علماء الجيولوجيا يحذرون: البشر غير مستعدين للتعامل مع الانفجارات البركانية

علماء الجيولوجيا يحذرون: البشر غير مستعدين للتعامل مع الانفجارات البركانية
سحابة من الرماد البركاني المميت تنبعث من ثوران أحد البراكين. ديبوزيت فوتوز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

أذهلت القوة الهائلة للبراكين البشر منذ القِدم. في وقت سابق من هذا الشهر، توافد السياح على آيسلندا لرؤية الحمم البركانية وهي تتدفق من بركان تصدعي في شبه جزيرة ريكيانيس. كانت آيسلندا، والتي تدعى أيضاً “أرض الجليد والنار”، قد شهدت نمواً هائلاً في السياحة بعد ثوران بركان إيافيالايوكل عام 2010

الانفجارات البركانية جميلة لكنها خطيرة

على الرغم من أنها تجذب الكثيرين لمشاهدتها، إلا أن الانفجارات البركانية تشكل تهديداً كبيراً على البشرية. لقد وجدت دراسةٌ، أجراها مركز جامعة كامبريدج لدراسة المخاطر الوجودية (CSER) بالتعاون مع جامعة برمنغهام ونُشرت مؤخراً في دورية “نيتشر“، وجدت أن هناك سوء تقدير عام للخطر المميت الذي تشكله البراكين على المجتمع وكوكب الأرض. وفقاً للمؤلفين مايكل كاسيدي ولورا ماني، أدى سوء الفهم هذا إلى عدم الاهتمام بشكل عام بالاستعداد لثورات البراكين الكبيرة المحتملة على الرغم من أنها تشكل تهديداً يفوق تهديد اصطدام كويكب بالأرض.  

كان ثوران بركان هونغا-تونغا، وهي جزيرة بركانية تقع في تونغا، الذي وقع في يناير/كانون الثاني أكبر ثوران بركاني سجلته الأجهزة على الإطلاق. تساقط الرماد البركاني على مدى مئات الكيلومترات في البر والبحر مخلفاً أضراراً كبيرة طالت كل شيء من البنية التحتية وحتى المخزون السمكي. وفقاً للبنك الدولي، دمر الانفجار 36.4% من الناتج المحلي الإجمالي لتونغا. تسبب الانفجار البركاني بانقطاع الكابلات البحرية، ما أدى إلى انقطاع الاتصالات بين الدولة الواقعة في جنوب المحيط الهادئ مع العالم الخارجي لمدة شهر كامل. وبالإضافة إلى ذلك، تبخرت كمياتٌ هائلة من المياه في الغلاف الجوي تكفي لملء 58 ألف حمام سباحة أولمبي، ونشأت موجات تسونامي ضخمة وصلت إلى سواحل اليابان وأميركا الشمالية والجنوبية. نجم كل هذا الدمار عن ثوران بركانٍ استمر 11 ساعةً فقط. لو أنه طال أكثر من ذلك، لكانت العواقب على المناخ والموارد الغذائية والبنية التحتية الأخرى كارثية.

هونغا-تونغا يذكر البشرية بمخاطر البراكين

تقول ماني: «كان ثوران بركان تونغا المكافئ البركاني لكويكب كاد يصطدم بالأرض، ويجب النظر إليه كجرس إنذار للبشرية».

لم ينتهِ هذا التهديد. لقد أدرك الباحثون أخيراً أن الانفجارات البركانية أكثر شيوعاً مما كانوا يعتقدون في السابق. إذ تُظهر البيانات المأخوذة حديثاً من عينات اللب الجليدية (والتي تُستخرج من أعماق الأغطية الجليدية بواسطة أنابيب أسطوانية طويلة) أن ثوراناً شدته أقوى من ثوران تونغا الحديث بمقدار 10 إلى 100 مرة يمكن أن يحدث مرةً كل 625 عاماً، أو مرتين كما كان يُعتقد سابقاً. يتم تصنيف هذه الأحداث على مؤشر الانفجار البركاني (VEI) الذي يقيس شدة انفجار البراكين.

