لماذا تضر بعض آليات التكيّف مع تغيّر المناخ أكثر مما تنفع؟

لماذا تضر بعض آليات التكيّف مع تغيّر المناخ أكثر مما تنفع؟
عندما لا تكون جهود التكيّف مع التغيّر المناخي شاملة، فيمكنها أن تكون مضرة أكثر من نافعة. مسباهول أوليا/أنسبلاش
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

لقد مررنا جميعاً بالمواقف التي نزيدها سوءاً عندما نحاول تحسينها. ولكن عندما يحدث هذا على نطاق واسع ضمن أزمة المناخ، يمكن أن تصبح الأمور كارثية بسرعة.  

يتمثل أحد المحاور الرئيسية لتقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ لعام 2022 في هذه المشكلة بالذات: سوء التكيف. في عام 2014، عرّفت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ سوء التكيف بأنه «الإجراءات التي قد تؤدي إلى زيادة خطر النتائج السلبية المتعلقة بالمناخ، أو زيادة التأثر بتغير المناخ، أو تقليل رفاهة البشر، الآن أو في المستقبل». ولكن لفهم سوء التكيّف حقاً، نحتاج أولاً إلى فهم التكيف، ولماذا نحن في أمس الحاجة إليه.  

وفقاً لـ «لونا كيرفان»، الأستاذة المشاركة في كلية التخطيط في جامعة واترلو في كندا، مع تغيّر المناخ بمعدل أسرع بشكل متزايد، أصبح البشر أكثر عرضة لمخاطر مثل الفيضانات والارتفاع الشديد في درجات الحرارة. تقول كيرفان: «عندما نحاول التكيف مع تغير المناخ، ما نحاول القيام به هو الحد من التأثير السلبي لهذه المخاطر من خلال تقليل التعرض لها والتأثر بها، وبالتالي تقليل المخاطر نفسها». 

وفقاً لـ «ليسا شيبر»، الزميلة الباحثة في معهد التغيير البيئي في جامعة أوكسفورد، نظراً لأن تغير المناخ ظاهرة غير مسبوقة ويتكشّف تدريجياً، يرتجل القادة السياسيون والأشخاص العاديون الحلول. كما أن بعض طرق التكيّف التي يتّبعونها خاطئة تماماً. 

تقول شيبر: «الشيء الوحيد الذي نعرفه هو أنه عندما نخطط بسرعة كبيرة جداً وبطرق تفرض علينا مسارات تنمويّة معينة، فإننا سنجازف بأن تأتي استراتيجيات التكيف هذه بنتائج عكسية تجعلنا أكثر عرضة لتأثير تغير المناخ».

بالطبع، هناك أكثر من طريقة لارتكاب هذه الأخطاء. سنستعرض في هذا المقال بعض الأنواع الأكثر شيوعاً من سوء التكيف مع المناخ بشكل تفصيلي، كما سنناقش الطرق الأمثل لاتخاذ خيارات أفضل في مستقبل متقلب بشكل متزايد. 

اقرأ أيضاً: كيف يؤثر التغير المناخي على دورة المياه الطبيعية؟

الإجراءات اليومية التي تزيد من انبعاثات الغازات الدفيئة

تقول كيرفان، إن أبسط أشكال سوء التكيف هو عندما تترافق الحلول السريعة لمعضلة المناخ مع مشكلات الاستدامة طويلة المدى. خذ على سبيل المثال مسألة موجات الحر وتكييف الهواء. عانت مختلف مناطق العالم من المزيد من موجات الحر الشديدة، من تلك التي مرّت في خريف عام 2021 في شمال غرب المحيط الهادئ، إلى التي مرت في صيف نفس العام في أوروبا.   

تذكر كيرفان أنه في فانكوفر، والتي كانت تقع عند الحدود الشمالية للقبة الحرارية في شمال غرب المحيط الهادئ، كانت الاستجابة الأولى بالنسبة للعديد من السكان هي زيادة شدة تبريد مكيفات الهواء. 

تقول كيرفان: «إذا كنا نستخدم أنظمة تكييف تعتمد على الطاقة التي يتطلّب توليدها استهلاك الكثير من الكربون، فإننا بذلك نزيد من انبعاثات الغازات الدفيئة، ما سيزيد الحر بدوره». ينطبق نفس الكلام على الطقس شديد البرودة، والذي يؤدي إلى استخدام مولدات الكهرباء التي تعتمد على الوقود الأحفوري أثناء انقطاع التيار الكهربائي خلال العواصف الشتوية.

