كيف أصبحت الصحة العامة تحت رحمة الوقود الأحفوري؟ علماء يدقون ناقوس الخطر

كيف أصبحت الصحة العامة تحت رحمة الوقود الأحفوري؟ علماء يدقون ناقوس الخطر
الفيضانات تدمر المحاصيل الزراعية. ديبوزيت فوتوز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يلخص عنوان وجوهر تقرير نُشر في المجلة الطبية “ذا لانسيت كاونتداون” (The Lancet Countdown)، وحمل عنوان “الصحة تحت رحمة الوقود الأحفوري”، ما يقلق العديد من خبراء الصحة العامة حول العالم، حيث رسم صورة قاتمة قبل مؤتمر الأمم المتحدة لتغيّر المناخ 2022  “كوب 27”.

تأثير التغير المناخي على الصحة العامة ورفاه البشر

يقول مؤلفو التقرير في بيان: “يشعر الناس في جميع أنحاء العالم بشكلٍ متزايد بتأثير التغيّر المناخي السلبي على صحتهم ورفاههم، وتؤدي هذه الأزمات المتلاحقة إلى زيادة هذا الضرر. وعلى الرغم من ذلك، تواصل الحكومات والشركات، سواء في البلدان الغنية أو الفقيرة، الاعتماد على الوقود الأحفوري. يأتي تقرير هذا العام في وقت تبذل فيه البلدان والأنظمة الصحية أقصى جهودها لتخفيف الآثار الصحية والاجتماعية والاقتصادية الناجمة عن التغيّر المناخي، والذي تفاقم بسبب أزمة الطاقة العالمية الحالية وجائحة كوفيد-19 المستمرة”.

يخلص التقرير إلى أن الوفيات المرتبطة بارتفاع الحرارة الشديدة قد زادت بمقدار الثُلثين خلال العقدين الماضيين. في عام 2022، تم تحطيم العديد من درجات الحرارة القياسية المسجلة في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك في المملكة المتحدة حيث وصلت درجة الحرارة إلى 40 درجة مئوية في يوليو/ تموز الماضي. يمكن أن يؤدي ارتفاع درجات الحرارة الشديد إلى تفاقم الأمراض الموجودة مسبقاً، مثل أمراض الجهاز التنفسي، ويمكنه أيضاً أن يتسبب بالإصابة بضربات الشمس الخطيرة. وعلى المدى الطويل، يمكن أن تكون لهذه التأثيرات المناخية عواقب سلبية على الصحة العقلية.

الأمن الغذائي أيضاً في خطر بسبب التغير المناخي

تُظهر بيانات تقرير عام 2022، أن تغيّر المناخ يؤثر حالياً على كل ركائز الأمن الغذائي. على سبيل المثال، يهدد ارتفاع درجات الحرارة والظواهر المناخية المتطرفة غلة المحاصيل من خلال تقصير موسم نمو المحاصيل بشكل مباشر بمقدار 9.3 أيام للذرة و1.7 يوم للأرز و6 أيام للقمح الشتوي والربيعي، كما ارتبط ارتفاع درجات الحرارة الشديد مع زيادة الإبلاغ عمن يعانون من مستوى معتدل إلى شديد من انعدام الأمن الغذائي بمقدار 98 مليون شخص في عام 2020 في 103 دول مقارنة بالفترة بين عامي 1981 و2010.

كما يخلص التقرير إلى أن نسبة الأراضي التي تأثرت بالجفاف الشديد سنوياً بين عامي 2012 و2021 ازدادت بنسبة 29% في المتوسط مقارنة بالقياسات السابقة بين عامي 1951 و1960، تعرّض حالات الجفاف هذه الناس لخطر أكبر من المعاناة من انعدام الأمن الغذائي والمائي.

الجوائح أيضاً “تفاقمت” في ظل التغير المناخي

ويؤثر التغيّر المناخي أيضاً على انتشار الأمراض المعدية. في هذا الصدد، يكشف التقرير أن الفترة الزمنية الملائمة لانتقال الملاريا قد ازدادت بنسبة 32.1% في المناطق المرتفعة من الأميركيتين وبنسبة 14.9% في إفريقيا بين عامي 2012 و2021 مقارنة بالفترة بين عامي 1951 و1960. كما ازداد تأثير المناخ على مخاطر انتقال حمّى الضنك بنسبة 12% خلال نفس الفترة. إلى جانب استمرار جائحة كوفيد-19، أدت زيادة الأمراض المعدية الناجمة عن التغيّر المناخي إلى زيادة تشخيص الأمراض على نحو خاطئ والضغط على أنظمة الرعاية الصحية وصعوبات في إدارة فاشيات الأمراض المتزامنة.

تقول المديرة التنفيذية لمجلة لانسيت كاونتداون في كلية لندن الجامعية، مارينا رومانيلو، في بيان: «يكشف تقريرنا هذا العام أننا نمر عبر منعطف حاسم. لقد بتنا نشهد اليوم كيف باتت للتغيّر المناخي تأثيرات صحية خطيرة في جميع أنحاء العالم، بينما يؤدي استمرار الاعتماد العالمي على الوقود الأحفوري إلى تفاقم هذه الأضرار الصحية في خضم أزمات عالمية متعددة، ما يترك الأسر عرضة لتقلب أسواق الوقود الأحفوري والافتقار إلى الطاقة ومستويات خطيرة من تلوث الهواء».

يجمع التقرير، والذي قادته كلية لندن الجامعية، عمل ورؤى 99 خبيراً من 51 مؤسسة بما فيها منظمة الصحة العالمية والمنظمة العالمية للأرصاد الجوية. وقد علّق الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، على التقرير قائلاً: “لقد باتت أزمة المناخ تقتلنا. إنها لا تقوض صحة كوكبنا وحسب، بل تقوض صحة الناس في كل مكان من خلال تلويث الهواء وتدمير الأمن الغذائي وزيادة مخاطر تفشي الأمراض المعدية وارتفاع درجات الحرارة والجفاف والفيضانات وغير ذلك”. لم يشارك غوتيرش في صياغة التقرير.

يوجّه التقرير في النهاية دعوة لاتخاذ إجراء لإنقاذ أرواح الناس: “على الرغم من التحديات، فإن هناك دليلاً واضحاً على أن الإجراءات الفورية يمكن أن تنقذ حياة الملايين من الناس من خلال الانتقال السريع إلى الطاقة النظيفة وزيادة كفاءة الطاقة”. وتضيف رومانيلو: “سيؤدي تسريع العمل المناخي إلى تعظيم الفوائد، وسيزيد من مرونة أنظمة الصحة والغذاء والطاقة. على الرغم من الاضطرابات التي تعصف بالعالم الآن، لا تزال لدى الحكومات والشركات الفرصة لإعطاء الصحة الأولوية في استجابتها المنسقة لهذه الأزمات المتزامنة، وتحقيق مستقبل صحي وآمن للجميع”.