ما هي الجسيمات دون الذرية؟

6 دقيقة
اشرحها لي وكأني في العاشرة: ما هي الجسيمات دون الذرية؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/ Rick_Jo
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

لطالما ظننا أن الفيزياء من أصعب المواد الدراسية التي تعلمناها في المدارس، ويمكن تلخيص ما نتذكره عنها بأن مواد تتألف من ذرات والذرات تتألف بدورها من نواة وإلكترونات تحيط بها، لكن الأمور تصبح معقدة عندما نتعمق بتفاصيل الذرات، إذ تبين أن هناك جسيمات أصغر من الذرات تدعى الجسيمات دون الذرية ولها خصائص متنوعة وقد تبدو خيالية أحياناً. وعلى الرغم من أننا لا نفهم سلوك هذه الجسيمات بشكل كامل حالياً، لكن هناك شوطاً واسعاً قد قطعه العلم لتصنيف هذه الجسيمات ورصدها ودراسة خصائصها لتسخيرها في شتى المجالات وفهم منشأ الكون وتحديد أنواع الطاقة الموجودة به بشكل أفضل، لذا يعرض هذا المقال موجزاً مبسطاً عن هذه الجسيمات وما نعرفه عنها حتى الآن.

اقرأ أيضاً: لماذا سيؤدي قياس كتلة بوزون دبليو إلى إعادة صياغة نظريات فيزياء الجسيمات؟

ما هو النموذج المعياري (The Standard Model)؟

بعد أكثر من 2000 عام على وضع الفيلسوف اليوناني ديموقريطس نظرية الذرة، وبأنها الجزء الأصغر الذي لا يمكن تقسيمه من المادة، تقدم العلم وبدأت تظهر أبحاث عن مكونات الذرة، وتوالت الأبحاث تدريجياً في القرن العشرين لاكتشاف عشرات الجسيمات دون الذرية بدءاً من الإلكترون وصولاً لبوزون هيغز، ما استدعى تنظيمها ضمن جدول يشبه الجدول الدوري للعناصر الكيميائية دعي باسم النموذج المعياري أو القياسي.

يصف النموذج المعياري أهم الخصائص الكمومية للجسيمات دون الذرية وكيفية تفاعلها مع بعضها، ووضع هذا النموذج في السبعينيات لشرح القوى الأساسية التي تحكم الكون، وهي: القوى الكهرومغناطيسية والقوى النووية القوية والضعيفة، ولكن قوة الجاذبية التي ما زالت لغزاً يحير العلماء حتى يومنا هذا لا توضع ضمن النموذج القياسي، إلا أن هناك نظريات تفترض وجود جسيمات لم تكتشف بعد تدعى “الغرافيتونات” وهي مسؤولة عن قوة الجاذبية بالكون.

ما هو النموذج المعياري (The Standard Model)؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/ Designua

يضم النموذج المعياري قسمين رئيسيين للجسيمات دون الذرية، وهي كالتالي:

  • الفرميونات: وهي تشكل المادة وتميل للابتعاد عن بعضها بعضاً، وهذا ما يجعل الكون متمدداً، ولها سبين (دوران كمي أو مغزلي) نصفي، ومنها الإلكترونات التي تتوزع على المدارات المحيطة بالنواة، ولو لم تكن الفيرميونات موجودة لما حدثت تفاعلات كيميائية أو امتد الكون، وكانت ستصبح المادة مضغوطة بحيز شديد الصغر، وتتألف الفيرميونات بدورها من 6 كواركات و6 لبتونات.
  • البوزونات: وتضم 4 بوزونات حاملة للقوة، وبوزون هيغز، ولها  سبين صحيح وتوجد بشكل كتل متجاذبة عكس الفرميونات، ووظيفتها هي حمل أنواع الطاقة المختلفة.

