كيف يؤدي التغير المناخي إلى فقدان المحيطات لذاكرتها؟

كيف يؤدي التغير المناخي إلى فقدان المحيطان لذاكرتها؟
لا تزال بعض الأجزاء من المحيط الهادئ متأثرة بالعصر الجليدي الصغير الذي انتهى منذ مئات السنين. بيكسلز حقوق الصورة: بيكسلز.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تساهم ذكرياتنا في تشكيل هويتنا الحالية والمستقبلية. إذ إن ماضينا يساعدنا في معرفة ما يجب علينا فعله في المواقف التي تزداد صعوبة والظروف التي تزداد إرباكاً. وكلما زادت الخبرة التي نكتسبها، زادت قدرتنا على اتخاذ الإجراءات المناسبة في المستقبل.

لكن البشر وغيرهم من الكائنات الحية ليسوا الوحيدين الذين يمتلكون الذاكرة. إذ إن المحيطات تتمتع بهذه الخاصية نوعاً ما. اشتهر مؤخراً مصطلح “ذاكرة المحيط” الذي تم صكّه حديثاً نسبياً إذ بيّنت دراسة جديدة نُشرت في 6 مايو/أيار 2022 في مجلة “ساينس” كيف أن المحيط “يفقد ذاكرته”. لا يزال من غير المعروف كيف سيؤثر فقدان الذاكرة هذا والذي سببه التغير المناخي الناتج عن نشاطات البشر على مستقبل الأرض.

إليك ما يجب أن تعرفه عن مفهوم ذاكرة المحيط وعن تأثيره على مستقبل المحيطات في العالم.

اقرأ أيضاً: كيف يؤثر التغير المناخي على معدل انتشار الجفاف؟

ما هي ذاكرة المحيط؟

تقول “دايزي هوي شي”، باحثة في مرحلة ما بعد الدكتوراه في معهد “فارالون” في ولاية كاليفورنيا ومؤلفة الدراسة الجديدة إنه على الرغم من أن مصطلح ذاكرة المحيط قد يبدو بسيطاً، إلا أنه مفهوم يعبر باللغة التكنولوجية عن “ثبات درجة حرارة المحيط”.  نظراً لأن المحيطات لديها قدرة هائلة على امتصاص الحرارة، تكون التغيرات في درجات حرارتها أبطأ من تغير درجات حرارة الهواء أو الغلاف الجوي. من المحتمل أنك لاحظت ذلك بنفسك إذا غصت في المحيط في يوم حار وشعرت بأن الماء بارد للغاية.

تعود قدرة المحيطات على امتصاص الحرارة إلى خاصية تدعى “السعة الحرارية”. ببساطة، تمتلك المحيطات سعة حرارية أكبر بكثير من البر، ما يعني أنها تحتاج إلى طاقة كبيرة حتى ترتفع درجة حرارتها. يمكننا ملاحظة أن درجات حرارة المحيط تكون أخفض من نظيراتها على البر بشكل موسمي وعلى مدى فترات زمنية أطول.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن أن تساهم الطحالب الخضراء في حل مشكلة التغير المناخي؟

في الواقع، وجد الباحثون في عام 2019 أن درجة حرارة المياه في أعماق المحيط الهادئ لا تزال قريبة من تلك التي كانت سائدة قبل قرون، والتي تعتبر أخفض بكثير من درجات حرارة المياه في المناطق الأخرى من المحيط. على سبيل المثال، لا تزال المياه الأكثر عمقاً في المحيط الهادئ تتفاعل مع دخول الأرض في ما يسمى بالعصر الجليدي الصغير الذي حدث قبل عدة مئات من السنين. في حين أن بعض أجزاء المحيط تشهد تغيرات بسبب ارتفاع درجة حرارة الكوكب، لا تزال “تتذكّر” مياه الأعماق السحيقة حقبة أكثر برودة، ومن المحتمل أن درجة حرارتها لا تزال آخذة في الانخفاض.

تعتبر هذه الذاكرة (أو ثبات درجة حرارة المحيط) بالغة الأهمية لأنها تساعد الباحثين على التنبؤ بالنظام المناخي بأكمله، بما في ذلك المحيطات والبر والجو. وجد الباحثون في الدراسة الأخيرة أن ذاكرة المحيط تتأثر بشدة بطبقته السطحية. وهي الطبقة التي يتفاعل فيها المحيط مع الغلاف الجوي. نظراً لأن المياه في هذه الطبقة تكون قريبة جداً من الهواء، تكون الرياح قادرة على خلطها ببعضها، ما يمنحها درجة ملوحة ودرجة حرارة موحدّة تقريباً حتى أعماق تصل إلى عشرات الأمتار (وقد تتجاوز في بعض المناطق دون القطبية 500 متراً خلال فصل الشتاء).