لم يشهد العالم ثوراناً بقوة 7 درجات على مؤشر الانفجار البركاني منذ ثوران بركان جبل تامبورا الإندونيسي في عام 1815. في أرخبيل الجزر الإندونيسية، فقد نحو 100 ألف شخص حياتهم جراء تدفق الحمم البركانية وأمواج التسونامي والأضرار الناتجة عن سقوط الصخور الضخمة، ودمر الرماد البركاني المحاصيل والمنازل، ناهيك عن الأضرار الجانبية الأخرى. على الصعيد العالمي، انخفضت درجات الحرارة نحو 3 درجات فهرنهايت، ما تسبب في حدوث ما أطلق العلماء والمؤرخون عليه “سنة بلا صيف” (YEAR WITHOUT A SUMMER)، وقد سُمي هذا العام أيضاً بعام الفقر بسبب الآثار الاجتماعية الهائلة التي خلفها هذا الثوران البركاني. أدى تدمير المحاصيل كلياً إلى المجاعة، والتي أدت بدورها إلى حدوث انتفاضات شعبية وانتشار الأوبئة. 

اقرأ أيضاً: بركان تونغا يسلط الضوء على ضعف أنظمة المياه في العالم

اتبع الإرشادات التي تضعها السلطات إن كنت تعيش بالقرب من البراكين

وفقاً لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC)، يجب على من يعيش بالقرب من أي بركان نشطٍ إخلاء المنطقة إذا ما طُلب منهم ذلك، أو البقاء في أماكنهم مع إغلاق جميع الأبواب والنوافذ وتجهيز مجموعة الإمدادات في حالة الكوارث. على مستوى أكثر شمولية، يؤكد مؤلفو الدراسة على أهمية التواصل المستهدف في الوقت الحقيقي لتوفير معلومات حول تساقط الرماد وانتشار أعمدة الغاز والتدفقات البركانية، ويقولون إن الإخطار السريع (ويفضل عبر الرسائل النصية) يمكن أن يسمح بتحضّر المجتمعات بشكل أفضل ويساعد في الإغاثة في حالات الكوارث. 

يستشهد المؤلفون بمشروع “مجتمعات البركان الجاهزة” (Volcano Ready Communities Project) في سانت فينسنت والغرينادين (دولة تقع في جنوب الكاريبي) كقصة نجاح حديثة، حيث نجح المشروع بإخلاء 22 ألف شخص قبل ثوران البركان في أبريل/نيسان 2021.

لمنع المزيد من الأضرار الكارثية، يدعو مركز جامعة كامبريدج لدراسة المخاطر الوجودية إلى توسع البحث في “الهندسة الجيولوجية” للبراكين، بما في ذلك دراسة الهباء الجوي المنبعث من الانفجارات البركانية الهائلة، حيث يمكن لهذه الجزيئات الصغيرة أن تحجب أشعة الشمس وتتسبب بحدوث “شتاء بركاني”. كما يشجع المركز على إجراء المزيد من النقاش لاستكشاف ما إذا من الممكن التعامل مع جيوب الصهارة الموجودة أسفل البراكين النشطة أم لا بطريقةٍ تخفف أثرها التدميري.

تقول ماني: «قد يبدو أن التأثير على سلوك البركان أمرٌ بعيد المنال، ولكن الحال كان كذلك بالنسبة لإمكانية حرف مسار الكويكبات التي يمكن أن تصطدم بالأرض إلى أن تم تشكيل مكتب تنسيق الدفاع الكوكبي التابع لناسا عام 2016. هناك بالتأكيد مخاطر كبيرة لحدوث ثورانات بركانية هائلة يمكن أن تخلف دماراً هائلاً على الصعيد العالمي. لكن نقص الاستثمار الحالي في التحضر للاستجابة لهذه المخاطر هو بلا شك تهور شديد».