يضم هذان القسمان عدة جسيمات دون ذرية مضادة، ولكي يسهل تصنيف خصائصها فقد استخدم الفيزيائيون بعض الاستعارات المجازية كالدوران والألوان والنكهات والاتجاهات كبطاقة هوية تميز كل جسيم دون ذري وتفسّر سلوكه. وللتوضيح يمكننا عرض بطاقة هوية كل من هذه الجسيمات بشكل مفصل.

ما هي الفرميونات (Fermions)؟

هي جسيمات دون ذرية تخضع لإحصائيات فيرمي – ديراك ومن هنا اكتسبت اسمها، وتضم الكواركات واللبتونات وهي جسيمات لها جسيمات مضادة لها نفس الكتلة لكنها تخالف بعضها باللون والشحنة والأرقام الكمومية، وتجتمع الكواركات لتشكل جسيمات تدعى الهادرونات، وهذه الهادرونات تقسم إلى ما يلي:

  • الباريونات: وتحتوي على عدد فردي من الكواركات (ثلاثة فما فوق) ومنها البروتونات والنيوترونات.
  • الميزونات: وهي جسيمات دون ذرية تنشأ عند التقاء الكوارك مع الكوارك المضاد له.

ما هي الفرميونات (Fermions)؟

اقرأ أيضاً: كيف عززت المفارقات العلمية طريقة تفكير الإنسان؟ إليك أشهرها

ما هي اللبتونات (Leptons)؟

تعد اللبتونات جسيمات أولية ومكوناً أساسياً للمادة في الكون، وتقسّم إلى اللبتونات إلى مشحونة مثل البروتون ومحايدة (معتدلة) مثل النيوترون، ويمكن أن تتحد اللبتونات المشحونة مع الجسيمات الأخرى لتكوين جسيمات مركبة مختلفة مثل البوزيترون، بينما لا تتفاعل النيوترينوات مع المادة إلا نادراً، ما يجعل من الصعب ملاحظتها، ويمكن تلخيص “بطاقات تعريف” اللبتونات بالشكل التالي:

الإلكترونات (Electrons)

ومن أبرز خصائصها ما يلي:

  • تعد أشهر أنواع اللبتونات ومسؤولة عن حدوث التفاعلات الكيميائية وانتقال الكهرباء وغيرها الكثير من الظواهر الطبيعية.
  • السبين الخاص به: ½
  • شحنتها: -1
  • كتلتها: 0.510 ميغا إلكترون فولت، وهنا تُذكر الشحنة لأنها قابلة للتحويل إلى كتلة من خلال استخدام معادلة النسبية لأينشتاين.
  • عددها يساوي عدد البروتونات الموجودة في أنوية ذرات العناصر.
  • اكتشفها الفيزيائي البريطاني جوزيف طومسون في عام 1897.

إلكترون نيوترينو (Electron Neutrino)

ويتميز بالخصائص التالية:

  • السبين الخاص به: ½
  • شحنته: 0
  • كتلته: أقل من 3 إلكترون فولت.
  •  تم اكتشافه في عام 1956 نتيجة التحلل الإشعاعي لجسيمات بيتا من قبل مجموعة بحثية بقيادة كلايد كوان وفريدريك رينز.
  • يعد من الصعب اكتشافه. 
  • يتحرك بسرعة تقترب من سرعة الضوء ونادراً ما يتفاعل مع أي جسيم.
  •  تنشأ معظم إلكترونات النيوترينو الموجودة على الأرض من الشمس والتفاعلات النووية النجمية.

اقرأ أيضاً: قد تصبح واحدةً من حالات المادة: ما هي بلورات الزمن؟

الميون (Muon)

ويتميز بالخصائص التالية:

  • السبين الخاص به: ½
  • شحنته: -1
  • كتلته: 105 ميغا إلكترون فولت.
  • يُشار إليه أحياناً باسم الإلكترون الثقيل، إذ يعد أثقل بنحو 206 مرات من الإلكترون.
  • تمتد فترة حياته إلى نحو 2.2 ميكروثانية، ثم يتحلل إلى إلكترون وجسيمات أخرى.
  • تم اكتشاف الميونات في عام 1936 من قبل الفيزيائيين الأميركيين كارل أندرسون وسيث نيدرماير.
  • تشكل الميونات أكثر من نصف الإشعاع الكوني عند مستوى سطح البحر. 

