ما هي مكونات الجهاز العصبي وكيف يعمل؟

الجهاز العصبي
حقوق الصورة: شترستوك.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تنبع كل القرارات والأفعال والمشاعر من الجهاز العصبي، ويتجاوز دوره في توجيه الحركة والاستجابات التلقائية إلى كونه المسؤول عن تنظيم عمل كافة عمليات الجسم الأخرى أيضاً، من الهضم والتنفس إلى البلوغ. تشكل دراسة الجهاز العصبي والذي يسمى بـ “مركز قيادة الجسم” تحدياً صعباً أمام العلوم العصبية، وكلما تعمقنا وتعرفنا على بنيته ووظائفه بشكل أفضل، كلما أيقنّا أن ما تم اكتشافه ليس سوى جزءاً بسيطاً للغاية.

من الطبيعي أن نتساءل كيف لجهاز حيوي واحد أن يكون قادراً على التواصل مع العالم الخارجي ونقل الإحساس والتحكم بآليات الجسم ومعالجة المعلومات وتحريك العضلات والتحكم بعمليات التمثيل الغذائي بآن واحد، وهنا يأتي دور عظمة التكوين البيولوجي للجهاز العصبي.

يتألف الدماغ من أكثر من 100 مليار خلية عصبية، لكل خلية عصبية جسم خلوي واستطالات مختلفة، وكل مجموعة منها تختص بوظيفة معينة. يتضافر عمل هذه الخلايا مع بعضها عن طريق عملية النقل المشبكي، حيث تتفاعل الخلايا العصبية مع الخلايا العصبية الأخرى عن طريق إرسال إشارة، أو نبضة على طول محورها وعبر مشابك أخرى لكي تصل إلى التشعبات في الخلايا العصبية المجاورة.

التكوين الجنيني للجهاز العصبي

يتشكل الجهاز العصبي المركزي خلال الحياة الجنينية كأنبوب منتظم نسبياً، والذي يتمايز ثلثه العلوي إلى الدماغ، المسؤول عن الوعي والحركة الإرادية، بينما يتمايز ثلثيه السفليين إلى النخاع الشوكي. بعد ذلك تتطور المناطق الرئيسية في الدماغ وتظهر على شكل تضخم كروي في نهاية رأس هذا الأنبوب، وتنضج مراكز التحكم بالوظائف اللاإرادية مثل ضغط الدم والتنفس والبلع في “النخاع المستطيل”، الذي يظهر جنينياً على شكل تضخم في النصف العلوي للأنبوب.

وبالمقابل تنشأ كل من البصلة السيسائية والمخيخ من المنطقة فوق النخاع المستطيل، هذه المناطق تختص بمعالجة المعلومات الحسية وتنسيق الحركة، كما تعمل كجسر لنقل المعلومات بين المناطق العليا للدماغ وباقي الجسم.

تتمايز الخلايا العصبية في الدماغ إلى كل من الدماغ المتوسط، المسؤول بشكل رئيسي عن حركة العينين، والدماغ البيني الذي يقسم إلى المهاد والوطاء. يدمج المهاد المعلومات الحسية وينقلها إلى المناطق العليا للدماغ. أمّا وظيفة الوطاء، فتتمثل بتحقيق التوازن في البيئة الداخلية للجسم، وبالتحكم العصبي في جميع الأعضاء الداخلية، كما أنه منّظِم لوظائف الغدد الصم في الجسم وعلى رأسها الغدة النخامية.

مكونات الجهاز العصبي 

تشريحياً، يتكون الجهاز العصبي من قسمين هما الجهاز العصبي المركزي والجهاز العصبي المحيطي. يتكون الجهاز العصبي المركزي من الدماغ والنخاع الشوكي والأعصاب القحفية. للدماغ وظائف تنظيمية تتمثل بدمج المعلومات الحسية وتنسيق وظائف الجسم، كما أن له وظائف عصبية نفسية تتمثل بتعزيز الوظائف المعقدة مثل التفكير والشعور الواعي، بالإضافة إلى التحكم بالعمليات اللاإرادية.

بالمقابل، يعمل النخاع الشوكي كقناة لعبور الإشارات بين الدماغ وبقية الجسم، بالإضافة إلى دوره المستقل في التحكم بردود الفعل العضلية الهيكلية البسيطة دون تدخل من الدماغ.

تحمي الجمجمة والقناة الفقارية كل من الدماغ والنخاع الشوكي، ويتم غمرهما بالسائل الدماغي الشوكي الذي يؤمن بيئة كيميائية خاصة تحمي وتغذي النسج العصبية، بالإضافة لكونه عازلاً إضافياً ضد التلف المادي. كما يتم الحفاظ على هذه البيئة الكيميائية من خلال “الحاجز الدماغي الدموي”، والذي يتكون من أغشية غير نفوذة للشعيرات الدموية، ما يشكل حاجزاً يسمح بعبور المواد بشكل انتقائي، حسب طبيعة المادة.