الحلول قصيرة النظر التي تضر بالبشر

يؤثر تغير المناخ حالياً على السكان ذوي الدخل المنخفض أكثر من الأغنياء. من المرجح أن يتعمق هذا التفاوت بمرور الوقت، وقد يكون سوء التكيف مساهماً في ذلك. يُظهر تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أن العواقب السيئة لسوء التكيف تضر بالمجتمعات الضعيفة أولاً.  

عندما يتعلق الأمر بتخطيط المدن، وخاصة بالنسبة للحلول المتعلقة بالطبيعة مثل «البنى التحتية الزرقاء والخضراء» (وهو مصطلح يشير للمناطق الطبيعية وشبه الطبيعية التي تتمتع بميزات بيئية أخرى تم تصميمها وإدارتها لتقديم مجموعة واسعة من خدمات النظام البيئي)، تقول كيرفان إن المجتمعات الأكثر ثراءً تحظى بالاهتمام الرئيسي.

تشرح كيرفان قائلة: «الحلول المتعلّقة بالطبيعة مكلفة للغاية»، وتضيف: «الخيار المنطقي بالنسبة لصانعي السياسات هو تحليل التكلفة والفائدة. أي أن الاستثمارات تتركز حيثما تتركز الأموال، وينتهي بنا المطاف بمنح الأولوية للأصول والعقارات ذات القيمة المرتفعة وما إلى ذلك عندما نقيم المشاريع».   

تنقل هذه الاستثمارات المشكلات المناخية، مثل الحر الشديدة والتلوث، إلى الأحياء ذات المساحات الخضراء الأقل والكثافة السكانية الأعلى. أظهرت دراسة من عام 2007 كيف أن الأحياء في مدينة فينيكس (أكثر مدن أميركا حراً) التي ينتمي سكانها إلى نسبة الـ 10% الأفقر من السكان أكثر سخونة من الأحياء التي ينتمي سكانها إلى أغنى 10% بـ 2.5 درجة فهرنهايت وسطياً. ووجد التقرير أن الأحياء ذات الدخل المرتفع تحتوي أيضاً على المزيد من الأشجار والمساحات الخضراء.  

تقول كيرفان: «إن التوزّع المكاني لهذه الاستثمارات غير عادل». 

هناك مشكلة أخرى تتعلق بسوء التكيف، وهي أنه غالباً ما يجعل مجتمع ما يعاني من عواقب مشكلات المناخ الخاصة بمجتمع آخر. على سبيل المثال، قد تكون إدارة حي ما في المدينة قادرة على بناء خنادق التصريف وجدران الحماية من الفيضانات، ولكن مياه الأمطار ستسيل إلى مكان ما في النهاية. تقول كيرفان إنه غالباً ما تصل المياه إلى منطقة بها موارد أقل لا تمتلك إداراتها الوسائل الضرورية لإنشاء هذه المشاريع المكلفة.  

غالباً ما تتسبب سبل التكيّف مع ارتفاع مستوى سطح البحر بنفس المشكلات. تشير شيبر إلى دولة فيجي كدراسة حالة: في الآونة الأخيرة، أضافت الدولة جداراً بحرياً في جزيرة «فانوا ليفو» أدى في النهاية إلى تفاقم الفيضانات. يمثل تآكل السواحل أيضاً تحديات مماثلة لبلدان جنوب المحيط الهادئ.   

تقول شيبر: «طبّقت إحدى هذه البلدان طرقاً لحماية إحدى المستوطنات من تآكل السواحل، وتضمّنت هذه الطرق إبعاد التآكل وتغيير شكل الخط الساحلي»، وتضيف: «لكن أدى ذلك في الواقع إلى نقل تآكل السواحل إلى مناطق في جنوب الخط الساحلي. وعانى البشر الذين يعيشون في تلك المناطق من نفس المشكلات».  

تقول كيرفان إن هذه الاستراتيجيات المخطط لها بشكل سيئ يمكن أن تؤدي إلى إعادة التوطين أو تخلي السكان القسري عن منازلهم، ما قد يكون له آثار سلبية خطيرة على المجتمعات التي تعاني من عواقب تغير المناخ أكثر من غيرها. 

اقرأ أيضاً: 4 خرافات جديدة عن تغير المناخ وكيفية تفنيدها

الحلول المنهجية التي تخلق مشكلات لم تكن موجودةً من قبل

يمكن أن تؤدي بعض أسوأ سياسات التكيف إلى خلق مشكلات جديدة متعلقة بالمناخ لمجموعة من الناس. تعطي كيرفان توزيع المياه في أماكن مثل الشرق الأوسط كمثال. وتشير إلى أن عمان، عاصمة الأردن، تعاني من تدني مستوى الأمن المائي، ما دفع الحكومة إلى ضخ المياه من على بعد 305 كيلومتراً في العقد الماضي. أصبحت المياه متوفّرة الآن في المناطق المكتظة بالسكان في عمان، لكن هذا الحل ولّد مشكلات لم تكن في الحسبان.    