ميون نيوترينو (Muon Neutrino)

ومن أبرز خصائصه ما يلي:

  • السبين الخاص به: ½
  • شحنته: 0
  • كتلته: أصغر من 0.17 ميغا إلكترون فولت.
  • يكون الميون نيوترينو عادةً أثقل قليلاً من الإلكترون نيوترينو.
  •  قد تكون النيوترينوات كلها “نكهات” مختلفة لجسيم واحد، وتتأرجح فيما بينها لتشكل الإلكترون نيوترينو والميون والتاو. 
  • تم اكتشاف الميون نيوترينو في عام 1962 من قبل العلماء؛ ليون ليدرمان وميلفن شوارتز وجاك شتاينبرغر
  • تتفاعل بواسطة القوة النووية الضعيفة.

تاو نيوترينو (Tau Neutrino)

ويتميز بالخصائص التالية:

  • السبين الخاص به: ½
  • شحنته: -1
  • كتلته: 1.77 غيغا إلكترون فولت.
  • يعد أثقل لبتون إذ تبلغ كتلته نحو 3490 ضعف كتلة الإلكترون. 
  • اكتشفه الفيزيائي مارتن بيرل في عام 1975 في مركز مسرع ستانفورد الخطي (SLAC)، ودعاه تاو نسبة لأول حرف من كلمة “الثالث” باليونانية، لأنه كان ثالث لبتون مكتشف.
  • هو اللبتون الوحيد الذي يمكن أن يتحلل إلى هادرونات (بسبب كتلته الكبيرة). 
  • يعد جسيماً قصير العمر إذ يبلغ عمره 3 × 10-13 ثانية فقط.
  • ينتج عادةً من خلال اتحاد الإلكترون والبوزيترون.

اقرأ أيضاً: هل يمكن أن توجد قطة شرودنجر في الحياة الواقعية؟

مضاد تاو نيوترينو (Tau Antineutrino)

ويمكن تلخيص خصائصه كما يلي:

  • السبين الخاص به: ½
  • شحنته: 0
  • كتلته: أصغر من 15.5 ميغا إلكترون فولت.
  • يعد من أحدث الجسيمات المكتشفة، إذ تم اكتشافه في عام 2000 في فيرملاب.
  • يعد أثقل النيوترينوات حيث تفوق كتلته 35 مرة كتلة الإلكترون.
  • مستقر نسبياً ويمكن أن يتحول لأنواع نيوترينو أخرى.

وتوجد لكل واحدة من هذه الفيرميونات جسيمات مضادة لها، مثل البوزيترون المضاد للإلكترون والجسيم المضاد لنيوترينو تاو وغيره.

ما هي الكواركات (Quarks)؟

والقسم الثاني من اللبتونات هو الكواركات التي تكون معظم الأجسام المادية في الكون، وتنجذب الكواركات لبعضها بالقوى النووية القوية، ويوجد ستة كواركات معروفة وتدعى تصنيفاتها اصطلاحاً “نكهات” وتشمل ما يلي:

  1. العلوي (Up).
  2. السفلي (Down)، ويعد الكواركان العلوي والسفلي أكثر الكواركات شيوعاً.
  3. الساحر (Charm).
  4. الغريب (Strange).
  5. القمي  (Top).
  6. القعري (Bottom).

