ما علاقة الأشعة فوق البنفسجية بالانقراضات الجماعية على كوكب الأرض؟

ما علاقة الأشعة فوق البنفسجية بالانقراضات الجماعية على كوكب الأرض؟
موقع البحث، حيث تظهر أحدث صخور العصر البرمي في المقدمة، بالإضافة إلى النتوء الصخري الذي يتضمن حدود العصر البرمي الترياسي أعلاه. فينغ لوي
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

على بُعد 10 كيلومترات في السماء، توجد طبقة من غاز الأوزون، الذي يتكون من ثلاث ذرات من الأوكسجين، وليس اثنتين فقط. تعد طبقة الأوزون بمثابة درع حيوية تحمي كوكب الأرض من وصول الأشعة فوق البنفسجية التي تصدرها الشمس. لكن ما الذي يمكن أن يحدث في حال وجود خلل في طبقة الأوزون؟

يمكن أن تكون النتائج كارثية، ولدينا دليل تاريخي على ذلك.

نتائج كارثية لغياب طبقة الأوزون

في نهاية العصر البرمي، قبل 252 مليون سنة، حدث أسوأ انقراض جماعي في تاريخ الأرض، وذلك عندما اندلعت سلسلة من الانفجارات البركانية المروّعة التي أدّت إلى تلوث العالم. وقد كشف حبيبات غبار الطلع الأحفورية المكتشفة عن وجود علامات تشير إلى تعرّضها لنوع من الأشعة فوق البنفسجية عالية الطاقة تُعرف باسم يو في- بي (UV-B). في ورقة بحثية نُشرت بتاريخ 6 يناير/ كانون الثاني في مجلة ساينس أدفانسيس (Science Advances)، استخدمت مجموعة دولية من الجيولوجيين وعلماء النبات تلك العيّنات المتحوّلة لتشكيل صورة عن تلك الأحداث العنيفة.

يقول عالم الجيولوجيا في معهد نانجينغ للجيولوجيا وعلم الأحافير (Nanjing Institute of Geology and Palaeontology) في الصين، فينغ ليو، وأحد مؤلفي الورقة البحثية: “ربما أدّت زيادة الأشعة فوق البنفسجية يو في- بي (UV-B)، دوراً في انقراض بعض أشكال الحياة على كوكب الأرض”. واعتقد العلماء منذ وقتٍ طويل أن انخفاض مستويات الأوزون وزيادة الأشعة فوق البنفسجية لهما دور في هذه الكارثة، وقد جمعوا البيانات التي توضّح ذلك.

اقرأ أيضاً: ثقب الأوزون: نجاح بيئي وتهديد عالمي دائم في نفس الوقت

مصائد سيبيريا ودورها في كارثة نهاية العصر البرمي

من الممكن أن تكون مصائد سيبيريا أحد الأسباب الرئيسية لكارثة نهاية العصر البرمي. حيث غطّت الصخور البركانية، التي قذفتها مجموعة من البراكين الهائلة، سيبيريا الوسطى، التي كانت في ذلك الوقت واحدة من الأجزاء الواقعة في أقصى الشمال من شبه القارة العملاقة المعروفة باسم بانجيا (Pangaea). يعتقد الخبراء أنه طوال أكثر من مليون عام، قامت المصائد السيبيرية بنثر الغازات الدفيئة مثل ثاني أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي للأرض.

وفي أعقاب النشاط البركاني المستمر، زادت حموضة المحيطات القديمة، كما انخفضت نسبة الأوكسجين فيها، ما أدى إلى تلوثها وانقراض أكثر من %80 من الكائنات البحرية التي كانت تعيش فيها. وقد استغرق الأمر ملايين السنين حتى عادت الحياة إلى ما كانت عليه قبل الانقراض.

يفسّر ذلك الكثير من الكوارث التي حدثت في عصر ما قبل التاريخ في المحيطات، ولكن ماذا عن اليابسة؟ ما الكائنات البرية التي انقرضت وما سبب انقراضها؟ لا يوضّح السجل الأحفوري الكثير عن ذلك الأمر.