أمّا فيزيولوجياً، فيمكن التمييز بين الجهاز العصبي الإرادي والجهاز العصبي اللاإرادي، إذ يتحكم الجهاز العصبي الإرادي بالعمليات الجسدية والفكرية التي ندركها بشكلٍ واعٍ، كتحريك أحد الأطراف أو اتخاذ قرار مثلاً. بينما ينظم الجهاز العصبي اللاإرادي العمليات التي لا يمكننا التأثير فيها بوعي، كالتنفس وتنظيم ضربات القلب وعمليات التمثيل الغذائي، وما يميزه أنه يستجيب للتغيرات بشكل سريع، أي أنه سريع التكيف مع الموجودات، فعلى سبيل المثال، يزيد الجهاز العصبي اللاإرادي من التروية الدموية للبشرة عند التعرّض للحر، وهذا ما يُفسر احمرار الوجه، كما أنه يجعل البشرة تتعرق كأحد آليات تنظيم حرارة الجلد.

وظائف الجهاز العصبي 

وظائف الجهاز العصبي متعددة، لا يمكننا تلخيصها أو حتّى ذكرها بشكل كامل، إلا أن هنالك مجموعة من العناوين العريضة التي تندرج وظائف الجهاز العصبي تحتها، وهي:

  • التفكير الواعي واتخاذ القرار.
  • الوظيفة الحركية مثل التنسيق والتوازن.
  • الوظيفة الحسية والتي تتحقق بوجود مستقبلات إحساس سليمة في النهايات الجلدية.
  • الذاكرة وقابلية التعلم.
  • الوظيفة العاطفية المسؤولة عن المشاعر والعواطف.
  • النوم.
  • الشيخوخة.
  • مركز التحكم بكافة أنظمة الجسم.

كيف يعمل؟

للجهاز العصبي خلايا متخصصة تساهم بنقل الإشارات والنبضات العصبية من وإلى جميع أنحاء الجسم، حيث تنتقل هذه الإشارات بين الدماغ والجلد والأعضاء والغدد والعضلات الهيكلية. لهذه الرسائل أنواع مختلفة، بعضها يتخصص بنقل الأوامر الحركية من الدماغ إلى العضلات، حيث تستجيب الأعصاب الحركية الموجودة في العضو المستهدف للرسالة العصبية المُرسلة من الدماغ إلى القرون الأمامية الحركية للنخاع الشوكي وحتّى تصل للعضلة الهدف. بالمقابل، يوجد قسم مختص بنقل الإحساس من الأعضاء المحيطية إلى مراكز الإحساس الدماغية عبر القرون الخلفية الحسية للنخاع الشوكي والتي تُسمى  بالأعصاب الحسية، أي إنه اتصال أحادي الاتجاه من الجسم إلى الدماغ، يرسل رسائل في الاتجاه المعاكس للاتجاه الذي تعمل به الأعصاب الحركية.

ما الفرق بين الجهاز العصبي المركزي والمحيطي؟

توجد مجموعة من الفروق بين الجهاز العصبي المركزي والمحيطي، على الرغم من ارتباطهما وتشابههما، وهي:

  • حجم الخلايا العصبية: إن محاور الخلايا العصبية المركزية قصيرة مقارنة بالخلايا العصبية المحيطية، حيث أنها نادراً ما تتجاوز عدة ميلليمترات بينما قد يصل طول محور خلية عصبية محيطية إلى المتر أحياناً، كالعصب المسؤول عن حركة الإبهام والسبب يعود لأن الخلايا المركزية تتطلب دقة ونوعية أكبر في العمل، مقارنة بالأعصاب المحيطية التي تكون مسؤولة عن وظيفة واحدة أو اثنتين بالحد الأقصى.
  • خاصية التجديد، يفتقر الجهاز العصبي المركزي إلى خاصية تجديد الخلايا، على عكس الأعصاب المحيطية، حيث أنه من الممكن لأحد الأعصاب المحيطية أن ينمو من جديد حتّى بعد قطعه.

للجهاز العصبي خصوصية عالية بالمقارنة مع باقي أجهزة الجسم، وبغض النظر عن دوره المتكامل المنظم لأي وظيفة حياتية، إلّا أنه يحتوي ضمن كل خلية من خلاياه على معلومات تخص شخصياتنا وطباعنا وما نحب وما نكره، وهو متيقظ في كل لحظة من اليوم، أثناء يقظتنا وأثناء نومنا، لتسيير كل ما يتعلق بنا.