الحرائق الصغيرة المُتَحكم بها تجعل الغابات تمتص المزيد من الكربون

حرائق الغابات
حقوق الصورة: بيكساباي.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

إحدى التبعات المخيفة لتغير المناخ هي ازدياد نسبة حرائق الغابات الخطيرة. شهدت تركيا وسيبيريا والولايات المتحدة مواسم حرائق غابات كثيفة في عام 2021، ما حطم الأرقام القياسية لمستويات انبعاثات الكربون، وتسبب في عمليات إجلاء ضخمة.

استمرار موسم الحرائق أكثر من المعتاد

وفقاً لوزارة الزراعة الأميركية، كان موسم الحرائق في المناطق التي تكون جافة عادة في الولايات المتحدة يستمر نحو 4 أشهر ويبدأ عادةً في الصيف ليستمر حتى أوائل الخريف. لكن هذه السنة، امتد الموسم إلى ما يقرب من 6 أشهر، إذ أنه بدأ في وقت أبكر مما كان متوقعاً، ونجم عنه اشتعال النيران في 82.3 ألف كيلومتر مربع في عدة ولايات، منها كاليفورنيا وأوريغون، مع استمرار حرائق الغابات الهائلة خلال الخريف.

يقتضي ازدياد نسبة الحرائق ارتفاع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي. على سبيل المثال، أنتجت حرائق ولاية كاليفورنيا من بداية عام 2020 إلى شهر سبتمبر/أيلول 2020 أكثر من 90 مليون طن متري من ثاني أكسيد الكربون، وهو ما يمثل نحو ربع الانبعاثات السنوية للولاية من الوقود الأحفوري.

تساهم الانبعاثات المتزايدة في أزمة المناخ، ما يولّد دورة من فترات الجفاف الأسوأ التي يمكن أن تؤدي إلى حرائق غابات أكبر. أثّرت حرائق الغابات المتزايدة في جميع أنحاء العالم على المناطق التي تعمل كبالوعات للكربون أو تلك التي تُخصص لعكس آثار تغير المناخ. مثلاً، أدت الحرائق الناتجة عن إزالة الغابات وزيادة الجفاف في غابات الأمازون، والتي غالباً ما يطلق عليها “رئتي العالم”، إلى تحويل الغابة إلى منطقة ينبعث منها الكربون بدلاً من بالوعة لهذا الغاز.

قالت “لوسيانا غاتي”، باحثة بارزة في مجال تغير المناخ في المعهد الوطني لأبحاث الفضاء في البرازيل، لصحيفة “ذا غارديان“: “تُنتج الأماكن التي تبلغ فيها نسبة إزالة الغابات 30% أو أكثر انبعاثات كربونية أعلى بـ 10 مرات من تلك التي تبلغ فيها هذه النسبة أقل من 20%”.

اقرأ أيضا:

الحرائق المُتحَكم بها تساعد في خفض الانبعاثات

غالباً ما يتم الترويج لزراعة المزيد من الأشجار وحماية الغابات المطيرة على نطاق واسع كحل لارتفاع مستويات الانبعاثات العالية. لكن توضّح دراسة نُشرت في دورية “نيتشر جيوساينس” كيف تساعد بعض الحرائق الخاضعة للرقابة في تخفيض انبعاثات الكربون بدلاً من زيادتها.

تسبب حرائق الغابات الشديدة والتي تكون خارج نطاق السيطرة تآكل الغابات وحرق المواد العضوية والفطريات والبكتيريا المفيدة الموجودة في التربة. وجد الباحثون أن الحرائق الباردة المتحكم بها وغير المتكررة تغير التربة عن طريق تكوين أقلام فحمية في كتل من التربة تحمي المواد الغنية بالكربون الموجودة داخل التكتلات. أوضحت الدراسة أيضاً كيف أن الحرائق المتحكم بها تحفز نمو العشب في بعض البيئات. إذا نمت المزيد من الحشائش في منطقة ما، ستزيد الكتلة الحيوية، ما يعني أن معدل تخزين الكربون في تلك التربة سيزيد.

أوضح الباحثون في الدراسة أن “الحرائق تعدل استقرار المواد العضوية في التربة من خلال التأثير على كل من الخصائص الفيزيائية والكيميائية لهذه المواد، وعلى الظروف التي تحفّز التحلل”.

وفقاً للبحث الجديد، تعتبر الحرائق التي يتم التحكم فيها أكثر فعالية في حبس الكربون في السافانا والأراضي العشبية والغابات المعتدلة. أوضح “آدم بيليغريني” أحد مؤلفي الدراسة الجديدة، والأستاذ المساعد في قسم علوم النبات في جامعة كامبريدج، أن الحرائق الصغيرة يمكن أن تزيد من استقرار نسب الكربون في التربة في تلك البيئات وتزيدها.

قال بيليغريني في بيان صحفي: “تعتبر معظم الحرائق في النظم البيئية الطبيعية حول العالم حرائقاً متحكم بها، لذا يجب أن ننظر إلى ذلك على أنه فرصة”، وأضاف: “يتحكّم البشر بهذه الحرائق، لذلك يمكننا أيضاً أن نتعلم كيف نتحكم بها لزيادة نسب تخزين الكربون في التربة لأقصى ما يمكن”.

اقرأ أيضا:

تقنية استُخدمت قديماً

استخدمت الشعوب القبلية الأصلية تقنيات الحرائق الخاضعة للرقابة، ويشمل هذا شعوب المناطق المعرضة للحرائق في أميركا الشمالية. قبل وصول المستوطنين واستعمار شمال كاليفورنيا، تسببت القبائل في المنطقة في حرائق منخفضة الكثافة متحكم بها لحماية الأرض من ألسنة اللهب الكارثية. استخدمت بعض الشعوب القبلية أيضاً الحرائق المتحكم بها للمساعدة في خفض درجة حرارة الماء لدعم تجمعات سمك السلمون في الأنهار على الساحل الغربي.

بعد أن ساعدت سياسات الحرائق الخاضعة للرقابة في إنقاذ أشجار “السيكويا” العملاقة في كاليفورنيا، وقّع حاكم الولاية “غافِن نيوسوم” تشريعاً في أكتوبر/تشرين الأول عام 2021 لتعزيز ممارسات إدارة الغابات. تزيل الحرائق الخاضعة للرقابة حطام أرض الغابات الذي يعمل بمثابة وقود للحرائق الهائلة المدمرة.

قال بيليغريني في البيان: “غالباً ما يُنظر إلى النار على أنها شيء سيء”، وأضاف: “نأمل أن تظهر هذه الدراسة الجديدة أن الحرائق يمكن أن تكون مفيدة أيضاً عند إدارتها بشكل صحيح، سواء للحفاظ على التنوع الحيوي أو لتخزين الكربون”.

اقرأ أيضا: