كيف يمكن أن تؤدي صناعة الأغذية إلى المزيد من انبعاثات الكربون؟

كيف تساهم صناعة الأغذية في انبعاثات الكربون؟
لنقل الخضار والفاكهة من المزارع البعيدة تأثير كبير على كوكب الأرض. ماتيوس سينالي/بيكسلز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تتيح لنا متاجر البقالة الوصول إلى مختلف الخضروات والفواكه والمنتجات الغذائية من جميع أنحاء العالم وفي أي وقت من السنة. وعلى الرغم من أنه أصبح بإمكاننا شراء الأفوكادو مثلاً من الساحل الشرقي في منتصف الشتاء، فإن الحصول على هذه المأكولات الشهية في غير موسمها ومكان زراعتها يؤثر على كوكبنا كثيراً.

أظهر بحث جديد نُشر أمس في مجلة نيتشر فود (Nature Food) أن أميال الطعام، أو المسافة التي يقطعها الطعام من مكان زراعته حتى وصوله إلى طبقك، لها بصمة كربونية أعلى بكثير مما كان يُعتقد في السابق؛ حيث تبلغ تكلفة الكربون الخاصة بها في الواقع نحو 19% من جميع انبعاثات النقل المرتبطة بالغذاء.

مع الأخذ في الاعتبار سلسلة التوريد الغذائية بأكملها. تضيف أميال الغذاء العالمية ما يصل إلى نحو 3 غيغا طن من انبعاثات مكافئ ثاني أوكسيد الكربون، وبذلك تكون أعلى من التقديرات السابقة بنحو 3.5 إلى 7.5 ضعفاً. ووفقاً لما أفاد به مؤلفو الدراسة، تعادل هذه الانبعاثات نصف الانبعاثات المباشرة من المركبات على الطرق. تخالف التقديرات الجديدة إلى حد كبير التقديرات السابقة التي حددت انبعاثات نقل الأغذية من مجمل نظام الغذاء العالمي بأقل من 5%.

انبعاثات صناعة الأغذية

لم يكن مفاجئاً أن ترتبط هذه النتائج بشكل خاص بالدول الغنية التي لديها متاجر بقالة جيدة التجهيز. درس المؤلفون الأميال الغذائية في 74 دولة مختلفة تضم 37 قطاعاً اقتصادياً مثل الثروة الحيوانية أو الخضار، ومسافات النقل، ووزن السلع. في حين أن أكبر الدول في العالم، الصين والهند والولايات المتحدة، مسؤولة عن معظم هذه الانبعاثات الغذائية، فإن الدول الغنية الأصغر تميل إلى أن يكون لها تأثير أكبر بالنسبة للفرد. على سبيل المثال، تمثل الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا واليابان معاً نحو 12% من سكان العالم، ولكنها تمثل ما يقرب من نصف الانبعاثات المرتبطة بنقل الطعام.

اقرأ أيضا: شرح المناخ: كيف نختار الأشجار المناسبة لامتصاص الكربون من الهواء؟

يقول المؤلف المشارك وعالم البيئة الغذائية بجامعة سيدني، ديفيد راوبنهايمر، في بيان: «قبل دراستنا، كان معظم الاهتمام في أبحاث الغذاء المستدام منصباً على الانبعاثات العالية المرتبطة بالأطعمة المشتقة من الحيوانات مقارنةً بالأطعمة النباتية».  من المعروف أن اللحوم والمنتجات الحيوانية لها بصمة كربونية كبيرة، حيث تظهر الأبحاث من عام 2018 كيف أن 20% من الأميركيين فقط مسؤولون عن نصف انبعاثات الغذاء في البلاد نتيجة تناول اللحوم. وتشير دراسات أخرى إلى أن معظمنا يستهلك كمية زائدة من البروتين، حيث يحتمل أيضاً أن يساهم الاستهلاك الزائد هذا في الانبعاثات. ومع ذلك، تظهر هذه الدراسة الجديدة أن استهلاك الفاكهة والخضروات أصبح يمثل مشكلة متنامية بالنسبة لانبعاثاته. تساهم المنتجات الطازجة في غير موسمها بشكلٍ رئيسي في الانبعاثات بشكل خاص، حيث يتم شحنها من أماكن بعيدة.

