كيف يمكن التعايش مع مرض باركنسون؟

داء باركنسون
حقوق الصورة: شترستوك.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يعتبر داء باركنسون أحد الأمراض التنكسية العصبية التي تؤثر بشكل جوهري على نوعية حياة الأفراد. يتطور هذا الداء تدريجياً بمرور الوقت وبوتيرة بطيئة، وتتجلى له أعراض جسدية ونفسية وفي كثير من الحالات قد يستغرق الأمر سنوات قبل أن تبدأ الأعراض في الظهور حتّى، وبالتالي يملك معظم المصابين عدة سنوات لعيش حياة مُنتجة قبل سيطرة أعراض المرض. يمثل التعايش مع مرض باركنسون تحديّاً للأفراد ولأحبائهم، ولذلك من المهم فهم ماهية هذا المرض وكيف تظهر أعراضه للاستعداد بشكل أفضل لمواجهة التحديات التي يحملها.

حتّى عام 2022، يتعايش نحو 145 ألف شخص في المملكة المتحدة مع مرض باركنسون، أي أن هناك شخصاً واحداً بين كل 350 شخصاً مصابٌ بالمرض، ومن المتوقع أن يزداد هذا العدد بنسبة 18% تقريباً بحلول عام 2025، وأن يتضاعف بحلول عام 2065. لذلك من المهم إلقاء نظرة أعمق على مرض باركنسون ومعرفة كيفية تحسين نوعية الحياة للتعايش معه بشكل أفضل.

ما هو داء باركنسون؟

يُعرف داء باركنسون على أنه مرض عصبي تنكسي ناجم عن فقدان الخلايا العصبية. تبدأ الأعراض في بعض الأحيان على شكل رعاش ناعم بالكاد يمكن ملاحظته في يد واحدة، حتّى يصل إلى التيبس أو بطء الحركة في المراحل المتقدمة.

تُعرف الخلايا العصبية المُتنكسة بالخلايا الدوبامينية، تتميز هذه الخلايا بكونها جزءاً من “المادة السوداء” في الدماغ، والتي هي بنية من الدماغ المتوسط مسؤولة بشكل أساسي عن المكافأة والحركة. تعمل الخلايا العصبية في المادة السوداء على إنتاج الدوبامين الذي يعمل كمرسل بين أجزاء الدماغ والجهاز العصبي الذي يساعد على التحكم في الحركة وتنسيقها.

تنخفض مستويات الدوبامين في الدماغ إذا ماتت هذه الخلايا أو تضررت، وهذا يعني أن الجزء من الدماغ الذي يتحكم في الحركة تتم إعاقته، ما يؤدي إلى تباطؤ الحركات الطبيعية وزيادة إجهادها. ومع ذلك، فإن تنكس الخلايا العصبية يحدث على نحو بطيء، ولا تبدأ الأعراض في الظهور إلّا عند فقدان 80% من الخلايا العصبية حول المادة السوداء.

اقرأ أيضاً: هل سيصبح الشلل مرضاً قابلاً للعلاج بفضل التحفيز الكهربائي العصبي؟

أعراض داء باركنسون

تنجم أعراض داء باركنسون بشكل أساسي عن فقدان الخلايا العصبية المنتجة للدوبامين في الدماغ والتي تتحكم في الحركة. تؤثر المستويات المنخفضة من الدوبامين على كيفية تحرك الجسم، الأمر الذي يجعل من الأنشطة اليومية مثل الأكل وارتداء الملابس واستخدام الحاجيات اليومية مثل الهاتف أو الحاسوب أمراً صعباً. 

تتمثل الأعراض الرئيسية لمرض باركنسون بثلاثة اضطرابات، ولكن لن يعاني الجميع من كل هذه الأعراض بنفس الشدة إذ تتفاوت هذه الأعراض بين المرضى في وقت ظهورها وشدتها، نذكر فيما يلي الأعراض الثلاثية المميزة لداء باركنسون:

  • الرعاش: الذي يميل إلى البدء إما في اليد أو الذراع قبل أن يصبح ملحوظاً بشكل تدريجي. من المرجح أن يظهر في أوقات الراحة ويخف مع تحريك الطرف.
  • بطء الحركة: تكون الحركات الجسدية أبطأ بكثير من المعتاد، الأمر الذي يجعل المهام اليومية أكثر صعوبة.
  • تصلب العضلات: تجعل الصلابة العضلية من الحركة أكثر صعوبة، كما قد تؤدي إلى تقلصات مؤلمة في العضلات.

