للأشجار الصغيرة قدرة على التكيّف ويمكنها إنقاذ غابات الأمازون

تعد الغابات وسائل ممتازة لامتصاص ثاني أكسيد الكربون.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

مستقبل غابات الأمازون المطيرة في خطر. يقول علماء الأحياء والبيئة إن السياسات الحكومية في العديد من الدول التي تقمع حقوق السكان الأصليين، وتسمح بقطع الأشجار قد أدت إلى اضطراب نظام البيئة في الغابات وتماسكه، في الوقت الذي يتسبب التغير المناخي بدوره في تفاقم أزمة الجفاف إلى مستوياتٍ غير مسبوقة. في الواقع، يشعر العلماء بالقلق من أننا نقترب من نقطة تحول لا يمكن الرجوع عنها في منطقة الأمازون، حيث سيصل فقد الغطاء النباتي في الغابات إلى مستوى لا يستطيع عنده نظام الغابة لعب دوره في الحفاظ على أنماط الطقس المحلية بشكلٍ دائم، أو توفير البيئة المناسبة للنباتات والحيوانات، حتى أن بعضهم توقع أن تصبح غابات الأمازون صحراء قاحلة مع مرور الوقت.

لكن دراسة حديثة تشير إلى أنه قد يكون هناك أمل في تعويض خسائر الغابات بزراعة أنواعٍ من الأشجار الصغيرة الأقل ارتفاعاً من أشجار المظلة. قد تكون هذه الأشجار الصغيرة قادرة على الاستجابة لفقدان الأشجار الكبيرة التي تنتمي إلى نفس نوعها -أشجار الكانوبي الذي تتلقى الكمية الأكبر من الضوء-؛ مما يؤدي إلى الحيلولة دون حدوث أضرار كبيرة في نظام الغابة البيئي.

يقول مؤلف الدراسة «ديفيد بارثولوميو»، طالب الدكتوراه في معهد النظم العالمية بجامعة إكستر: «تشير نتائجنا إلى أن الأشجار الصغيرة تتمتع بمرونة وقدرة عاليتين على التكيّف».

نشر بارثولوميو وزملاؤه مؤخراً نتائج بحثهم في دورية «بلانت، سيل، آند إنفيرونمنت»، حيث تشير نتائجهم إلى أن الأشجار الصغيرة في منطقة الأمازون -بالإضافة إلى الأشجار الصغيرة التي تنتمي إلى نفس أنواع أشجار المظلة (الكانوبي)- قادرة على التكيف لمواجهة ظروف الجفاف، والاستمرار بالنمو في اتجاه الضوء المتاح. تشير هذه النتائج إلى أن غابات الأمازون في المستقبل، بدلاً من أن تكون أشبه بغابات السافانا كما يتوقع البعض، يمكن أن تكون غابة مختلفة جذرياً، لكنها لا تزال غابةً حية.

في تفاصيل البحث، درس الفريق نمو 66 نوعاً من الأشجار الاستوائية الصغيرة في ظل ظروف جفافٍ اصطناعية طويلة الأمد، وذلك في غابة «كاكسيوانا» الوطنية في البرازيل في منطقة الأمازون السفلى. استخدم الباحثون الألواح البلاستيكية لمنع الأمطار من الوصول إلى الأشجار في منطقة التجربة، بينما تُركت منطقة مشابهة ومجاورة لمنطقة التجربة دون تدخّل فيها لتكون عنصراً شاهداً في التجربة. تخضع المنطقة للدراسة بهذه الطريقة منذ عام 2001.

يقول بارثولوميو: «تشير التنبؤات المناخية بالنسبة لمنطقة الأمازون أنّ هناك المزيد من موجات الجفاف في المستقبل. من المحتمل أن تموت العديد من أشجار المظلة الكبيرة في الأمازون كما أظهرت تجربة الجفاف السابقة، مما قد يؤدي إلى تغير البيئة الضوئية في الغابة. تستهلك أشجار المظلة العالية معظم الإشعاع الشمسي الوارد إلى الغابة (ما يصل إلى 95% في بعض الأماكن)، بينما لا يتبقى إلا القليل من الضوء النافذ للأشجار الصغيرة أسفل الغابة».