اقرأ أيضاً: هل تعيد حرائق الغابات تشكيل الحياة على الأرض؟

الحلقة المفقودة في سبب الانقراضات الجماعية

توصل الباحثون سابقاً إلى أدلة على حدوث بعض الدمار الهائل. على سبيل المثال، كانت أجزاء عديدة من ذلك العالم القديم مغطّاة بغابات السراخس. ولم تُذكر هذه المناطق البيئية في السجل الأحفوري في نهاية العصر البرمي، ما يشير إلى تأثر الكائنات البرية في جميع أنحاء العالم من تلك الأحداث.

ومع ذلك، يؤكد خبراء آخرون أن السجل الأحفوري قد يكون خاطئاً، وأن حالات الانقراض قد حدثت على نطاق إقليمي بدرجة أكبر. يقول عالم الحفريات في جامعة مونسترين في ألمانيا، فيليب جاردين، مؤلف الورقة البحثية الجديدة: “يعد هذا بمثابة تجميع للكثير من المعلومات من أماكن مختلفة، ومحاولة تشكيل صورة مترابطة، وإن كانت غير مكتملة”. وحتى الآن، لا تخبرنا تلك المعلومات عن السبب الحقيقي للانقراضات التي حدثت على الأرض.

لكن من الممكن أن يكون العلماء قد عثروا على الحلقة المفقودة. في عام 2014، جمع ليو عيّنات من الصخور الموجودة ضمن ما يعرف الآن بمنطقة جنوب التبت. وعندما قام مع زملائه بدراسة تلك الصخور بدقة، وجدوا ذرات قديمة من غبار الطلع غير الطبيعية والملتصقة بتلك الصخور.

اقرأ أيضاً: هل جعلت الانقراضات الجماعية الحياة على الأرض أكثر تنوعاً؟

غبار الطلع من نوع أليسبوريت (alisporites) من إحدى العينات التي تم جمعها في التبت وتحليلها في الدراسة. فينغ لوي

ومن أجل فهم سبب الضرر الذي لحق بهذه الذرات، قام الفريق بتحليلها والبحث عن مركبات معينة تحتوي على الكربون والأوكسجين والنتروجين. شكّلت النباتات هذه المواد الكيميائية لحماية نفسها من الأشعة فوق البنفسجية يو في- بي (UV-B)، التي تتكون من أطوال موجية أقصر من الضوء المرئي، وذات الطاقة العالية. ونتيجةّ لذلك، يمكن أن تسبّب الأشعة فوق البنفسجية من نوع يو في- بي (UV-B) ضرراً للخلايا الحيّة أكثر مما تسبّبه الأشعة فوق البنفسجية من نوع يو في-أيه (UV-A).

الأشعة فوق البنفسجية يو في- بي قد تكون مسؤولة

وقد استخدم جاردين وباقي العلماء التقنية نفسها لدراسة مستويات الأشعة فوق البنفسجية يو في- بي (UV-B) التي وصلت إلى سطح الأرض قبل مئات الآلاف من السنين. لكن هذه هي المرة الأولى منذ 252 مليون سنة التي يحاول فيها أي شخص البحث عن هذه المركّبات، التي توصل إليها فريق جاردين وليو.

يقول جاردين: “أعتقد أن الشيء المهم هو أنه أصبح لدينا دليل قاطع على تأثر النباتات بهذه الأشعة، حيث تُظهر زيادة المركبات التي تمتص الأشعة فوق البنفسجية يو في- بي(UV-B) أن النباتات كانت تتفاعل من الناحية الكيميائية الحيوية مع تلك الأشعة”.

من المعتقد أنه في نهاية العصر البرمي، أطلق النشاط البركاني غازات تُعرف باسم الهالوكربونات، التي تحتوي على ذرات من الهالوجينات مثل الكلور والبروم. وربما دمّرت هذه المواد الكيميائية طبقة الأوزون، ما سمح لمزيد من الأشعة فوق البنفسجية يو في- بي (UV-B) بالوصول إلى الأرض. ما أدّى بدوره إلى إعاقة نمو النبات وتكاثره، وانخفاض عدد النباتات التي تمتص غاز ثاني أوكسيد الكربون السام من الهواء.

