رقعة القمامة الكبرى في المحيط الهادئ هي منطقة مثالية للحيوانات البحرية

رقعة القمامة الكبرى
حقوق الصورة: معهد سميثسونيان.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في كل عام، يدخل ما لا يقل عن 14 مليون طن من النفايات البلاستيكية محيطات العالم، وتسبب هذه النفايات مختلف المشاكل للحياة البرية التي تأكلها أو تختنق بها أو تعلق فيها. أفاد العلماء هذا الأسبوع أن هناك أيضاً تأثير آخر لكل هذه النفايات على المواطن البحرية، وهو تأثير يتم تجاهله غالباً حتى الآن.

رقعة القمامة الكبرى تقدم موطناً جديداً للكائنات البحرية

اتضح أن النباتات والحيوانات الساحلية تستخدم الحطام البلاستيكي للتنقل، وتسافر مئات الكيلومترات بعيداً عن الشواطئ لإنشاء نوع جديد من الأنظمة البيئية في رقعة القمامة الكبرى في المحيط الهادئ، وهي أكبر تراكم للنفايات البلاستيكية المتحركة في المحيط. حدد الباحثون مجموعة من أنواع شقائق النعمان البحرية وأنواع أخرى تعيش داخل بقعة القمامة، مما يسمح لهذه الكائنات الصغيرة بالازدهار في بيئة ستكون غير ملائمة في حال عدم وجودها. كتب فريق الباحثين في 2 ديسمبر/كانون الأول الجاري في دورية «نيتشر كوميونيكيشن» (Nature Communications) أن هذه الكائنات الساحلية قد تتنافس مع الأنواع المحلية على الموارد وتسافر عبر البحر أو تنتقل إلى الشواطئ لغزو سواحل جديدة.

تقول «لينزي إي. هارام»، باحثة مشاركة في مركز سميثسونيان للبحوث البيئية، ومؤلفة مشاركة في الدراسة الجديدة: «هناك الكثير من الأسئلة في هذه المرحلة حول تأثير هذه الكائنات على البيئة»، وأضافت: «إذا كانت هذه ظاهرة شائعة عبر المحيطات، فهي تمثّل طريقة جديدة لتنقّل الأنواع الغازية يصعب حقاً التحكّم بها».

لقد أدرك الباحثون منذ فترة طويلة أن المخلفات البحرية مثل جذوع الأشجار العائمة والأعشاب البحرية يمكن أن تنقل الكائنات الساحلية إلى الجزر والشواطئ البعيدة. لكن هذه العوّامات كانت نادرة بشكل عام وقصيرة العمر قبل ظهور المواد البلاستيكية القابلة للطفو والمتينة. كان يُعتقد أن النباتات والحيوانات الساحلية ستعاني في البقاء ضمن الظروف القاسية للمحيطات المفتوحة، حيث غالباً ما يكون هناك القليل من الطعام والمأوى.

مساهمة الكوارث ووفرة النفايات البلاستيكية في رقعة القمامة الكبرى

مع ذلك، ووفقاً لما كتبته هارام وفريقها، منحت وفرة النفايات البلاستيكية التي تراكمت في المحيطات منذ منتصف القرن العشرين هذه المخلوقات المغامرة فرصة جديدة وأكثر استدامة لاستعمار البحار. قدم زلزال شرق اليابان الهائل وتسونامي عام 2011 مثالاً صارخاً على كيفية حدوث ذلك، إذ حمل الحطام الناجم مئات الأنواع البحرية اليابانية الساحلية لمسافة تزيد عن 6000 كيلومتر إلى الساحل الغربي لأميركا الشمالية وجزر هاواي.

تقول هارام: «ما زلنا نعثر على الحطام الناجم من التسونامي حتى في عامي 2020 و 2021»، وتضيف: «لقد جعَلنا ذلك ندرك حقيقة أن المواد البلاستيكية على وجه الخصوص يمكن أن تعيش طويلاً كحطام عائم، مما يسمح لبعض أنواع الحيوانات البحرية أن تبقى في المحيط المفتوح لفترات طويلة من الزمن».

انتهى المطاف بالكثير من النفايات التي جرفتها أمواج تسونامي إلى البحر في «دوّامة شمال المحيط الهادئ شبه الاستوائية»، والمعروفة باسم رقعة القمامة الكبرى في المحيط الهادئ. تشكّلت هذه الدوّامة المحيطية، والتي تقع بين هاواي وكاليفورنيا، بسبب التيارات المحيطية الدوّارة، وقد أصبحت على مدار الخمسين عاماً الماضية مستودعاً للقمامة البلاستيكية بمختلف الأحجام.

