شارك
الرئيسية
لا تدع عينيك تخدعانك. هذا ليس منظراً لأحد الصباحات في ولاية فيرمونت أو شمال ولاية نيويورك، بل إنها السهول الجليدية الجافة والصخرية. لا تستغرب، حتى السهول الجليدية الفقيرة بالأشجار تحتوي على الأشجار التي تبدو أوراقها نابضة بالحياة خلال فصل الخريف. ولكن هذه المناظر الخلابة لا تدوم طويلاً.
ألوان زاهية لبضعة أسابيع فقط
تسيطر الألوان الحمراء والصفراء المذهلة في محمية بيرينغ لاند بريدج الوطنية في ولاية ألاسكا على المناظر الطبيعية لبضعة أسابيع فقط. تبعد هذه المحمية أكثر بقليل من 80 كيلومتراً عن روسيا، وهي تقع في جزء من المعبر الأرضي الذي استخدمه البشر للانتقال من قارة آسيا إلى قارة أميركا الشمالية خلال العصر الحديث الأقرب قبل نحو 13 ألف سنة. اليوم، تقول وكالة خدمات المتنزهات الوطنية الأميركية إن هذه المحمية تسهم في حماية الموارد التي تستخدمها مجتمعات الأنوبياك (Inupiaq) الأصلية التي تعيش في شبه جزيرة سيوارد.
بعد الاعتدال الخريفي، يبدأ طول اليوم بالتناقص بشكل سريع في ولاية ألاسكا. وفي نصف الكرة الشمالي، تصبح الليالي أكثر طولاً بين فصلي الخريف والشتاء بسبب انحراف محور دوران الأرض حول نفسها. تظهر نتائج ذلك في جميع الولايات في الولايات المتحدة الأميركية، ولكنها تكون أشد في ولاية ألاسكا. في محمية بيرينغ، يقصر النهار بمعدل نحو 5 دقائق يومياً. وعند الانقلاب الشتوي، يدوم النهار ساعتين ونصف تقريباً فقط.
اقرأ أيضاً: لماذا تتلون السماء بألوان مختلفة عند شروق الشمس وغروبها؟
لماذا تختلف ألوان أوراق الشجر؟
لكن قبل تراجع مدة النهار وانخفاض درجات الحرارة لما دون الصفر، تتغير ألوان الشجيرات في تلال محمية بيرينغ المقلمة بالغرانيت. مثل الأشجار، تتخذ أوراق هذه الشجيرات ألواناً أكثر دفئاً كاستجابة للتعرض إلى كمية أقل من ضوء الشمس. ومع انخفاض كمية الضوء في فصل الخريف، تتوقف الأوراق عن إجراء عملية التركيب الضوئي كما تفعل خلال فصل الصيف. تنخفض كمية الضوء التي تتعرض لها النباتات في ولاية ألاسكا بسرعة أكبر مقارنة بالمناطق الأخرى. ما يتسبب بسطوع ألوان الأوراق لفترة قصيرة قبل أن تغطى بطبقة سميكة من الثلوج والجليد. يبدأ مركّب اليخضور الموجود في النباتات بالتفكك نتيجة لأن وظيفته في امتصاص ضوء الشمس تصبح غير ضرورية. ما يتسبب في اكتساب الأوراق ألواناً برتقالية وصفراء. كانت هذه الألوان موجودة من قبل على شكل صباغ الكاروتين واليصفور. لكن اللون الأخضر الذي ينتجه الكلوروفيل يطغى عليها في فصلي الربيع والصيف.
أما بالنسبة للون الأحمر، فهو يظهر نتيجة لأن انخفاض درجات الحرارة يحفّز تركيب مركّب خاص يحمل اسم الأنثوسيانين، والذي تحتاجه النباتات لنقل المغذيات من جذورها. يعكس هذا الصباغ اللون الأحمر، ما يتسبب بظهور هذا اللون في أوراق الأشجار في فصل الخريف.
اقرأ أيضاً: ترتيب العالم الطبيعي بحسب الألوان يشكل صوراً رائعة
قد تتسبب هذه العمليات بظهور الألوان الزاهية في منطقة نيو إنجلاند أيضاً. ولكن بدلاً من أشجار الجنكة والحور والقيقب، تتلون أشجار الصفصاف والبتولا القزمية في ألاسكا خلال فصل الخريف.
تأخذ السهول الجليدية، أو التندرا (وهي كلمة مشتقة من كلمة باللغة الفنلندية تعني “السهل الخالي من الأشجار“)، شكلين: السهولة الجليدية القطبية والسهول الجليدية الألبيّة. نظراً لاختلاف المواطن البيئية بناءً على الارتفاع عن سطح البحر، تشترك المناطق الجبلية المرتفعة في جميع أنحاء العالم في العديد من الخصائص التي تتسم بها محمية بيرينغ لاند بريدج الوطنية. لكن الظروف في السهول الجليدية في ألاسكا أقسى قليلاً. إذ تعاني النباتات فيها من مجموعة فريدة من الصعوبات. تبلغ مدة موسم النمو نحو نصف مدة موسم النمو في السهول الجليدية في جبال الألب. وعلى عكس سهول جبال الألب، فإن السهول الجليدية القطبية تحتوي على تربة غير مصرّفة بشكل جيد بسبب الطبقة السفلية التي تتشكل من التربة المتجمدة، والتي تسمى التربة الصقيعية. تنتشر في هذه السهول النباتات القصيرة مثل الشجيرات ونبات السُّعادى والأشنيّات والأعشاب التي تمتلك الجذور القصيرة بما يكفي لكي لا تضر بها التربة الصقيعية تحتها. مع ذلك، تعتبر هذه السهول موطناً لما يقرب من 1700 نوع من النباتات.
اقرأ أيضاً: الألوان المتغيرة للكون
تتميز جميع السهول الجليدية بمعدل هطول الأمطار المنخفض، إذ إن هذه المعدلات تساوي معدلات الهطول في صحارى العالم. من المنطقي ألا تورق أغلبية أنواع النباتات في السهول الجليدية نظراً لأن الظروف الأكثر ملائمة لذلك هي الظروف الرطبة خلال موسم النمو. لكن لحسن حظ الأشخاص الذين يستمتعون بمشاهدة أوراق الشجر، كان معدل هطول الأمطار السنوي خلال فصل الصيف مرتفعاً نسبياً خلال العقد الماضي في ألاسكا. لذلك، قد تكون هذه الفترة من شهر أكتوبر/ تشرين الأول مثالية لرؤية الألوان الزاهية قبل أن تختفي في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني.