والهطولات المطرية إلى صعوبة في إنقاذ الضحايا وإخراج العالقين تحت الأنقاض.

في سبيل تلافي هذه الكوارث، يقترح فرانك هوغربيتس نظاماً تنبؤياً للزلازل يعتمد على عدة عوامل مختلفة، ومن أهمها حركة الكواكب والجاذبية الشمسية والتأثيرات الكهرومغناطيسية للكواكب واصطفافها على الأرض وحالة القشرة الأرضية، وما دفعه لاستخدام هذه الطريقة للتنبؤ محاولته للعثور على نمط مشترك يربط بين حدوث الزلازل ذات الشدة المختلفة والتغيرات السابقة في الحقل الكهرومغناطيسي الأرضي.

لا يدعي هوغربيتس أن الزلازل يمكن التنبؤ بحدوثها بشكل دقيق، لكن يمكن استخدام المؤشرات في وضع نسبة احتمالية مشابهة لنشرة الأرصاد الجوية، فيمكنه القول إن هناك احتمالاً لحدوث زلزال في منطقة معينة بنسبة 10-30%، وتتحكم بهذا التنبؤ 3 عناصر رئيسية تقريبية وهي:

  • تاريخ ووقت حدوث الزلزال.
  • موقع الضرر. 
  • حجم الزلزال أو مدى تأثيره.

يهتم نموذج التنبؤ الذي يعتمد عليه هوغربيتس فقط بالزلازل التي تبلغ قوتها 6 درجات فما فوق ضمن مقياس العزم الزلزالي (MW) الذي يعد المقياس العالمي الأدق للزلازل، وذلك بسبب حدوث هذه الزلازل القوية عند اصطفاف الكواكب بمواقع محددة من النظام الشمسي ضمن وقت محدد، وهناك عدة تجارب أثبتت فعالية هذه الطريقة في ديسمبر/ كانون الأول 2019.

الاعتراضات على التنبؤ بالزلازل

ذكر الدكتور محمد القاسم في فيديو له على تويتر بأنه لا يمكن التنبؤ بالزلازل، بل فقط تقديم نسبة أرجحية لوقوعها، فالعناصر التي تسبب الزلازل كثيرة ومعقدة، وقد يؤدي اتباع التنبؤات والإعلان عنها إلى التسبب بحدوث ارتباك بين الناس وكوارث اقتصادية وفقدان الثقة بالحكومات والعلماء وغيرها من التبعات، لذا من الأفضل الابتعاد عن التكهنات لأنها قد تكون خاطئة وغير دقيقة.

وتشمل الانتقادات الموجهة لنظرية هوغربيتس في التنبؤ بالزلازل النقاط التالية:

  • تحدث اصطفافات الكواكب بشكل مستمر، لذا لا يمكن الاعتماد على هذه الطريقة في التنبؤ بالزلازل.
  • قوى الجاذبية تعد أضعف القوى الكونية، فمن غير المعقول أن تكون مسبباً أساسياً للزلازل.
  • البعد الشاسع بين الكواكب قد يجعل من تأثيرها الجذبوي والكهرومغناطيسي على كوكب الأرض مهملاً لصغره.

يرد هوغربيتس على هذه الانتقادات بأن اصطفافات الكواكب تظهر نمطاً واضحاً تم إثباته تجريبياً، واستند إلى رصد باحثي الجيولوجيا في تايوان لنحو 144 زلزالاً بين عامي 1997 و1999، حيث سبقت الزلازل التي سجلت 6 درجات أو أعلى اضطرابات واضحة في شحنة الإلكترونات الموجودة بطبقة الأيونوسفير الجوية قبل يوم أو 6 أيام من حدوث الزلزال.

بالإضافة إلى ذلك، لا يعتمد نموذج التنبؤ بالزلازل لمؤشر هندسة النظام الشمسي (SSGI) على قوة جاذبية الكواكب فحسب، بل على التأثير الكهرومغناطيسي لها أيضاً على الأرض. وعلى الرغم من عدم معرفة الصلة المباشرة لهذه الظاهرة مع حدوث الزلازل، لكن هناك ارتباطاً واضحاً بين المتغيرات المرصودة في منطقة معينة واحتمالية حدوث زلزال فيها.

