الاحتباس الحراري: بين القوة الدافعة والتخفيف البيئي

الاحتباس الحراري: بين القوة الدافعة والتخفيف البيئي
حقوق الصورة: شترستوك.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يُعد التغير المناخي حديث الساعة ويُذكر في العديد من المجالس والدراسات، لأنه مشكلة عالمية تهدد جميع المخلوقات الحية تقريباً نتيجة الأنشطة البشرية والإسراف في استخدام الوقود الأحفوري الذي يتسبب في انبعاث كميات كبيرة من الغازات الدفيئة المسببة للاحتباس الحراري، ويسعى العلماء والباحثون إلى تخفيف هذه المشكلة عبر مجموعة من الاستراتيجيات، إذ إن الغازات المنبعثة من احتراق الوقود لا تؤثر فقط على المناخ، ولكن قد يمتد أثرها إلى غذاء الإنسان وصحته وحياته الاجتماعية. نفس الأمر بالنسبة للحيوانات والعديد من الكائنات الأخرى التي لا تستطيع التكيف مع الظروف الراهنة للتغيرات المناخية.  

ما هو الاحتباس الحراري؟ 

يمكن تعريف الاحتباس الحراري على أنه ارتفاع متوسط درجات الحرارة نتيجة الزيادة في تراكيز بعض الغازات الدفيئة، مثل: بخار الماء وغاز الميثان والأوزون وأكسيد النيتروز وثاني أكسيد الكربون ومركبات الكلورفلوروكربون، ويشير هذا المصطلح أيضاً إلى احتباس الغازات داخل نطاق الغلاف الجوي، وعادةً ما يساهم الإنسان في هذه الزيادة في درجات الحرارة بسبب استخدام الوقود الأحفوري. ويُعد مصطلح “الاحتباس الحراري” مرادفاً لـ “التغير المناخي” إلا أنّ الأخير مفضل أكثر لدى العلماء. 

وفي هذا الصدد، أجرى الدكتور “لؤي الغصين” في قسم الهندسة بالجامعة الألمانية الأردنية مراجعة علمية يستعرض فيها القوة الدافعة للاحتباس الحراري، ووضع مقترحات لعدد من الاستراتيجيات التي قد تفيد بشكل ما في حل تلك الأزمة العالمية، ونُشرت المراجعة في أكتوبر/تشرين الأول 2018 في دورية “ويلي أونلاين ليبرري” (Wiley Online Library). 

اقرأ أيضاً: برودة الأرض قديماً قد تغيّر تنبؤاتنا حول الاحتباس الحراري

مسببات الاحتباس الحراري: بين التدخل البشري وقوى الطبيعة 

تتنوع أسباب التغير المناخي، قد تكون بشرية أو طبيعية كالتالي: 

العوامل الطبيعية 

قد تحصل مشكلة التغير المناخي بصورة طبيعية على الأرض لعدة أسباب، من ضمنها: 

  • الانفجارات البركانية: وتتسبب في انبعاث كميات كبيرة من الغازات الدفيئة وبخار الماء، التي ترفع درجة حرارة الأرض، ما يتسبب في الاحترار العالمي
  • التباين في كمية الإشعاع الشمسي: بسبب دورة ميلانكوفيتش التي تكتمل كل 10 آلاف عام. وفي عام 1978، بدأ العلماء في تتبع قراءات الإشعاع الشمسي، ولاحظوا أنّ معدل الانخفاض فيه تسبب في ارتفاع درجات الحرارة بنسبة تزيد عن 10 %. 

اقرأ أيضاً: لماذا يجب التوقف عن اتهام الصين بكونها المسبب الرئيسي في الاحترار العالمي؟

الأنشطة البشرية 

تسبب البشر في العديد من المشكلات البيئية، من ضمنها، مشكلة التغير المناخي، ومن مظاهر ذلك: 

  • إنتاج الكهرباء والحرارة: في كثير من الأحيان يُستخدم الوقود الأحفوري في إنتاج الكهرباء، ما يتسبب في إطلاق كميات كبيرة من الغازات الدفيئة المسببة للتغير المناخي في الغلاف الجوي، حيث سبب توليد الكهرباء 25 % من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية عام 2010. 
  • قطاع الصناعة: تستهلك الصناعة كميات كبيرة من الوقود الأحفوري، وقد تسبب ذلك في إطلاق نحو 21 % من الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي 2010، بسبب ذلك القطاع. 
  • وسائل النقل: تتسبب تلك الوسائل في إطلاق كميات كبيرة من الغازات الدفيئة، وبلغت مساهمة قطاع النقل في 2010 نحو 14 % من إجمالي غازات الاحترار العالمي. 
  • إزالة الغابات: يُشكل الكربون في الأشجار نحو 50 %، وتتسبب إزالتها في إطلاق كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون في الجو. 
  • انبعاث غاز الميثان: فهو ثاني أكبر غاز مسبب للاحترار العالمي خلال الـ 150 سنة مضت. 