أرادت هارام وزملاؤها معرفة ما إذا كانت أي أشكال من الحياة البحرية الساحلية التي جرفتها التسونامي لا تزال تتشبث بهذه القمامة. عمل الفريق مع معهد «رحلات المحيط» (Ocean Voyages)، وهي منظمة غير ربحية تعمل على تنظيف التلوث البلاستيكي، ومع متطوعين آخرين لجمع الحطام الذي يتجاوز قطره 5 سنتيمترات. ثم قام الباحثون بفحص عينات من القمامة، والتي تضمنت العوامات ومعدات الصيد وأدوات منزلية مثل الشمّاعات وفراشي الأسنان، بحثاً عن علامات على الحياة.

النفايات البلاستيكية يصبح جزءاً من نظام حياة هذه الكائنات

وجد العلماء أنواعاً من الحيوانات الساحلية ملتصقة بأكثر من نصف القطع البلاستيكية التي فحصوها، وكان العديد منها أنواعاً تعيش عادةً في شرق آسيا. من بين هذه الحيوانات شقائق النعمان، ونجوم البحر الهشة، والبرنقيل، والقشريات الشبيهة بالروبيان (والتي تسمى متماثلة الأرجل)، والأعشاب البحرية، وحتى الأسماك الساحلية التي وصفتها هارام بأنها كانت «تتجمّع حول أو فوق هذه المواد البلاستيكية العائمة». تضيف هارام: «شكّلت هذه النفايات عوّامات صغيرة لإيواء أشكال الحياة».

إضافة إلى الكائنات الساحلية، كانت هناك كائنات حية تطورت لتعيش على الحطام البحري العائم أو الحيوانات الأخرى. تشمل هذه الكائنات برنقيل عنق الإوزّة، وسرطان البحر، وحيوانات تتغذى بالترشيح تسمى «الحيوانات الحزازية». ما يثير الاهتمام، وفقاً لهارام، أن هذه الكائنات المحلية كانت في الواقع أقل تنوعاً من الأنواع الساحلية التي وجدها الفريق.

وفقاً لـ «هنري إس. كارسون»، عالم البيئة البحرية في إدارة الأسماك والحياة البرية في ولاية واشنطن، والذي لم يشارك في الدراسة الجديدة، تشير النتائج إلى أن أشكال الحياة المزدهرة على النفايات البلاستيكية في وسط المحيط تشكّل مجتمعاً بحد ذاتها.

يقول كارسون: «يحتوي هذا المجتمع على مزيج من الأنواع التي تطورت لتعيش [في] المحيط المفتوح، وأخرى تطورت لتعيش في السواحل. والآن، تعيش هذه الأنواع معاً في هذا النوع الجديد من المواطن»، ويضيف: «لا أستطيع التنبؤ بما قد يحدث، لكن هذه الظاهرة مذهلة».

وفقاً لهارام، يبدو أن المجموعتين تتنافسان على المواقع للعيش، ولكن ليس من الواضح بعد كيف تتفاعل الأنواع الساحلية مع جيرانها أو ما المواد التي تتغذّى عليها. تقوم هارام مع زملائها أيضاً بالتحقيق فيما إذا كان بإمكان هذه الأنواع التكاثر والحفاظ على أعدادها في المحيط المفتوح.

يقول كارسون: «إن معرفة نسبة الحيوانات في هذا المجتمع القادرة على البقاء ونسبة تلك التي تنضم للمجتمع آتية من السواحل … ستكون الخطوة المنطقية التالية التي يجب على الباحثين إنجازها».

السؤال الرئيسي الآخر هو ما إذا كانت هذه التجمّعات تتشكل في محيطات أخرى. ويشير كارسون أنه من المهم أيضاً التحقيق في مدى قدرة الطوافات البلاستيكية على نقل الأنواع الغازية إلى مواطن جديدة. اكتشف كارسون من قبل أن بعض الكائنات الحية التي تعيش على النفايات البلاستيكية في الشعاب المرجانية في المحيط الهادئ تتسبب بالأمراض.

خلصت هارام وزملاؤها إلى أنه من المرجح أن تصبح هذه المجتمعات أكثر انتشاراً في المستقبل مع استمرار تزايد كمية البلاستيك الملقاة في البحر، وتفاقم الفيضانات والدمار على طول السواحل بسبب زيادة العواصف الناجمة عن تغير المناخ.

تقول هارام: «ستزداد على الأرجح كمية البلاستيك التي ستدخل إلى المحيطات، والزمن سيكشف ما تأثير هذا على مجتمعات المحيطات المفتوحة»، وتضيف: «ولكن يمكننا أن نتوقع إيجاد المزيد والمزيد من البلاستيك في وسط المحيط، وإذا كان بحثنا يشير إلى شيء، فقد يعني هذا توجّه المزيد من الحيوانات الساحلية لوسط المحيط أيضاً».