درس بارثولوميو وزملائه نمو 30 نوعاً من الأشجار الصغيرة في منطقة التجربة الجافة، بالإضافة إلى نمو 36 نوعاً من الأشجار في القطعة التجريبية الشاهد، وقاموا بعددٍ من الاختبارات، مثل دراسة أبعاد الأشجار أثناء نموها والتغيرات التي تطرأ على أوراقها، وكذلك موقعها في التسلسل الهرمي للمظلة الغابية، لجمع المزيد من البيانات حول هذه الأشجار.

استند الباحثون عند اختيارهم الأنواع الشجرية الصغيرة في التجربة إلى الأنواع الشائعة في المنطقة، وتم اختيارها أيضاً لتتوافق مع تجربتهم السابقة حول تأثيرات الجفاف على الأشجار الكبيرة. كما قاموا بدراسة 61 نوعاً من الأشجار الكبيرة.

وجد الباحثون أن الأنواع الشجرية الصغيرة في منطقة التجربة لديها قدرة أكبر على القيام بعملية التمثيل الضوئي الحيوية لنموها. يشير ذلك إلى أن الأشجار الصغيرة قادرة على الاستجابة لظروف الجفاف التي يمكن أن تقتل الأشجار الكبيرة؛ وذلك عن طريق قيامها ببعض التغيرات المورفولوجية (التشكل في علم الأحياء) للاستفادة من كمية الأشعة الشمسية الإضافية التي تصل إليها جراء غياب الأشجار العالية التي كانت تحجبها.

ولكن الأهم من ذلك، كما يقول بارثولوميو، أن الأشجار الصغيرة كانت قادرة على القيام بذلك في ظروف الجفاف أيضاً. ويقول: «لم يكن الجفاف يؤثر عليها حقاً». ولكن ليس لدى كل الأنواع الشجرية القدرة ذاتها على التكيف مع ظروف الجفاف. يقول بارثولوميو: «استجابت بعض الأنواع بشكل أفضل من الأنواع الأخرى. قد يشير ذلك إلى أن بعض الأنواع سوف تنجو من الجفاف، والأنواع الأخرى قد تكون أكثر عرضةً للموت».

تقول «صوفي فاوست»، أستاذة العلوم البيئية بجامعة بليموث في إنجلترا، في رسالة بالبريد الإلكتروني لدورية بوبيولار ساينس: «توفر هذه الورقة البحثية رؤية إضافية مهمة نظراً لأنها درست أثر تغيراتٍ بيئية مختلفة على نمو الأشجار (الضوء والجفاف)». لم تشارك فاوست في الدراسة الحالية، ولكنها تدرس كيفية استجابة الغابات الاستوائية للتغير المناخي والأعمال البشرية؛ مثل إزالة الغابات. وكما تقول؛ هناك بيانات أقل في الوقت الحالي عن استجابة الأشجار الصغيرة للجفاف مقارنة بأشجار المظلة العالية.

وتضيف فاوست في هذا الصدد: «تحتوي هذه الدراسة على معلوماتٍ مهمة حول الأشجار الصغيرة التي كانت تصل إليها أشعة الشمس بشكلٍ محدود سابقاً. قد يتجاوز تأثير زيادة الضوء الواصل إليها على نموها؛ أثر انخفاض الرطوبة في التربة جراء الجفاف، ولكن هناك عوامل أخرى قد تؤثر على ما قد يحدث في منطقة الأمازون أيضاً، مثل ارتفاع درجة الحرارة وانخفاض مستويات الرطوبة في الهواء نتيجة موت الأشجار الكبيرة».

تقول فاوست أخيراً: «في الدراسات المستقبلية التي تُبنى على هذا العمل، سيكون من الرائع قياس كيفية استجابة المناخات المحلية لظروف الجفاف التي ستتعرض لها غابات المظلة العالية. ومن شأن هذا أن يساعد الباحثين على فهم المزيد حول كيف يمكن أن يؤدي فقدان أشجار المظلة الحالية إلى تغير الظروف التي ستدفع الأشجار الصغيرة على التكيف معها لتتابع نموها. لن تساعد هذه المعلومات أولئك الذين يدرسون غابات الأمازون على فهم المستقبل الذي قد نواجهه بشكل أفضل وحسب، بل ستساعد الباحثين الذين يقومون بنمذجة مناخ العالم والتنبؤ بمساراته أيضاً».