ما وراء الطبيعة: كيف يرى العلم لعنة الفرعون الأسود؟

استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

كان الدكتور أحمد خالد توفيق؛ مؤلف سلسلة ما وراء الطبيعة والتي صدرت عن المؤسسة العربية الحديثة في أوائل تسعينيات القرن الماضي؛ يحلم بأن تحول أعماله الأدبية إلى عمل درامي أو سينمائي، ورغم أن هناك عدة محاولات جرت في حياته لفعل ذلك إلا أنها باءت بالفشل، مما جعل خالد توفيق يمزح حول الأمر بأن هناك لعنة إغريقية تلازمه، ورغم أن اللعنات ليست سوى أساطير، وهي نفسها موضوعات رواياته لكن ما حلم به تحقق بعد وفاته، هل كان محقاً بشأن اللعنة الإغريقية؟ أم  اللعنات مجرد أوهام، على أي حال؛ لطالما حمل العلم الإجابة.

اللعنات تطارد المؤلف والشخصية

بعد رحيل الدكتور أحمد خالد توفيق في عام 2018عن عمر يناهز 56 عاماً؛ بدأ العمل على تحويل أشهر أعماله سلسلة ما وراء الطبيعة، في عمل درامي يُعرض على منصة نتفليكس الرقمية العالمية، وجاءت الحلقة الأولى بعنوان أسطورة البيت وتناولت الأشباح؛ والتي لطالما تحدثنا عنها في بوبيولار ساينس ولم نجد طائل من تكرار الحديث عن دحض أفكار مؤيديها، لذا انتقلنا إلى الحلقة التالية.

الموسم الأول من مسلسل ما وراء الطبيعة يضم 6 حلقات، كلٍ منها مأخوذة عن واحدة من السلسلة الروائية، ومن إنتاج محمد حفظي وإخراج كل من عمرو سلامة وماجد الأنصاري. وتتناول الحلقة الثانية من المسلسل لعنة الفراعنة، ومثلما كان الدكتور أحمد خالد توفيق يسخر من اللعنة الإغريقية التي تلازمه، كان بطل السلسلة الدكتور رفعت إسماعيل والذي جسد دوره الفنان أحمد أمين؛ يسخر من لعنة الفراعنة في الحلقة الثانية، لكن دارت أحداث الحلقة لتنتصر لفكرة وجود لعنة الفراعنة وتحديداً لعنة الفرعون الأسود.

الفرعون عاد لينتقم

تبدأ الحلقة في القاهرة عام 1969، سماء القاهرة مكفهرة بالغيوم على غير العادة، مع انتشار وباء مجهول في المدينة، ويجد عالم آثار أن السبب في ذلك هو تحرر روح الفرعون الأسود «نفر كا رع السابع» وحلت لعنته بسبب محاولة 4 أطباء تشريح جثته، توفى 3 أطباء منهم ولم يبقَ سوى الطبيب رفعت إسماعيل بطل العمل، لم يفلت رفعت إسماعيل من العقاب، بل طاردت روح الفرعون؛ خطيبته هويدا والتي جسدت دورها الفنانة آية سماحة، ونالت منها على سلم منزله وهي تحاول أن تستغيث به.

حسب ما ورد في المسلسل، اغتصب الفرعون الأسود العرش من أخيه الفرعون الملك المحبوب، قتله وتزوج حبيبته، وشعر الفرعون بكراهية الناس له لذا أورد لعنة له في ورقة بردي نادرة، لكل من ينتهك مقبرته؛ تقول اللعنة: «لتحق لعنتي على كل من يخالف مشيئتي، ستأتيه حين يكون وحده، بلا محب أو صديق، سأقبض روحه بلا شاهد ولا مؤنس، سيكون انتقامي بالإظلام، ثم الوباء، ثم النهاية».

