هل يمكن أن تسبب السدود الزلازل؟

هل يمكن أن تسبب السدود الزلازل؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/ sainan 2522
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

صرح مؤخراً الدكتور أحمد ملاعبة، أستاذ الجيولوجيا في كلية الأمير الحسن بن طلال للموارد الطبيعية والبيئة في الأردن، بأن السدود العديدة المبنية في تركيا قد أسهمت في حدوث الزلزال الذي أصاب تركيا وسوريا في 6 فبراير/ شباط 2023، ولكنه أضاف: “أنها على الرغم من عدم كونها السبب المباشر للزلزال فهي من المرجح أنها زادت من شدته وقوته المدمرة”.

هل تعد الزلازل المرتبطة بالسدود أمراً نادراً؟

لا، فوفقاً لبحث الدكتور أحمد عبدالله الشيخ المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة بارا للخدمات الجيوفيزيائية (Bara Geophysical Services) والأستاذ المساعد في جامعة ميسوري للعلوم والتكنولوجيا في أميركا، الذي نُشر في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، تعد الأنشطة الزلزالية المرتبطة بخزانات السدود ظاهرة معروفة، ولوحظت هذه الظاهرة في عدة سدود عربية وعالمية مثل:

  • سد كونيا (Konya) في الهند.
  • سد كريماستا (Kremasta) في اليونان.
  • سد كاريبا (Kariba) في زامبيا.
  • السد العالي بأسوان في مصر.
  • سد هوفر في أميركا.
  •  سد هين فينغ يانغ (Hsinfengkiang) في الصين.
  • سد مروي في السودان.
  • سد الممرات الثلاث في الصين، إذ كان النشاط الزلزالي في منطقة خزان السد منخفضاً قبل بناء السد، لكنه زاد بمقدار 7 إلى 8 مرات من حيث متوسط ​​عدد الزلازل الشهرية، وذلك بعد ارتفاع مستوى المياه في الخزان إلى أكثر من 150 متراً فوق مستوى سطح البحر.
  • سد أتاتورك في تركيا، إذ من المرجح أنه سبب زيادة في النشاط الزلزالي وسبب زلزالين مدمرين عامي 2017 و2018، وذلك وفقاً لبحث تورستيم دام وزملائه المنشور في دورية  “فرونتيرز إيرث ساينسز” (Frontiers Earth Sciences) عام 2021.
  • سد زيبينغبو في الصين، وهو يشكل الحالة الأكثر خطورة عالمياً، إذ يشتبه بأنه سبب حدوث زلزال سيتشوان الذي بلغت قوته 7.9 درجة في مايو/ أيار 2008، والذي أودى بحياة ما يقدّر بنحو 80 ألف شخص.

وغيرها الكثير من السدود المنتشرة حول العالم.

حقوق الصورة: shutterstock.com/ Evgeny_V

اقرأ أيضاً: كيف يتم بناء السدود وكيف تمنع تسريب الماء بعد 100 عام من إنشائها؟

لماذا تحدث الزلازل في مناطق بناء السدود؟

تحدث الزلازل في مناطق بناء السدود بسبب اجتماع عدة عوامل مثل:

  • وجود فوالق وصدوع تكتونية في منطقة بناء السدود، فالسدود التي تُبنى فوق مناطق سميكة من القشرة الأرضية لا تسبب عادةً حدوث زلازل شديدة.
  • التغيرات الكيميائية التي تضعف قوة الصخور، وذلك يرتبط بالتكوين الكيميائي للصخور في منطقة بناء السدود.
  • زيادة ضغوط المسام بسبب تسريب المياه إليها، وبشكل أساسي محلول الضغط الذي يؤثر في الصخور.
  • تسرب المياه إلى أساس السد وتحرر الطاقة التكتونية التراكمية.
  • زيادة خزان الماء المحتجز خلف السد للوزن التراكمي على القشرة الأرضية.
  • انخفاض قوى الاحتكاك المثبتة للصفائح، وذلك بسبب تغير ضغط المسام في طبقات الصخور تحت خزان السد.

اقرأ أيضاً: متى تنتهي فترة الخطر بعد وقوع الزلازل؟

وما يحدث هو أنه عندما يتم بناء السد وملؤه بالمياه، يتغير مقدار الضغط الذي يُطبق على الأرض في تلك المنطقة بشكل كبير، وعندما يرتفع مستوى الماء في الخزان يزداد الضغط على الأرض تحته، وفي الحالة المعاكسة عندما ينخفض ​​مستوى الماء سينخفض ​​الضغط، يمكن أن يؤدي هذا التقلب المتكرر في الضغط إلى اختلال التوازن الدقيق بين الصفائح التكتونية تحت السطح، ما قد يسبب انزياحها وحدوث زلزال ناجم عن النشاط البشري.