هناك العديد من العوامل الأخرى التي تسبب البشر من خلالها في تحفيز مشكلة التغير المناخي، ليصبح البشر مساهمين في تلك القضية بجدارة، ففي الظروف الطبيعية يبلغ متوسط انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بين 130 – 230 مليون طن سنوياً، بينما تتسبب الأنشطة البشرية في إطلاق نحو 26 مليار طن من غاز ثاني أكسيد الكربون، وهو أكثر 100 مرة من البراكين. وبعض الأمثلة من الكميات المنبعثة من ثاني أكسيد الكربون عام 2015 أتت كنتيجة لاحتراق الوقود الأحفوري كالتالي: 

  • حرق الفحم نحو 45%. 
  • النفط 35%. 
  • حرق الغاز الطبيعي 20%. 

لماذا علينا الاهتمام بظاهرة التغير المناخي؟ 

بعد الثورة الصناعية التي بدأت أثناء القرن التاسع عشر، بدأت درجة حرارة الأرض في الارتفاع بصورة ملحوظة، ومن المرجح أن يستمر هذا الارتفاع في درجات الحرارة إذا واصل البشر أنشطتهم البيئية الضارة. ويدعو الجميع إلى ضرورة اتخاذ إجراءات فعّالة لحل تلك المشكلة، نظراً لما تسببه من مشكلات أخرى، من بينها: 

  • انتشار الظواهر الطقسية المتطرفة مثل الجفاف والأعاصير والفيضانات، ما يزيد من الخسائر البشرية، فقد ازدادت نسبة الرطوبة في الجو بنسبة 4 % منذ عام 1970، ما قد يزيد سرعة الرياح. 
  • التأثير على نمو المحاصيل الزراعية والحيوانات، حيث تتسبب درجات الحرارة المرتفعة في تعطيل نمو تلك المخلوقات. 
  • ذوبان الجليد عند القطبين ما يؤدي إلى ارتفاع مستوى سطح البحر، وهذا يجعل اليابسة عرضة للغرق. 
  • تؤثر درجات الحرارة المرتفعة على الطحالب التي يتغذى عليها المرجان، ما يؤدي إلى موته، وهذا يعني أننا سنفقد المرجان إذا استمرت درجات الحرارة في الارتفاع. 
  • أصبحت المناطق الجافة أكثر جفافاً، والمناطق الرطبة أكثر رطوبة. 

ما هي الحلول المتاحة لحل مشكلة التغير المناخي؟ 

تقترح المراجعة التي نشرها الدكتور لؤي عدداً من الاستراتيجيات الفعالة لمواجهة مشكلة التغير المناخي، ومنها: 

1- الحد من انبعاثات الغازات من مصادرها 

ويمكن فعل ذلك عبر تقليل الأنشطة المؤدية إلى انبعاث بعض الغازات الدفيئة إلى الغلاف الجوي، على سبيل المثال، استخدام مصادر الطاقة المتجددة في توليد الطاقة الكهربائية بدلاً من الوقود الأحفوري، والبحث عن مصادر بديلة للوقود الأحفوري. 

2- تطوير تقنيات جديدة 

وهذه الاستراتيجية تعني تطوير تقنيات تمتص انبعاثات الغازات الدفيئة من الغلاف الجوي، من أمثلتها: زراعة الأشجار، فهذا الحل قد  يقلل من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الجو بامتصاص الأشجار لتلك الغازات. 

وتقترح المراجعة أيضاً أن تحل مصادر الطاقة المتجددة محل الوقود الأحفوري، ما يقلل من انبعاث الغازات الدفيئة ويساعد في تخفيف الأثر البيئي للتغير المناخي،، المشكلة التي أصبحت واحدةً من أهم مشكلات العصر، ويسعى العلماء والحكومات لحلها، لكن الأمر يحتاج إلى تعاون بين كل البشر. 

نُشر هذا المقال استناداً إلى بحثٍ مقدّم من مركز “أبحاث الشباب العربي