كان على رفعت إسماعيل إعادة مومياء الفرعون إلى المقبرة، لإنقاذ خطيبته هويدا، وإنقاذ البلد من الغيوم، والوباء، ورغم أنه لم يكن مقتنعاً بأي من ذلك؛ إلا أنه قرر أن يفعل ذلك على أمل إنقاذ هويدا، التي احتار الأطباء في تشخيص مرضها، وفي صحبة صديقته الاسكتلندية وحبيبته القديمة ماجي والتي جسدت دورها الفنانة رزان جمال، ينجح في خطته، لكن نجاح رفعت إسماعيل لا يعني بالضرورة أن هناك لعنة الفراعنة أو لعنة الفرعون الأسود.

نفر كا رع وما وراء الحقيقة

لم نعثر على نفر كا رع السابع، وفقط وجدنا نفر كا رع الذي ذكره سليم حسن عالم آثار وعميد الأثريين المصريين في موسوعة مصر القديمة؛ والذي روى عنه أنه في عصر ما قبل التاريخ كان الملك بيبي الثاني الملقب بـ نفر كا رع «2284 ق.م – 2184 ق.م» هو الملك الثالث من الأسرة السادسة.

وورد في الموسوعة: «تدل كل شواهد الأحوال على أن الملك «مرن رع» قد توفي وهو لا يزال في بداية العقد الثاني من حياته، وخلفه على العرش أخوه «بيبي الثاني»، جلس على عرش البلاد وهو في السادسة من عمره، و حكم حتى بلغ المائة من عمره، وبذلك يكون قد حكم نحو ٩٤ عاماً، ولا نزاع في أن «بيبي» ضرب بسهم صائب في طول الحكم، وأن نهاية حكمه الطويل كانت نكبة على البلاد، ورغم توليه الملك صغيراً لم يحدث في البلاط أي اضطراب، وكانت مدة حكم هذا الملك مليئة بالبعثات إلى البلاد الأجنبية، وبخاصة في الفترة الأولى من حكمه، بعد اختفاء «بيبي الثاني» هوت البلاد دفعة واحدة إلى الحضيض ولم تقم لها قائمة مدة طويلة من الزمان».

أيضاً بحثنا عن الفرعون الأسود، وجدنا أن هناك فرعون لقب بذلك بالفعل؛ واسمه طرهاقا هو أحد الملوك الكوشيين، لكن لم يكن قاتلاً كما ورد في المسلسل؛ وبالتأكيد لم يكن الملك بيبي الثاني هو المقصود في حلقة ما وراء الطبيعة، وبالأخص أنه دُفن في هرم جنوب سقارة ويسمي هرم بيبي الثاني. مما يعني أن هذه المعلومة مغلوطة برمتها، وفقط استدعت الحبكة الدرامية وجودها.

توت عنخ أمون الدليل على لعنة الفراعنة

وإن كان المسلسل لم ينتقى ملك موجود بالفعل لسرد لعنة الفراعنة؛ إلا أن الأخيرة لطالما سمعنا عنها، ولطالما كانت محل جدال ونقاش، ويمكن القول أن بداية ظهور لعنة الفراعنة كان مع اكتشاف مقبرة الملك الفرعوني الشاب توت عنخ آمون الملقب بالفرعون الصغير والذي حكم في سن التاسعة من عمره وفي الفترة من 1334 إلى 1325 ق.م. بعد اكتشاف تلك مقبرة توت عنخ آمون توفي جميع المشاركين في اكتشافها. وكان قد كُتب تحذير في مدخل مقبرته: «لتضمر اليد التي ترفع في وجه هيكلي، وليحيق الدمار بأولائك الذين يهاجمون اسمي، وسرعان ما ستحمل أجنحة الموت أولئك الذين يدخلون هذه المقبرة».

اكتشفت مقبرة توت عنخ آمون في نوفمبر/تشرين الثاني 1922، من قِبل عالم الآثار البريطاني والمتخصص في تاريخ مصر القديمة «هوارد كارتر» في وادي الملوك، بمدينة الأقصر جنوب مصر. وبعد شهور من الاكتشاف أصيب كارتر بمرض الحمى وتوفق بسبب لعنة الفراعنة، وفق اعتقاده عام 1939.

