كيف يؤثر التغير المناخي على التنوع الميكروبي وصحة التربة؟

كيف يؤثر التغير المناخي على التنوع الميكروبي وصحة التربة؟
قد يعود التراجع في التنوع الميكروبي لاستخدام الأسمدة والمبيدات الحشرية وممارسات الزراعة الأحادية. بيكسلز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تعتبر العديد من آثار التغير المناخي على البشر وأشكال الحياة البرية والنباتات مفهومة بشكل جيد نسبياً. إذ يمكن أن يؤدي كل من الارتفاع في درجات الحرارة والأحداث الجوية المتطرفة إلى انعدام الأمن الغذائي وخراب المواطن الطبيعية وتراجع الأنواع أو انقراضها. مع ذلك، من الضروري مناقشة الطريقة التي يمكن أن يؤثر بها التغير المناخي على الكائنات الحية الدقيقة (أي الكائنات صغيرة الحجم التي لا ترى بالعين المجردة) التي توجد في كل مكان في العالم.

تعتبر الكائنات الحية الدقيقة أقدم أشكال الحياة على الأرض. وهي تؤدي دوراً حاسماً في العمليات البيئية مثل تحلل المواد العضوية وإعادة تدوير المغذّيات وتجمّع حبيبات التربة وحتى التحكّم في نسبة مسببات الأمراض. يساعد كل من تنوّع الكائنات الحية الدقيقة ووفرتها في الحفاظ على نظام بيئي عالمي مستقر وصحي. لكن إذا تراجع تنوّع هذه الكائنات، قد تتأثر قدرة الكائنات الحية الأخرى على التكيف مع التغيّر المناخي أيضاً.

تراجع التنوع الحيوي

أفادت دراسة نُشرت في مجلة نيتشر مايكروبايولوجي (Nature Microbiology) في يوليو/تموز 2022 بأن احترار الكوكب يساهم على المدى الطويل في تراجع التنوع الحيوي في تربة الأراضي العشبية. أجرى المؤلفون تجربة دامت 7 أعوام لمراقبة التغيرات في المجتمعات الميكروبية استجابة لآثار التغير المناخي مثل احترار الكوكب وتغير معدلات هطول الأمطار ومعدل إزالة الكتل الحيوية السنوي. ووجدوا أن تنوّع البكتيريا والفطريات والطلائعيات قد تراجع.

يعتبر التنوّع الميكروبي ضرورياً في الحفاظ على صحة التربة وجودتها وقدرتها على القيام بوظائفها كنظام حي يعزز الإنتاجية الحيوية ويدعم صحة الحيوانات والنباتات. للأسف، يرتبط تراجع التنوع الميكروبي بفقدان التربة قدرتها على أداء وظائفها. يقول مارتن جاي. بليزر (Martin J. Blaser)، وهو باحث يشغل كرسي هنري روتجرز في برنامج الميكروبيوم البشري في جامعة روتجرز والذي لم يشارك في الدراسة الجديدة إن هذا لا يبشّر بالخير بالنسبة للبشر لأنه يقلل من قدرتنا على زراعة المحاصيل ويزيد الضرر البيئي ويخفض من قدرتنا على مقاومة الميكروبات والنباتات المسببة للأمراض.

يحتاج المزارعون إلى تربة صحية حتى يتمكّنوا من إنتاج كمية من المحاصيل تكفي للعدد المتزايد من السكان في العالم. يقول بيلز إن التغير المناخي لن يؤثر فقط على قدرتنا على زراعة المحاصيل من خلال المساهمة في تراجع التنوع الميكروبي، بل يمكن أن يؤدي إلى نمو محاصيل لها قيمة غذائية أقل في بعض الحالات. ينتج ذلك عن أن التنوّع الميكروبي ضروري لتعزيز امتصاص المغذيات كما أنه يسهّل على النباتات الحصول على المعادن والمغذّيات الدقيقة الموجودة في التربة.

يعاني أكثر من ملياري شخص في العالم من نقص في المغذيات الدقيقة، ما يؤدي إلى العديد من الحالات الصحية المختلفة مثل الأمراض القلبية الوعائية والإعاقات الخلقية والمشكلات في الصحة العقلية. على سبيل المثال، يعاني العديد من الأطفال في الصين من نقص الحديد والزنك، ما يمكن أن ينتج من نقص هذه العناصر في التربة والطعام. كانت نسبة الحديد والزنك في نحو 40% من إجمالي مساحة الأراضي في الصين منخفضة في 2007.

