كيف تستمر حياة الشجرة بعد الموت؟

كيف تستمر حياة الشجرة بعد الموت؟
حقوق الصورة: ديبوزت فوتوز.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تموت الأشجار فجأة أو ببطء شديد.

يمكن أن تؤدي الحرائق أو الفيضانات أو الرياح إلى موت الأشجار بسرعة عن طريق إلحاق أضرار جسيمة بقدرة الشجرة على نقل المياه والمغذيات لأعلى جذعها وأسفله.

وقد تؤدي الإصابة الشديدة بالحشرات أو الأمراض الخطيرة أحياناً إلى موت الشجرة، ولكن عادة ما يستغرق موتها بهذه الطريقة من بضعة أشهر إلى بضع سنوات، وهنا أيضاً تفقد الشجرة قدرتها على نقل الماء والمغذيات، ولكن على مراحل وبصورة أبطأ.

ومثل البشر، يمكن أن تموت الشجرة بسبب تقدمها في السن أيضاً.

بصفتي عالماً متخصصاً في دراسة الأشجار والشبكة المعقدة للكائنات الحية التي تتعايش معها، فقد خلصت إلى أن موت الأشجار ليس نهايتها، بل هو خطوة مباشرة نحو توليد حياة جديدة.

اقرأ أيضاً: لماذا أعلن علماء البيئة الحرب على شجرة الزينة هذه؟

اختلاف العمر الافتراضي لأنواع مختلفة من الأشجار

حسب نوعها، يمكن أن تعيش الأشجار فترة طويلة جداً. على سبيل المثال، تعد بعض أشجار صنوبر بريستلكون (bristlecone pines) من أقدم الأشجار المعروفة، ويبلغ عمرها أكثر من 4 آلاف عام، أما الأنواع الأخرى، مثل صنوبر لودجبولز (lodgepoles) أو أشجار الحور (poplars)، ففترة حياتها أقصر بكثير، وتتراوح من 20 إلى 200 عام. ومن المرجح أن تكون أعمار أقدم الأشجار المعمرة في منطقتك أو بلدتك ضمن هذا النطاق.

لا بُدّ أنك لاحظت أن عمر الكائنات الحية يختلف من حيوان لآخر، فجرذ الهامستر عموماً لا يعيش طويلاً مثل القطة، والقطة بدورها لا تعيش بطول عمر الإنسان. وينطبق ذلك على الأشجار أيضاً. فهي مثل الكائنات الحية الأخرى، يحدد حمضها النووي طول عمرها، والذي يمكن تشبيهه بنظام التشغيل المضمن في جيناتها ويوجّه نموها وتطورها. فالأشجار المبرمجة لتنمو بسرعة أكبر تكون أضعف وأقصر عمراً مقارنة بالأشجار التي تنمو ببطء شديد.

ولكن حتى الشجرة المعمرة الصلبة ستموت في النهاية. فالضرر الذي تسببه الحشرات والمخلوقات المجهرية على مدى سنوات طويلة، إلى جانب التعرض لحالات الطقس المتطرفة، سيؤدي إلى موتها ببطء. قد يبدأ موت الشجرة بموت فرع واحد منها، ولكنه سيمتد في النهاية إلى باقي أجزائها كلها، ولكن قد لا تكون علامات احتضار الشجرة واضحة للمراقب، وقد يستغرق الأمر بعض الوقت حتى يدرك أنها قد ماتت أخيراً.

قد ننظر إلى الموت عموماً على أنه عملية سلبية، ولكنه بالنسبة للأشجار عملية نشطة بصورة مدهشة.

شبكة الفطريات والجذور

تؤدي الجذور دوراً يتجاوز مجرد تثبيت الشجرة في الأرض، فهي بمثابة منصة تلتصق بها الفطريات المجهرية التي تشكّل نظام جذور إضافياً للشجرة أيضاً.

تشكّل الفطريات خيوطاً طويلة فائقة النعومة تسمى الخيوط الفطرية (hyphae)، ويمكن لهذه الخيوط أن تنمو إلى مسافات أطول من المسافات التي تنمو إليها جذور الأشجار، لتقوم بعد ذلك بجمع المغذيات التي تحتاج إليها الشجرة من التربة. في المقابل، تزوّد الشجرة الفطريات بالسكريات التي تنتجها بمساعدة ضوء الشمس من خلال عملية تُعرف بالتمثيل الضوئي (photosynthesis).

ربما سمعت عن قدرة الفطريات أيضاً على نقل العناصر الغذائية من شجرة إلى أخرى، ولكن العلماء لا يزالون يبحثون في هذه الظاهرة. يُعتقد أن بعض الأشجار قد يكون بعضها مرتبطاً ببعض من خلال شبكة معقدة من الفطريات تحت الأرض تُدعى أحياناً “الشبكة الخشبية الواسعة“،

لا تزال آلية عمل هذه الشبكة الخشبية في ظروف الغابة غير مفهومة جيداً، لكن العلماء يدركون أن الفطريات التي تشكّل هذه الشبكات تؤدي دوراً مهماً في الحفاظ على صحة الأشجار.

اقرأ أيضاً: كيف ستؤثر زراعة 8 مليارات شجرة سنوياً لمدة 20 سنة على مناخ الأرض؟

أهمية الشجرة الميتة للبيئة

يمكن أن تبقى الشجرة الميتة قائمة لعدة سنوات قبل أن تزول نهائياً، ما يوفّر مأوى آمناً للعديد من الحيوانات مثل النحل والسناجب والبوم وغيرها من الحيوانات الأخرى. وحتى بعد زوالها وبقاء جذعها، يمكنها استضافة كائنات حية أخرى، مثل الغرير والخلد والزواحف.

تستضيف الجذوع أيضاً نوعاً مختلفاً من الفطريات والبكتيريا، تسمى المُحلِّلات، والتي تؤدي دوراً مهماً في تحليل الأشجار الميتة الكبيرة إلى أن يختفي أثرها المرئي الذي يدل على أنها كانت موجودة في مكانها. يختلف طول هذه العملية اعتماداً على عوامل مختلفة، وقد تمتد من بضع سنوات إلى قرن أو أكثر. عندما يتحلل الخشب، تعود مغذياته مرة أخرى إلى التربة وتصبح متاحة للكائنات الحية الأخرى، بما في ذلك الأشجار القريبة والشبكات الفطرية.

تترك الشجرة إرثاً بعد موتها. فهي توفر في أثناء حياتها الظل والمأوى للعديد من الحيوانات والغذاء للفطريات والأشجار الأخرى، ويبقى لها دور مهم حتى بعد موتها، إذ توفّر الدعم للأشجار الجديدة التي يمكن أن تأخذ مكانها، والمأوى لمجموعة مختلفة من الحيوانات، وتصبح في النهاية مصدراً للمغذيات للجيل القادم من الكائنات الحية.

يمكن للمرء أن يقول إن الشجرة لا تموت فعلياً أبداً، بل تنقل حياتها إلى الآخرين.