يقول زاهي حواس أيضاً – عالم الآثار المصري ووزير آثار سابق – الذي أشرف على أول فحص بالأشعة المقطعية لمومياء الملك توت عنخ آمون يومها: «لا يُمكنني أن أستبعد أسطورة لعنة الفراعنة، وذلك لأن أشياء عديدة حدثت اليوم، فقد كدنا نتعرض لحادث سيارة، وهبت الرياح في وادي الملوك، وتوقف جهاز التصوير المقطعي تماماً، وذلك لمُدة ساعتين كاملتين، وإنه فوق كُل ذي عِلم عليم».

العلم يدحض الأسطورة

أورد الكاتب الصحفي محمد محسن في كتابه «سرقة ملك مصر» اسماء 54 شخصاً ممن حضروا افتتاح مقبرة توت عنخ امون، وفتح التابوت وعملية فحص المومياء، وأكد أن 8 أشخاص فقط ماتوا في أوقات مختلفة ولأسباب متعددة ذكرها في كتابه، ولا علاقة لها بأي لعنة. و ذكر أن كارتر توفي عن عمر يناهز الثمانين عاماً!.

أما الدكتور زاهي حواس يعود ويفسر لعنة الفراعنة في كتابه «جنون اسمه الفراعنة» يقول: «المقابر الفرعونية المغلقة، توجد بها مومياوات ومواد قد تتعرض للتعفن وهو ما يمثل جواً مناسبا لوجود الجراثيم التي تُعرّض من يدخل المقبرة للموت». ويوضح أن دخول الأثريين بسرعة إلى المقبرة يعرضهم لتلك الجراثيم التي تسبب الوفاة، ويوصي حواس عند الدخول إلى مقبرة أو سرداب لم يدخله أحد من قبل، بترك المقبرة مفتوحة ليومين أو ثلاثة حتى يتبدل هواءها و تخرج تلك العوامل الممرضة.

وتقول «جينيفر فيجنر»، عالمة المصريات في متحف جامعة بنسلفانيا في فيلادلفيا: «لا يوجد جثث ميتة فحسب في المقابر المصرية، بل مواد غذائية من لحوم وخضروات وفاكهة، دفنت من أجل الرحلة إلى الآخرة، ومن المؤكد أنها قد اجتذبت الحشرات والعفن و الجراثيم». وكشفت التحاليل المخبرية أن بعض المومياوات القديمة تحمل العفن، بما في ذلك نوعين على الأقل من فطر الأسبرجلس ويحتمل أن يكونا خطرين، يمكن أن تسبب هذه الفطريات تفاعلات تحسسية تتراوح من الاحتقان إلى النزيف في الرئتين، كما أن سمومها ضارة للأشخاص الذين يعانون من ضعف جهاز المناعة.

وقد تكون بعض جدران المقابر مغطاة بالجراثيم المهاجمة للجهاز التنفسي مثل جراثيم البسودوموناس والستافيلوكوكس. اكتشف العلماء أيضاً وجود غاز الأمونيا والفورم ألدهيد وكبريتيد الهيدروجين داخل توابيت مغلقة، بتراكيز قوية يمكن أن تسبب حرقة في العين والأنف، وأعراض تشبه الالتهاب الرئوي، و الموت في الحالات الشديدة للغاية. بالإضافة إلى الخفافيش التي تعيش في العديد من المقابر، وتحمل فضلاتها فطراً يمكن أن يسبب داء النوسجات الشبيه بالإنفلونزا.

هكذا فسر رأي العلم اللعنة، ورفعت إسماعيل أيضاً كان ذو تفكير علمي ولم يكن مقتنعاً بأي شيء خارج نطاق العلم، ورغم أن العلم لا يعترف بوجود لعنة الفراعنة، إلا أن هناك أحداث تبدو أنها بالفعل ما وراء الطبيعة.