ما هي البوزونات؟

هي الجسيمات الناقلة للقوى الأساسية الأربع، واستخدم مصطلح “بوزون” لأول مرة الفيزيائي بول ديراك لوصف الجسيمات التي وافقت إحصائيات بوز- أينشتاين، تقديراً لمساهمة العالم الهندي ساتيندرا ناث بوز الذي صاغ مع الفيزيائي ألبرت أينشتاين طريقة تحليل إحصائي كمومي لدراسة سلوك الفوتونات، وقسّمت البوزونات إلى الجسيمات التالية:

الفوتون (Photon)

ومن أبرز خصائصه ما يلي:

  • السبين الخاص به: 1
  • شحنته: 0
  • كتلته: 0
  • يعد هذا الجسيم عديم الكتلة، وهو كم من الطاقة الكهرومغناطيسية (الضوء وموجات الراديو)، اشتُق اسمه من كلمة “فوتو” أي ضوء.
  • يتحرك بسرعة الضوء.
  • تُظهر الفوتونات كلاً من خصائص الموجة والجسيمات، وهي ظاهرة تُعرف باسم ازدواجية “جسيم – موجة”. 
  • افترض ألبرت أينشتاين وجود الفوتونات على أنها كمّات للضوء في عام 1905.

الغلوون (Gluons)

ويمكن تلخيص خصائصه كما يلي:

  • السبين الخاص به: 1
  • شحنته: 0
  • كتلته: 0
  • هو الجسيم الحامل للقوى النووية القوية، ويربط الكواركات مع بعضها ويربط جسيمات نوى الذرات، واسمه مأخوذ من “glue” أي صمغ لأنه يربط الجسميات كالصمغ مجازياً. 
  • تربط الغلوونات الكواركات معاً لتشكل هدرونات مثل البروتونات والنيوترونات.
  • تم اكتشافه في عام 1979 في مصادم بيترا في ألمانيا.
  •  هو جسيم دون ذري مستقر ويمتلك 8 حالات لونية.

بوزون دبليو (W Boson)

ويمكن تلخيص خصائصه كما يلي:

  • السبين الخاص به: 1
  • شحنته: ± 1
  • كتلته: 80.398 غيغا إلكترون فولت.
  • يمتلك هذا البوزون قوة ضعيفة، لكنه شديد الثقل، إذ يفوق في وزنه ذرة الحديد.
  • اكتشف بوزون دبليو في عام 1983 في مصادم سيرن.
  • قد يكون له شحنة موجبة أو سالبة.
  •  يرمز الحرف دبليو إلى كلمة “weak” نظراً لقوته الضعيفة.

بوزون زِد (Z Boson)

ويتميز بالخصائص التالية:

  • السبين الخاص به: 1
  • شحنته: 0
  • كتلته: 91 غيغا إلكترون فولت.
  • هو جسيم ضخم، ودعي بهذا الاسم لأن شحنته صفر “zero” على الرغم من حجمه.
  • يوجد لأقل من جزء من المليار من المليار من الثانية.
  • تم اكتشافه في مختبر فيزياء الجسيمات سيرن 1983عام.

اقرأ أيضاً: نحن محاطون بها في كل مكان: ما هي الموجات الصوتية؟

بوزون هيغز (Higgs Boson)

ومن أبرز خصائصه ما يلي: 

  • السبين الخاص به: 0
  • شحنته: 0
  • كتلته: 125.3 غيغا إلكترون فولت.
  • يفترض بأن بوزون هيغز يعطي الكتلة لجميع الجسيمات الموجودة بالكون.
  • يعيش لفترة أقل بكثير من تريليون جزء من الثانية أي نحو 1.6 × 10– 22 ثانية .
  • تم اكتشافه في مختبر فيزياء الجسيمات سيرن، في عام 2012.
  • يعد آخر جسيم دون ذري مكتشف في النموذج القياسي. 

في الختام، لا يمكننا سوى الاندهاش من عظمة الكون الذي نعيش به، فكما أن هناك مجرات لا تعد ولا تحصى ومليارات النجوم والكواكب التي نرصدها بالتلسكوب في الفضاء، فهناك عالم آخر أصغر من الذرة اكتشفناه لكنه بحاجة لمزيد من الغوص في أعماقه، مهما بلغ من التعقيد.