شلالات موريشيوس الواقعة تحت الماء: ظاهرة علمية أم وهم بصري؟

شلالات موريشيوس تحت الماء: ظاهرة علمية أم وهم بصري؟
حقوق الصورة: شترستوك
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

على بعد مئات الأمتار من الساحل الجنوبي الغربي لجزيرة موريشيوس في المحيط الهندي، تقع إحدى أكثر التكوينات الجيولوجية إدهاشاً، وهي شلالات تحت الماء. قد تبدو ضرباً من الخيال، وقد يراها البعض الآخر مجرد وهم بصري، إلا أن هناك تفسير علمي لهذه الظاهرة الطبيعية.

التكوين الجيولوجي لسلسلة جزر موريشيوس

سلسلة جزر دولة موريشيوس، هي تكوين جيولوجي يقع على بعد أكثر من 3 آلاف كيلو متر من الساحل الشرقي لإفريقيا. نشأت الجزر في رفة عين جيولوجية، فبعد أن ساد الهدوء منطقة (ريونيون) البركانية في المحيط الهندي منذ 45 مليون عام، استعادت نشاطها منذ عشرة ملايين سنة، ما أدى لاندفاع كتل أرضية من وشاح الأرض عبر مياه المحيط الهندي بفعل القوى البركانية.

تشكلت بفعل الاندفاع هضبة “ماسكارين” تحت الماء وعلى أطرافها مجموعة جزر فوق سطح الماء أكبرها جزيرة ريونيون، والتي تكونت منذ مليوني عامٍ فقط، وموريشيوس التي تكونت منذ 8 مليون عاماً، ما يجعل سلسلة الجزر أحدث ملامح كوكبنا.

الوضع النموذجي للجرف القاري المحيط بسواحل القارات حول العالم، يكون بتدرج العمق من أمتار إلى مئات الأمتار في المياه الضحلة ثم أعماق البحار والمحيطات. بعبارة أخرى، للانتقال من اليابسة إلى حافة الجرف القاري، حيث مياه المحيطات العميقة، لا بد من قطع مسافات طويلة جداً. لكن الحال يختلف بالنسبة للجرف القاري في موريشيوس.

يحيط بهضبة ماسكارين من ثلاثة جوانب جرف قاري نموذجي، يتدرج في العمق وصولاً إلى الأعماق المظلمة، أما الجانب المتبقي فيتم الانتقال فيه من اليابسة إلى الأعماق بشكل مباشر، أي يمكنك الغوص في بضع دقائق فقط من الشاطئ وصولاً إلى آلاف الأمتار. لذا، فإن أي شيء يدخل في تلك المياه إما سيطفو فوقها إن كان أقل كثافة، أو سيغرق فيها إن كان أكثر كثافة، حتى لو كان ذلك الشيء هو الماء نفسه.

شلال مضيق الدنمارك تحت المياه المشابه لشلالات موريشيوس

في مكان أكثر برودة من العالم وضمن الدائرة القطبية الشمالية، يمكن أن نشاهد الظاهرة تتكرر في شلال مضيق الدنمارك الواقع بين جرينلاند وآيسلندا. حيث ترتفع درجة حرارة المياه في جانب آيسلندا الشرقي من المضيق، بالمقارنة مع درجة حرارة الجانب الغربي في جرينلاند، وبما أن المياه تزداد كثافة مع انخفاض درجة حرارتها، بالتالي فإن مياه الجانب الشرقي والتي لا تتجاوز درجة حرارتها 2 درجة مئوية أو أقل تكون أكثر كثافة من مياه الجانب الغربي فتنزلق تحتها، إلى مسافة تتجاوز 3.5 كيلومتراً.

إلا أن شلالات مضيق الدنمارك لا تبدو ظاهرة للعيان مثل شلالات موريشيوس، وهذا يعود لعدة اختلافات بينهما وهي:

  • لا يوجد تفاوت في درجة الحرارة بين المياه السطحية والمياه العميقة.
  • لا توجد مصادر متعددة للمياه.
  • ما يتحرك نحو الأسفل في شلالات موريشيوس ليس مياهاً أخرى مختلفة، وإنما الرمال.

التعرية الرملية لسواحل موريشيوس: شلال من الرمال تحت المياه

إذاً، فما يجعل شلالات موريشيوس تحت الماء ظاهرة للعيان هو حركة الرمال والرواسب الطينية بفعل التعرية التي تحدثها التيارات المائية للشواطئ بفضل طبيعتها الهشة. تتكون شواطئ الجزيرة البركانية من كميات كبيرة من الرمال التي تتحرك جيئة وذهاباً مع التيارات وفي المياه الضحلة وصولاً إلى الصدع في نهاية الهضبة تحت المياه. تنجرف الرمال مع تيارات المحيط إلى العمق المظلم ونحو قاع المحيط، ما يشكل “شلالاً تحت المياه”.

ما يساعد على رؤية هذه الظاهرة هو المياه النقية الكريستالية، حيث تمتص جزيئات الماء الأطوال الموجية في منطقة الطيف المرئي باستثناء الطول الموجي في منطقة الأزرق، ما يسبب انعكاسه عن سطحها. في حين تنعكس أشعة الشمس عن الرمال والشعاب المرجانية بالقرب من السطح، فتظهر مياه الجرف الضحل صافية ونقية. بالتالي، كلما تعمقنا أكثر نحو الأسفل تبدأ الألوان البرتقالية فالصفراء والخضراء بالاختفاء تدريجياً، في حين يبقى اللون الأزرق حتى عمق عدة كيلومترات ليتم امتصاصه. لذلك، تبدو منطقة الشلالات تحت المياه ذات ظلال مختلفة من اللون الأزرق بفضل التضاريس البحرية للمنطقة.

صنفت اليونسكو شلالات موريشيوس تحت الماء ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي، لجاذبية المنظر الطبيعي وسحره، إلا أنه ولسوء الحظ، لا يمكن الاستمتاع بهذا المنظر الآسر لشلالات موريشيوس تحت الماء إلا من الجو عبر مروحية هليكوبتر أو من خلال الأقمار الصناعية.