كيف يمكن للرأي العام أن يساعد في تشكيل سياسات المناخ؟

كيف يمكن للرأي العام أن يساعد في تشكيل سياسات المناخ؟
ما يقوله الناس العاديون ويفعلونه له تأثير أكبر مما توقعته النماذج المناخية. حقوق الصورة: أنسبلاش.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

بالنسبة للعمل الشخصي ضد تغير المناخ، قد تشعر أحياناً وكأنك تضرب بقبضات يدك على جدار من الإسمنت. يمكنك المحاولة بكل قوتك، ولكن بغض النظر عما تفعله، يبدو أن هذا الجدار العملاق الذي أمامك لن يسقط أبداً. تعكس الكثير من نماذج المناخ التي نرى تنبؤاتها اليوم حقيقة أنه إذا لم يبدأ اللاعبون الكبار العمل عاجلاً، فنحن جميعاً مقبلون على مستقبل مليء بالتحديات. 

ومع ذلك، وكما هو الحال مع أية تنبؤات، لا توجد طريقة لمعرفة كيف ستسير الأمور على وجه اليقين، خصوصاً إذا ما أغفلنا دور العوامل الرئيسية. تبحث دراسة نُشرت في دورية «نيتشر» الأسبوع الماضي في بعض هذه العوامل التي غالباً ما يتم التقليل من شأنها، لا سيما الرأي العام والضغط الشعبي على المؤسسات. تظهر الدراسة أن الأشخاص العاديين الذين يعبرون عن آرائهم وتجربتهم قد يكون تأثيرهم أكبر على تغير المناخ مما كان يُعتقد سابقاً. في معظم السيناريوهات التي أخذها الخبراء بعين الاعتبار، تمكنت العوامل الاجتماعية والسياسية من الحفاظ على الزيادة في الاحترار العالمي أقل من الهدف الذي حددته اتفاقية الأمم المتحدة بشأن المناخ (COP26).

سلوك الأفراد في ميزان النماذج المناخية

يقول فرانسيس مور، المؤلف الرئيسي للدراسة الجديدة وأستاذ مساعد في جامعة كاليفورنيا، قسم علوم وسياسات البيئة في ديفيس لدورية بوبيولار ساينس: «يحاول هذا النموذج تمثيل من أين تأتي سياسة تغير المناخ ومن أين تأتي الانبعاثات، وبالتالي كيفية تأثيرها على نظام المناخ. ثم كيف يتفاعل نظام المناخ مع العمليات الاجتماعية».

قامت مجموعة الباحثين، والتي ضمت علماء من مختلف الاختصاصات، من البيئة وعلوم الكمبيوتر، وحتى علم النفس، بنمذجة 100 ألف سيناريو محتمل يمثل الرأي العام وتبني السلوك المناصر للمناخ وسياسة تسعير الكربون والانبعاثات والوعي بكيفية تأثير تغير المناخ على الأفراد. تميل هذه العوامل إلى التفاعل مع بعضها بعضاً وتشكيل حلقات من التغذية الراجعة. على سبيل المثال، كلما زاد وعي الشخص بتغير المناخ، زادت احتمالية تبنيه لآراء قوية ودفعه باتجاه تبني سلوك مؤيد للمناخ أو تغيير السياسة. 

بالإضافة إلى ذلك، يقدم هذا البحث رؤيةً أوضح حول أي سيناريو يرجح أن نجد أنفسنا فيه. يتوافق نحو نصف عدد مرات تشغيل النموذج مع السيناريو النموذجي الأساسي، والذي يمثل مسار التغير المناخي الذي نسير فيه حالياً، حيث تبلغ الانبعاثات العالمية ذروتها في ثلاثينيات القرن الحالي وتصل في النهاية إلى الصفر بحلول عام 2080، الأمر الذي سيؤدي لارتفاع درجة الحرارة العالمية بنحو 2.3 درجة مئوية بين عامي 2091 و2100 مقارنةً بالفترة بين عامي 1880 و1910. لكن المسار الثاني الأكثر شيوعاً هو “الأعمال الحازمة”. حيث أظهر النموذج في 28% من عدد مرات تشغيله زياداتٍ سريعة في الاستجابات السياسية والتكنولوجيا وتكنولوجيات التخفيف، ما يؤدي إلى خفض الانبعاثات إلى مستوى 1.8 درجة مئوية بحلول عام 2100. 

اقرأ أيضاً: أكثر من 100 مليار دولار: تكلفة الكوارث الناجمة عن التغير المناخي عام 2021

سيناريوهات أخرى تفرض نفسها على نماذج التغير المناخي

لا تزال هناك طبعاً فرصة لثلاثة أنواع أخرى من المسارات وهي: أن تكون هناك مشكلات تكنولوجية، أو استجابة متأخرة، أو استجابة “متأخرة وصغيرة جداً” تحافظ على الوضع الراهن حتى يصبح الوضع سيئاً جداً على الكوكب. ستؤدي جميع هذه المسارات الثلاثة المحتملة إلى ارتفاع الحرارة أكثر من 3 درجات مئوية بحلول نهاية القرن. ولكن بالنسبة لاحتمال حدوث ذلك، فإن كل هذه السيناريوهات مجتمعة لا تمثل سوى نحو خمس نتائج النموذج. 

يقول مور: «النماذج المناخية القياسية لا تضع هذا الاحتمال لسيناريوهات الانبعاثات المختلفة، فهي ليست مصممة حقاً لتوفير هذه المعلومات لمخططي التكيف. لكن هذا النوع من النهج يمكن أن يساعد في ذلك».

ومع ذلك، إذا أخذنا في الحسبان هذه العوامل الاجتماعية والسياسية، فإن الكوكب  يسير بنسبة 80% من الزمن على مسار أفضل مما هو متوقع من تعهدات وأهداف مؤتمر COP26 للتغير المناخي، وذلك من شأنه أن يزيد حرارة الكوكب بنحو 2.7 درجة مئوية فقط بحلول نهاية القرن.  

يقول بريان بيكاج، الأستاذ بجامعة فيرمونت في قسم بيولوجيا النبات وعلوم الكمبيوتر، في بيان: «يشير بحثنا إلى أن ردود الفعل بين تغير المناخ والنظام الاجتماعي ستحد من مدى انبعاثات غازات الاحتباس الحراري التي يسببها الإنسان وتغير المناخ المتوقع، وذلك لا ينعكس في مسارات الانبعاثات الثابتة. في الواقع، إن تغيير السياسات، والتقنيات الجديدة، والتجارب المناخية المباشرة، والتغيرات في الرأي، والتوافق المجتمعي، والعديد من العوامل الأخرى تعمل على تغيير تصوراتنا عن تغير المناخ وإنشاء ردود فعل في النظام. وتعزز هذه الردود بعضها بعضاً، ويمكن أن تؤدي إلى تغييرات سريعة في السلوك لا تُؤخذ بعين الاعتبار في المسارات الثابتة في النماذج الأخرى».

لذلك إذا كنت تشعر بالقلق من أنك تخوض معركةً تبدو مستحيلة ضد انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وجميع الأهوال التي يهدد بها تغير المناخ، فأنت لست وحدك. هناك احتمال بأنك تساعد أكثر مما تعتقد.