ما زالت لوس أنجلوس تتمتع بالطقس البديع نفسه منذ خمسين ألف سنة

خنفساء العتمة
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

لوس أنجلوس هي أرض الشمس المشعة، والصيف الدافئ، والشتاء المعتدل، مع عدد قليل من الأيام المعتمة والغائمة. ولكن ماذا لو عدنا بالزمن خمسين ألف سنة إلى الوراء؟ كيف سيكون شكل الطقس في كاليفورنيا؟

على الأرجح، سيكون هو نفسه. على الأقل، هذا ما تقوله خنافس الأسفلت القشرية. وقد قامت دراسة نشرت في مجلة “كواتيرناري ساينس ريفيوز” بفحص بقايا تابعة لخنافس قديمة في منطقة حُفر قطران لابريا الشهيرة (وهي منطقة ترسب فيها الأسفلت الطبيعي من داخل الأرض لعشرات الآلاف من السنين، وحفظت فيها بقايا الحيوانات التي حصرت في القطران). وقد قام الباحثون بتحديد عمر هذه الخنافس بطريقة التأريخ بالكربون، ومطابقتها مع البيئات الحالية التي تعيش فيها هذه الأنواع، لتكوين مسار زمني عن طبيعة الطقس خلال آلاف السنين.

وقد وجد الباحثون أنه وباستثناء الذروة الجليدية الأخيرة (وهي آخر دفعة كبيرة من العصر الجليدي قبل 16 ألف إلى 28 ألف سنة)، فإن الطقس في لوس أنجلوس كان يشبه كثيراً ما هو عليه اليوم. وهو أبرد بقليل، ولكنه لم يكن مشمساً بصورة أقل.

ويمكن للحشرات أن تمنحنا نظرة قريبة إلى درجات الحرارة، نظراً لدورة حياتها القصيرة، وأجسامها الصغيرة التي كثيراً ما تخضع لتقلبات الطبيعة. وباستثناء بعض أنواع المتأقلمات العامة كالصرصور، فإن العديد من الحشرات يزدهر نموها في بيئات خاصة. ولذلك، حتى لو لم يستطع الباحثون معرفة حالة الطقس في الماضي، فإنهم يستطيعون النظر إلى أحافير الحشرات، ليأخذوا فكرة كافية عما كان يحدث في أي منطقة من المناطق.

تصف آنا هولدن مؤلفة الدراسة حُفر قطران لابريا بأنها “أغنى المواقع الأرضية للعصر الجليدي في العالم”. ولكن وبخلاف الكثير من الباحثين الآخرين، لا تهتم هولدن بالسنانير سيفية الأسنان، وفيلة الماموث التي تم التنقيب عن آثارها في تشكيلات الأسفلت الطبيعي.

حصلت هولدن الباحثة المشاركة في كل من متحف التاريخ الطبيعي في لوس أنجلوس وحُفر قطران لابريا، على درجة الدكتوراه في علم الحشرات من المدرسة العليا التابعة للمتحف الأميركي للتاريخ الطبيعي. وبعبارة أخرى، فهي تحب دراسة بقايا الحشرات العالقة داخل جمجمة السنور سيفيّ الأسنان أكثر من السنور سيفي الأسنان نفسه.

ومنذ بدء عملها في الموقع، كانت هولدن تتساءل: “كيف كانت تبدو مناطق مثل بيفيرلي هيلز وميراكل مايل؟”. وكانت تعتقد أن الإجابة على هذا السؤال تكمن في أجزاء الحشرات التي تم اكتشافها ولم تتم دراستها إلا نادراً.

أحفورة لخنفساء العتمة من حُفر قطران لابريا
حقوق الصورة: CP image

عندما بدأت هولدن بحثها، كانت أول عالمة حشرات تعمل على أحافير الحشرات منذ أربعين سنة. وتنتمي الحشرات في هذه الدراسة إلى نوعي الخنفساء الأرضية وخنفساء العتمة، وكلاهما موجودان في لوس أنجلوس في الوقت الحاضر، ولهما خصائص يسهل التعرف عليها، الأمر الذي يسهل فهرستها عندما لا توجد سوى بقايا صغيرة منها. وتتلائم الحشرات بشكل فريد مع الطقس الجاف شبه الاستوائي في لوس أنجلوس. وهي كثيرة التنقل، فإذا لم يناسبها الموطن الذي تعيش فيه انتقلت إلى غيره.