وبالإضافة إلى ذلك، عندما يزداد ضغط الماء على سطح الأرض، سينفُذ الماء للطبقات السفلى من الغلاف الصخري ويملأ الشقوق والتصدعات، وقد يؤدي هذا الضغط المائي إلى توسيع تلك الشقوق وخلق شقوق جديدة صغيرة في الصخر، ما يسبب زيادة عدم استقرار طبقات الأرض، إذ يكون الماء عند ترسبه لطبقات بالغة العمق بمثابة مادة تشحيم لصفائح الصخور التي تم تثبيتها في مكانها عن طريق الاحتكاك وحده، فيحدث انزلاق لتلك الصفائح.

لتشبيه الموضوع وتوضيحه، تخيل أن هناك طبقة سميكة من التراب بين يديك وتحاول أن تفركها، ستجد صعوبة بسبب قوة الاحتكاك، لكن إن غمست طبقتي التراب بالماء سيتشكل طين وسيصبح انزلاقها أسهل.

لماذا يتم بناء السدود غالباً في مناطق الزلازل النشطة؟

تُبنى السدود على مجاري الأنهار في النقاط المتوضعة فوق مناطق الصدوع التي تعد مراكز نشطة زلزالياً، وفي تلك الأماكن يوجد بالعادة وادٍ ضيق في اتجاه مجرى النهر، وفي حال تحركت حافتا منطقة الصدع نحو بعضهما بعضاً، سيتشكل مكان ضيق يسهل سدّه ويكون هذا الموقع مثالياً لبناء السدود.

هل يمكن للسدود لوحدها أن تسبب حدوث الزلازل؟

لا يمكن للسدود أو خزاناتها أن تسبب لوحدها حدوث الزلازل، لكن تأثيراتها المباشرة وغير المباشرة على حدوث الزلازل تعد خطيرة، ومن أهمها ما يلي:

  • يمكن للسدود المشيدة فوق مناطق الصدوع أن تسبب حدوث الزلازل في وقت أبكر مما كان سيحدث بشكل طبيعي.
  • يمكن أن يزيد السد من حجم وقوة الزلزال في حال حدوثه.
  • يزيد احتمال حدوث الزلازل في منطقة وجود خزان السد والمنطقة المحيطة به.
  • يمكن ملاحظة الزلازل التي تسببها خزانات السدود بعد وقت قصير من بدء الملء أو بعد فترة طويلة نسبياً من ملئه أي بعد 10 سنوات وأكثر، لذا لا يمكن التنبؤ بحدوثها أو نفي حدوثها في حال لم تتم مباشرة بعد التشييد واستخدام السد.

ما المخاطر التي قد تصيب السدود في حال حدوث زلازل قريبة منها؟

يعتبر الخطر الزلزالي من المخاطر المتعددة التي يجب وضعها في الحسبان أثناء تصميم وإنشاء السدود، فأي خلل أو انهيار للسدود التي تحتجز خزانات المياه سيسبب كارثة لا يقل وقعها عن الحدث الزلزالي الرئيسي، ومن أبرز هذه المخاطر ما يلي:

  • يمكن للزلازل المجاورة أن تنشط الصدوع القريبة من أساسات السد، ما يسبب حدوث تشوهات هيكلية في الأساس، وزيادة عدد الهزات الارتدادية.
  •  قد تحدث موجات مائية في الخزان أو فقدان حد الطفو والفيضانات للأراضي المجاورة وغمر القرى المجاورة والأراضي الزراعية.
  •  قد تسبب الانهيارات الصخرية والانهيارات الأرضية إتلاف البوابات وأرصفة مجاري التصريف والجدران الاستنادية ومحطات الطاقة السطحية والمعدات الكهربائية والميكانيكية وصواري خطوط النقل وغيرها من ملحقات السد.
  • قد تُغمر معدات السدود ومنظومات توليد الطاقة الموجودة بها وعدم القدرة على إعادة تفعيلها.

اقرأ أيضاً: هل استطاع فرانك هوغربيتس فعلاً التنبؤ بالزلزال الذي أصاب تركيا وسوريا؟

ختاماً، في العلم لا يوجد حسم مطلق، لذا نرى أن الباحثين إذا تأكدوا يقولون إن نسبة حدوث هذا الأمر أو ذاك تبلغ 99%، وبالنسبة لارتباط الزلازل مع بناء السدود يوجد ارتباط واضح بنسبة كبيرة وظواهر متكررة ما يستوجب المزيد من الدراسات لفهم الموضوع والتحقق منه.