يقول عالم الجيولوجيا في جامعة أوكسفورد بروكس في المملكة المتحدة، ويسلي فريزر، أحد مؤلفي الدراسة: “على الرغم من أنه من السابق لأوانه القول إن استنفاد طبقة الأوزون أو زيادة الأشعة فوق البنفسجية كانا السبب الوحيد لهذه الانقراضات الجماعية، فمن المحتمل أن تؤدي زيادة الأشعة فوق البنفسجية إلى تفاقم الآثار السلبية على الحياة على الأرض في وقت يتعرض فيه النظام البيئي العالمي لضغط كبير”.

إذا كانت الأشعة فوق البنفسجية يو في- بي (UV-B) قد حوّلت الكوكب إلى مكان غير صالح للعيش في تلك الفترة بالفعل، فإن ذلك قد يعني أن الآثار كانت كارثية على مستوى العالم. وبالطبع، سيحتاج العلماء إلى إيجاد أدلة قوية على ذلك. يقول جاردين: “لقد حصلنا على هذه البيانات من موقع واحد فقط، لذلك نحن بحاجة إلى العثور على المزيد من الأدلة من الفترة الزمنية نفسها للتحقق من صحة هذه النتائج”.

اقرأ أيضاً: حتى الأشجار قد تواجه خطر الانقراض بسبب التغير المناخي

قاسم مشترك بين الأشعة فوق البنفسجية وأحداث الانقراض الجماعي

وعلى الرغم من أن الانقراض الجماعي في نهاية العصر البرمي يعتبر الأسوأ، فقد كانت هناك حالات انقراض أخرى. حيث كشف العلماء عن أحداث انقراض مماثلة في نهايات العصر الديفوني (قبل نحو 360 مليون سنة) والعصر الترياسي (قبل نحو 201 مليون سنة). ووفقاً لفريزر، فقد وجد العلماء آثاراً للتعرض للأشعة فوق البنفسجية الضارة في حالات الانقراض تلك أيضاً.

حيث يقول: “قد يكون هناك قاسم مشترك بين الأشعة فوق البنفسجية وأحداث الانقراض الجماعي المختلفة”. حتى لو لم تكن الأشعة فوق البنفسجية هي السبب الأساسي لتلك الانقراضات، فمن الممكن أن تكون قد أسهمت في كثير من الحوادث التي حصلت على الأرض.

وعلى الرغم من أن العصر البرمي قد أصبح من الماضي، فإننا لا نزال نواجه مشكلة الأشعة فوق البنفسجية يو في- بي (UV-B) حتى يومنا هذا. فقد عاش العالم منذ وقتٍ ليس ببعيد في حالة قلق بشأن ثقب الأوزون فوق القارة القطبية الجنوبية، بسبب مركّبات الكربون الكلورية الفلورية (CFCs) التي تتسرب إلى الغلاف الجوي من الثلاجات ومكيّفات الهواء التي تستخدم تلك المركّبات في صناعتها. وقد أعرب الكثيرون عن قلقهم من احتمالية اتساع ثقب الأوزون وتعرّض أجزاء كبيرة من الكرة الأرضية لخطر الاحتراق بالأشعة فوق البنفسجية.

اقرأ أيضاً: ما هي مركبات الكربون الهيدروفلورية وكيف سيؤثر منع استخدامها على المناخ؟

بعد أن اجتمعت الحكومات عام 1987 لصياغة بروتوكول مونتريال وحظر مركّبات الكربون الكلورية الفلورية، بدأ ثقب الأوزون في الانكماش. لكن بعد فوات الأوان، إذ لا يزال هذا الثقب يؤثر سلباً على النباتات حتى اليوم.

يقول فريزر: “من هذا المنطلق، فإن التعرف على كيفية تأثير التعرض للأشعة فوق البنفسجية يو في- بي (UV-B) على النباتات في الماضي يمكن أن يخبر العلماء بما قد يحدث في المستقبل القريب، والعكس صحيح”. ويضيف: “أعتقد أن الأبحاث القديمة والحديثة حول الأشعة فوق البنفسجية يو في- بي (UV-B) تتضافر للوصول إلى النتائج المطلوبة”.