يقول جاي تي. لينون (Jay T. Lennon)، أستاذ في قسم علم الأحياء في جامعة إنديانا والذي لم يشارك في الدراسة الجديدة: “ترتبط رفاهة البشر بالميكروبات بشكل مباشر”، ويضيف: “لا شك في أن صحة البشر تتأثر بشكل كبير بتريليونات الميكروبات التي تعيش على جلدنا وداخلنا. تؤدي الميكروبات في الطبيعة أدواراً ضرورية في مقاومة الملوثات وتنقية المياه والحفاظ على خصوبة التربة اللازمة لتوفير الغذاء للكائنات الحية الأخرى في العالم”.

أحد الأدوار التي تؤديها الميكروبات هو تقليل تراكيز الملوثات في المحاصيل، وهو أمر بالغ الأهمية لأن تلوث المنتجات الطازجة (الخضار والفواكه) بمسببات الأمراض يشكّل تهديداً كبيراً على صحة البشر. على سبيل المثال، قد يؤدي تناول الخضروات الملوثة التي زُرعت في تربة معالجة بالأسمدة الحيوانية غير المُتحلّلة إلى انتقال مسببات الأمراض مثل بكتيريا السالمونيلا والإشريكية القولونية إلى جسم الإنسان. بالإضافة إلى ذلك، يؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى تراجع أداء آليات الدفاع لدى بضع أنواع النباتات، ما يجعل هذه النباتات أكثر عرضة لمسببات الأمراض. بشكل عام، يساعد التنوع الميكروبي في التربة على مقاومة الكائنات الحية المسببة للأمراض التي تعيش في التربة نتيجة التفاعلات المعقدة التي تحدث تحت الأرض والتي قد تثبّط نمو مسببات الأمراض ومقاومتها.

يقول لينون: “يشعر العلماء بالقلق بشأن الطريقة التي سيؤثر فيها التغير المناخي على توزّع الأمراض مثل الكوليرا ظهور مسببات الأمراض الجديدة”، ويضيف: “تشكّل النباتات والحيوانات المضيفة علاقات معقدة مع الميكروبات التي تتعايش معها. ولا نعلم بعد كيف سيؤثر التغير المناخي على هذه العلاقات وما هي العواقب المحتملة”.

حماية التنوع الحيوي

في النهاية، إن حماية التنوع الحيوي (تنوّع كل أشكال الحياة على الأرض) ضروري للغاية للحفاظ على استقرار النظام البيئي العالمي. يساهم التغير المناخي في تراجع التنوع الحيوي، ولكن هذا التراجع يمكن أن يفاقم آثار التغير المناخي أيضاً، ما يجعل العلاقة بين تراجع التنوع الحيوي والتغير المناخي حلقة تغذية راجعة إيجابية. على سبيل المثال، يقلل عدم استقرار الأنظمة البيئية الناتج عن تراجع التنوع الحيوي من قدرة الكوكب على تنظيم نسب انبعاثات الغازات الدفيئة ومنع الظواهر الجوية المتطرفة، ما ينعكس بدوره على بنية العديد من الأنظمة البيئية ويجعل أشكال الحياة أكثر عرضة للخطر.

نظراً لأننا لا نستطيع رؤية الميكروبات، فهذا يجعل حمايتها أكثر صعوبة. تبين بعض الدراسات أن فهمنا للأنظمة البيئية الميكروبية والأدوار التي تلعبها يجب أن يزداد ليصبح بنفس مستوى فهمنا للنباتات والحيوانات حتى يتم الاهتمام بشكل جدي بهذه الأنظمة البيئية من خلال مبادرات وسياسات الحفاظ على التنوع الحيوي. مع ذلك، تظل حماية النباتات والحيوانات أمراً ضرورياً لأنه مع انقراض بعض أنواع النباتات والحيوانات، قد تنقرض أيضاً الميكروبات المرتبطة بها.

يقول لينون: “سيساعد الحفاظ على النباتات والحيوانات في الحفاظ على الميكروبات المرتبطة بها بدرجة ما”، ويضيف: “على سبيل المثال، ناقشت ورقة بحثية نُشرت مؤخراً الطريقة التي يساعد بها ’الترميم الصوتي‘ (أي العمل على تجديد البيئات الصوتية الطبيعية) في جهود الحفاظ على التنوع الحيوي مثل إدامة الأنظمة البيئية”.

يقول بليزر إن تراجع التنوع الميكروبي قد ينتج أيضاً عن استخدام الأسمدة والمبيدات الحشرية وممارسات الزراعة الأحادية. ستخفف بعض الحلول مثل التقليل من استخدام المبيدات الحشرية الكيميائية وتنويع المحاصيل الزراعية من تراجع التنوّع الميكروبي. لكن تتطلب محاربة التغير المناخي مختلف أنواع الحلول، ويجب حل مشكلة تراجع التنوّع الحيوي حتى عندما يتعلق الأمر بالكائنات الحية التي نعتمد عليها والتي لا نفكّر فيها إلا نادراً.