تمتلك الطبقات المتجانسة الأكثر عمقاً محتوىً حرارياً أعلى، ما يعني أن لديها مستوى أعلى من “العطالة الحرارية”. تتغير درجة الحرارة في هذه المناطق بشكل أبطأ لتصبح مماثلة لدرجة حرارة المناطق المحيطة. وتلعب هذه الطبقات من المياه دور حاجز يقوم بوقاية الطبقات الأكثر عمقاً من المحيط والتي تتمتع بـ “ذاكرة” أكبر من التغيرات التي تتسبب باضطرابها.

لكن قد تكون هذه الطبقة الواقية تتقلص حجماً نتيجة للتغير المناخي. وسيصبح من دونها تخزين تلك الذاكرة المناخية طويلة الأمد والتنبؤ بها أكثر صعوبة.

اقرأ أيضاً: كيف يؤثر التغير المناخي على دورة المياه الطبيعية؟

ما هو تأثير التغير المناخي على ذاكرة المحيط؟

بدأت هذه الطبقة الوقائية المتجانسة تختفي نتيجة لارتفاع درجة حرارة الكوكب ككل. تقول شي: “بدأت هذه الطبقة تصبح أكثر ضحالة تدريجياً كاستجابة لاحترار الكوكب لأن المحيط ككل يصبح أكثر استقراراً”. عندما تصبح الطبقة المتجانسة أقل تجانساً، يعني هذا أن الطبقة الوقائية أصبحت أكثر ضحالة. تضيف شي أن انخفاض تجانس هذه الطبقة وازدياد ضحالتها يؤديان إلى تراجع في ذاكرة المحيط العالمية.

درست شي والمؤلفون الآخرون نماذجاً لتحديد التغيرات السنوية في ذاكرة المحيط. ووجدوا أن المحيط يعاني من نوع ما من “فقدان الذاكرة” على ما يبدو. أصبح التنبؤ بثبات درجة حرارة المحيط في كل سنة أكثر صعوبة بشكل متزايد. وتنبأ الباحثون أنه بحلول نهاية القرن الحالي، ستتراجع ذاكرة المحيط عبر معظم مناطق العالم وستختفي في بعض المناطق. يعتقد الباحثون أن التغيرات الأكثر شدة في ذاكرة المحيط ستقع في المحيط الهندي وبحر الصين الجنوبي والمياه بالقرب من جنوب شرق قارة آسيا.

اقرأ أيضاً: هل تكفي إضافة المزيد من المساحات الخضراء للمدن لمواجهة التغير المناخي؟

قال”روبرت جنغلين ويلز”، المؤلف المشارك للدراسة الجديدة والعالم الباحث في جامعة واشنطن في مدينة سياتل في بيان صحفي إن هناك على الأرجح عوامل أخرى تساهم في تراجع ذاكرة المحيط، مثل “التيارات المحيطية والتغيرات في تبادل الطاقة بين الغلاف الجوي والمحيط”. وأضاف أن “ازدياد ضحالة الطبقة المتجانسة والتراجع الناتج في الذاكرة يحدث في جميع أنحاء العالم، ما يجعل هذه الطبقة عاملاً مهماً يجب أخذه بعين الاعتبار في تنبؤات التغير المناخي المستقبلية”.

إحدى عواقب تراجع ذاكرة المحيط هي ازدياد وقوع الأحداث التي لا يمكن التنبؤ بها مثل موجات الحر المحيطية. في حين أن الباحثين يستطيعون أحياناً التنبؤ بموجات الحر البحرية قبل عام من وقوعها أحياناً، يمكن أن يقلل التراجع في ذاكرة المحيط من قدرتهم على التنبؤ بما سيحدث في المحيط. ويمكن أن يؤثر ذلك أيضاً على مصائد الأسماك، إذ إن هذا القطاع يعتمد بشكل كبير على التنبؤ بالحالة المستقبلية للمحيط. وبالطبع، يؤثر المحيط على الطقس ودرجة الحرارة ومعدلات هطول الأمطار على البر، ما يقلل من قدرة الباحثين على التنبؤ بالمناخ أيضاً.