تقول كيرفان: «يوثّر ضخ المياه على المنتجات الزراعية والأمن المائي في المنطقة التي يتم الضخ منها»، وتضيف: «لذلك فالحل خلق نوعاً جديداً من عدم الاستقرار في المجتمع، بالإضافة إلى أنه إجراء قصير المدى أيضاً. هذا الحل ليس قابلاً للتجديد، وليس مستداماً».  

يمكن أن تدفع هذه الأنواع من الحلول أيضاً بالسكان إلى اتخاذ قرارات أقل استدامة بشكل عام. على سبيل المثال، تقول شيبر إن إثيوبيا لديها الكثير من الموارد المائية المتاحة، لكن هذه الموارد ليست موزّعة بشكل جيد. وعندما يتمكن المزارعون في الأجزاء الأكثر جفافاً من البلاد من الحصول على ما يكفي من المياه لأنظمة الري الخاصة بهم، فإنهم يميلون إلى زراعة المحاصيل الأكثر ربحاً والتي تتطلب الكثير من المياه، بدلاً من البدء في الاستعداد لفترة شح الموارد.   

تقول شيبر: «يبدو الأمر كما لو أنهم لم يتعاملوا على الإطلاق مع حقيقة أن هناك كمية أقل من المياه»، وتضيف: «بدلاً من ذلك، فهم فعلوا العكس تماماً، فقد قاموا فقط بتعديل سلوكهم بما يتوافق مع إمكانية الحصول على المزيد من المياه».  

في سياق مماثل، تشير شيبر إلى أن سياسات التأمين الزراعي يمكن أن تلعب دوراً في سوء التكيّف أيضاً، إذ تقول إنه إذا كان المزارعون قدّ أمّنوا محاصيلهم، فقد يخاطرون بزرع محاصيل مختلفة تنطوي زراعتها على مخاطر أكبر، ما قد يكون له عواقب وخيمة في المستقبل عندما تصبح الموارد أكثر ندرة وتكون المجتمعات غير مستعدة. 

توضح شيبر قائلةً: «قد يشعر [المزارعون] أنهم يتمتعون بمزيد من الأمن، لذلك ينتهي بهم الأمر بالتركيز على المحاصيل النقدية (أي التي تُزرع من أجل الربح) بدلاً من محاصيل الكفاف المقاومة للجفاف». قد تصبح تقنيات توفير المياه والحفاظ عليها غير مهمة للمزارعين إذا اعتقدوا أنهم محميّون من خلال التأمين.   

 كيف يمكننا التكيف مع تغيّر المناخ بشكل أفضل؟

الطريقة الرئيسية التي يمكن للمخططين والقادة تطبيقها لتجنب سوء التكيف هي تلبية حاجات كل المجموعات السكانية، سواء كان أفرادها من المهاجرين غير المسجلين أو النساء أو الأقليات. وهذا يعني تجاوز المنظمات غير الحكومية والمنظمات الأخرى التي تتخذ عادة القرارات المتعلقة بالتكيف مع تغير المناخ، والعمل على الأرض، وجمع الآراء المحلية لتحديد السبب الحقيقي للمشكلة. تم توضيح ذلك أيضاً في التقرير الأخير للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، والذي يؤكد على ضرورة أخذ نظرة شاملة تركّز على المسائل البيئية في الإدارة والتعليم والشمول في آليات التخفيف والتكيف المستقبلية.   

ومع ذلك، لن تكون معالجة سوء التكيّف أمراً سهلاً. إذ أنها تتطلب دراسة الممارسات الخاطئة في البرامج الحالية بشكل جدّي، مثل التمويل المناخي الذي ستمنحه الدول الغنية للدول الفقيرة، والذي يستمر بالفشل. من المهم أيضاً أن تتذكر أنه لا توجد استراتيجية واحدة مثالية في كل البلدان، وهذا هو بيت القصيد من التكيف. تقول شيبر إن ما ينجح في رواندا قد يتسبب بكارثة في تايلاند.    

إن المشكلات التي تصاحب تغير المناخ معقدة، ويجب أن تأخذ معاناة المجتمعات الضعيفة الأسبقية على الحلول السهلة والسريعة التي ترضي باقي المجتمعات. 

تقول كيرفان: «تقع على عاتقنا مسؤولية المبادرة تجاه هؤلاء الأشخاص وإشراكهم في عملية صنع القرار»، وتضيف: «أعتقد حقاً أن النظر للموضوع من وجهة نظر عادلة أمر ضروري».