ولا يعني هذا أن الحشرات حافظت على سجل مثالي في كل يوم على مدى خمسين ألف سنة. فحُفر القطران تكون فعالة (لزجة) فقد عندما تكون درجات الحرارة عالية. ولذلك فهي تجتذب بقايا الحيوانات -من فيلة الماموث إلى الخنافس- أكثر في الأيام الحارة.

لكن الأحافير الـ 182 التي جمعتها هولدن وزملاؤها وقاموا بتحديد عمرها بالتأريخ بالكربون، كانت تبدو وكأنها تخبرنا بشيء واحد: فباستثناء الذروة الجليدية الأخيرة، فإن لوس أنجلوس تمتعت بطقس ثابت نسبياً لمدة خمسين ألف سنة. ولاكتشاف ذلك، قامت هولدن وزملاؤها بتجميع بيانات حديثة عن المكان الذي وجدت فيه هذه الخنافس، ونوع البيئات التي عاشت فيها، ومقارنتها بالأحافير التي حُددت أعمارها بطريقة التأريخ بالكربون.

يعتبر التأريخ بالكربون مهماً لأن الأحافير الموجودة في حفر قطران لابريا -وبخلاف الأدوات الأحفورية الأخرى- لا تكون على شكل طبقات متراصفة بشكل منتظم، بحيث يكون الأقدم في الأسفل والأحدث في الأعلى. فهنا تكون كلها مختلطة. تقول هولدن عن ذلك ضاحكة: “لديك حشرات ميتة منذ آلاف السنين، جنباً إلى جنب مع أنواع ذات قلب ينبض عملياً”.

ويساعد تحديد عمر كل عينة بتنطيفها برفق، ثم تحويلها إلى رماد، ثم قياس بقايا نظائر الكربون، في تحديد أين كانت تعيش كل حشرة. كما أنه يوفر سجلاً يستخدمه بقية الباحثين الذين يملكون مجموعات مختلفة من البيانات في المقارنة وتكوين صورة أوضح عن شكل البيئة منذ آلاف السنين، قبل أن يوجد البشر في هذه المنطقة.

كما أظهرت مجموعة البيانات الأخرى باستخدام حبوب الطلع والحياة النباتية إلى طقس أكثر برودة ورطوبة في المنطقة، مقارنةً بالطقس الذي أظهرته دراسة الخنافس. وسيساعد المزيد من البحث حول بيئة الأزمنة الماضية في المنطقة في إيجاد توافق بين هذه النتائج.

في هذه الأثناء، ترى هولدن أن أحد الأسباب المحتملة للتغير قد يرجع ببساطة إلى جغرافية لوس أنجلوس، والتي بقيت فريدة مقارنة بالمناطق الأخرى. وهو ما تشهده هولدن بنفسها عند قيادتها للسيارة بشكل يومي باتجاه منطقة لابريا. تقول هولدن: “كنت حرفياً أقود باتجاه طقس آخر على الطريق السريع”. وهي تعتقد أن التركيب الفريد لمنطقة لوس أنجلوس قد جعلها تملك طقساً ثابتاً خلال العصور الجليدية، حتى مع وجود طقس متقلب في المناطق التي تحيط بها.

ولكن عدم تغير المناخ كثيراً في لوس أنجلوس في الماضي لا يعني أنه لن يتغير في المستقبل، أو أنه لا يتغير في الوقت الحالي.

تقول هولدن: “إن المناخ في لوس أنجلوس يزداد حرارة، وهناك دليل على التغير المناخي في الوقت الحاضر”. وهي تأمل أن يساعد بحثها الأشخاص الذي يسعون إلى فهم كيفية تغير الطقس في لوس أنجلس مع مرور الزمن. تقول هولدن: “سيتيح لنا هذا البحث فهم الكيفية التي تؤثر بها النشاطات البشرية، كالتطور العمراني والتغير المناخي، على هذه المنطقة الآن وفي المستقبل. فكيف يمكننا وضع استراتيجية للحفاظ على الطبيعة، إذا كنا لا نعلم كيف كان شكل هذه الطبيعة؟”.