أضاف النقل المرتبط بالفواكه والخضروات ما يصل إلى نحو 36% من إجمالي انبعاثات الأميال الغذائية (أو أكثر من مليار طن من مكافئ ثاني أوكسيد الكربون)، ما يضاعف تقريباً انبعاثات غازات الدفيئة الناجمة عن إنتاجها. من ناحية أخرى، تنتج صناعة اللحوم نحو 3 مليارات طن من مكافئ ثاني أوكسيد الكربون، لكن التكلفة الكربونية لنقلها تزيد قليلاً على 100 مليون طن. تعود الانبعاثات المرتفعة من الفاكهة والخضروات إلى حد كبير إلى عملية التبريد كثيفة الكربون، والتي تحافظ على المنتج بحالة طازجة ومظهر جيد إلى حين استهلاكها.

إضافة إلى التكلفة البيئية العالية المذهلة للفواكه والخضروات بشكل عام، فإن أكثر من نصف الانبعاثات يأتي من نقل الغذاء داخل الدول، وبشكلٍ أقل من النقل الدولي. وهكذا، فإن شحن الكعك من فرنسا أو حساء الرامن من كوريا إلى المتجر المحلي القريب منك ليس هو ما يؤدي إلى زيادة الانبعاثات فقط، بل حتى شراء الموز المنتج في الولايات المتحدة يمكن أن يؤدي إلى زيادة انبعاثات أميال الطعام الخطيرة.

تخفيف الانبعاثات

ومع ذلك، فإن حل هذه المشكلة بسيط للغاية؛ ما عليك هو معرفة المزيد عن الأطعمة المحلية وشراؤها في موسمها.

يقول المؤلف الآخر في الدراسة وأستاذ أبحاث الاستدامة في جامعة سيدني، مانفريد لانزن، في البيان: «من عادة المستهلكين في الدول الغنية المطالبة بأطعمة غير موسمية على مدار العام، والتي يجب نقلها من مكانٍ لآخر. في الحقيقة، إن تناول البدائل المحلية الموسمية، كما فعلنا طوال معظم تاريخ جنسنا البشري، سيساعد في الحفاظ على سلامة كوكبنا للأجيال القادمة».

قد يبدو القيام بذلك شاقاً في البداية إذا كنت تعيش في منطقة باردة ولديك شغف بالمانجو أو الأناناس، ولكن هناك الكثير من الأدوات التي يمكن أن تساعدك على معرفة متى تكون الفواكه المفضلة لديك في موسمها ومن أين مصدرها. على سبيل المثال، تعمل مؤسسة جريس كومنيكيشن فاونديشن (Grace Communications Foundation) غير الربحية، والتي تهدف إلى إلهام تغييرات نمط الحياة المستدامة، على إبلاغ الناس في جورجيا مثلاً متى يحين وقت تناول الشمام والخوخ والكوسا في مواسمها، ومتى يحين موعد تناول الراوند والهندباء والتفاح في أوريغون في الطرف الآخر من البلاد.

إذا تناول جميع سكان الكوكب الأطعمة المنتجة محلياً، ستنخفض الانبعاثات بنحو ثلث غيغا طن. بالنسبة للأطعمة التي يجب نقلها، فإن التحول لاستخدام مركباتٍ أنظف للبيئة واتباع طرق تبريد طبيعية يمكن أن يساعد في تقليل التأثير أيضاً.

اقرأ أيضا: أحد أشكال الحياة القديمة أم مجرد براكين: ما هو أصل الكربون العضوي على المريخ؟