وبالوقت ذاته، تتوافق نتيجة دراسة الباحث العراقي صالح محمد عوض المنشورة عام 2021 في دورية كوستال كونسرفيشن (Journal of Coastal Conservation) مع نموذج التنبؤ بالزلازل الذي يعتمد على حركة الكواكب، إذ ينص عوض على أن دوران الكواكب وتفاعلاتها الجاذبة تؤثر على الزلازل عن طريق تسببها بالتباطؤ في سرعة دوران الأرض، ما يحفّز صدوع الصفائح التكتونية وحدوث الزلازل.

اقرأ أيضاً: كيف تتصرف عند حدوث زلزال؟

آلية عمل نموذج مؤشر هندسة النظام الشمسي (SSGI)

يجمع نموذج مؤشر هندسة النظام الشمسي (SSGI) للتنبؤ بالزلازل عدة متغيرات وبيانات مراكز عالمية وقومية، مثل بيانات التغيرات الكهرومغناطيسية واصطفاف الكواكب، والاضطرابات الموثقة للأمواج الراديوية (radiowaves) عالية التردد ومنخفضة التردد، إذ يقوم النموذج بجمعها وفقاً لخوارزمية تحليل أنماط تَشكُّل الزلازل الكبيرة السابقة. ويبدو أن كلاً من اضطرابات الأمواج الراديوية وطبقات الغلاف الجوي المؤينة مثل الأيونوسفير ناجمة عن اضطرابات كهرومغناطيسية تحدث عند تشقق الصخور البلورية في القشرة الأرضية، وتحدث هذه الاضطرابات الكهرومغناطيسية قبل انزلاق صفائح الأرض التكتونية والزلزال الناجم عن هذا الانزلاق.

لم يظهر نمط اصطفاف الكواكب في عدة مرات أثراً زلزالياً واضحاً، ووفقاً لهيئة مسح هندسة النظام الشمسي (SSGEOS) السبب هو ارتباط حالة القشرة الأرضية والصفائح التكتونية مع التغيرات الكهرومغناطيسية، فالمناطق التي تمتلك صفائح تكتونية أرضية متماسكة غير متصدعة لا تتأثر باصطفاف الشمس والكواكب مثل نظيراتها من المناطق التي بها تصدعات في القشرة الأرضية، ما يسمح بعمل تقييم للخطورة وفقاً للمعطيات الجيولوجية لكل منطقة جغرافية بالإضافة للتغيرات المرتبطة باصطفاف الكواكب.

بدأ تطوير مؤشر هندسة النظام الشمسي (SSGI) في يوليو/ تموز 2017، ورُسمت خوارزميته الأساسية خلال أسبوعين، وتلاها عدة مراجعات وتعديلات لتحسينه، وتظهر المؤشرات المدروسة بيانياً بشكل قمم (peaks) تعبّر عن تأثير اصطفافات القمر والشمس والكواكب واقترانها مع الأرض بخط طول معين.

مصدر الصورة: موقع هيئة مسح هندسة النظام الشمسي (SSGEOS)

طُبقت خوارزمية مؤشر هندسة النظام الشمسي في برنامج يدعى سولباج (Solpage) الذي يحسب مواضع الكواكب والزوايا والارتباطات الخاصة بها في تاريخ أو إطار زمني معين، أي يمكنها حساب اصطفافات الكواكب لـ100 عام والتنبؤ بمدى تأثيرها على مناطق معينة من العالم، وتستمر هيئة مسح هندسة النظام الشمسي (SSGEOS) المستخدِمة لهذا البرنامج بإصدار نشرات أرصاد الزلازل المتوقعة بشكل دوري لتنبيه المناطق العالمية المؤهلة لحدوث الزلازل من وقوع حدث متوقع.

اقرأ أيضاً: ما علاقة الموجات الزلزالية في باطن الأرض بتشكل القمر؟

ختاماً، لا يمكن التأكد تماماً من وقت حدوث الزلازل وشدتها، ولكن يمكن الاستفادة من التحذيرات ونشرة أرصاد الزلازل التي يقدمها هوغربيتس وغيره من علماء الزلازل لزيادة الاحتياط بشكل واعٍ من الزلازل دون الوقوع في حالة من الهلع والوسواس. 

وفي هذه الحالات يفضل دائماً اتباع التعليمات التي تصدرها مراكز السلطات المحلية الرسمية لرصد الزلازل دون الالتفات للإشاعات، ومن الضروري تعلم الإجراءات الطارئة التي يجب القيام بها عند حدوث الكوارث مثل الزلازل والفيضانات للتصدي لها بشكل أفضل، إذ يمكن لتعلم هذه الإجراءات أن يساعد في إنقاذ الأرواح.