في المراحل المبكرة من داء باركنسون، يكون وجه المريض جامداً مع شيء بسيط من التعابير الوجهية أو قد لا يظهر أي تعبير على وجهه على الإطلاق. تسوء الصلابة العضلية في المراحل المتقدمة للدرجة التي تصبح فيها أذرع المرضى جامدة أثناء المشي فاقدةً بذلك نمط التأرجح الطبيعي، وكما قد يصبح الكلام مفهوماً بشكل أقل، تتفاقم هذه الأعراض جميعها مع تنكس المزيد من الخلايا العصبية مع مرور الوقت.

إضافةً إلى ذلك، يسبب مرض باركنسون مجموعة واسعة من الأعراض غير المرتبطة بالحركة والتي تؤثر بشكل كبير في الحياة اليومية للفرد، بما في ذلك الألم المزمن واضطراب النوم والإمساك ومخاوف الذاكرة والشكاوى المعوية وصعوبة التنفس وصعوبة بلع الطعام.

يمكن أن يؤثر مرض باركنسون أيضاً على الحالة الذهنية للفرد، الأمر الذي يتسبب في انخفاض القدرة المعرفية والشعور بالدوار وزيادة حالات الاكتئاب والقلق. كما يمكن أن تشمل الأعراض المحتملة الأخرى فقدان حاسة الشم، ومن المثير للاهتمام، أن نمط خط اليد يختلف بعد الإصابة بمرض باركنسون ويعتبر من العلامات المميزة للإصابة المتقدمة، فنجد أن خط مريض باركنسون يبقى لوهلةٍ طبيعيّاً مع البداية، ومن ثم يتضاءل حجمه تدريجياً مع تقدم الكتابة، الأمر الذي يظهر واضحاً.

اقرأ أيضاً: ألزهايمر وباركنسون: جسيمات نانوية لعلاج إصابات الدماغ

علاج داء باركنسون

لا توجد اختبارات يمكن أن تُظهر بشكل قاطع أن الفرد يعاني من مرض باركنسون، وهذا يعني أنه لا يمكن إجراء التشخيص إلا من خلال مراقبة الأعراض وتحليل التاريخ الطبي والفحص السريري الشامل.

كل شخص مصاب بمرض باركنسون لديه تجربة مختلفة، مع مجموعة من الأعراض والآثار الجانبية؛ وهذا يجعل علاجه صعباً. بشكل عام، لا يوجد حالياً أي علاج شافٍ لمرض باركنسون، إلّا أنه توجد بعض الأدوية التي تحد من تفاقم الحالة، محافظةً بذلك على جودة الحياة لأطول فترة ممكنة.

يبدأ الأطباء دائماً بالمعالجة الداعمة مثل العلاج الطبيعي والوظيفي فبعض الحالات الخفيفة قد لا تتطلب أي علاج إضافي في البداية.

ومع تقدم الحالة يصف الأطباء مجموعة من الأدوية التي تزيد من إفراز الدوبامين أو تحل محله، إذ تتحسن الأعراض بشكل كبير بعد البدء في العلاج، لكن فوائد تلك الأدوية كثيراً ما تتلاشى أو تصبح أقل انتظاماً مع الوقت، تتضمن الأدوية التي قد يصفها الأطباء لمرضى باركنسون:

  • ليفودوبا: وهو الدواء الأكثر فعالية لمرض باركنسون، هذه المادة الكيميائية الطبيعية تتحول إلى دوبامين بمجرد دخولها إلى الدوران الدموي الدماغي.
  • المواد المساعدة للدوبامين: لا تتحول هذه المواد في الدماغ إلى دوبامين، على عكس ليفودوبا، لكنها تمتلك بدلاً من ذلك تأثيرات تحاكي تأثيرات الدوبامين في الدماغ.
  • مثبطات أكسيداز أحادي الأمين:  تساعد هذه الأدوية في منع تعطيل الدوبامين في الدماغ من خلال تثبيط إنزيم الدماغ أكسيداز أحادي الأمين الذي يُسرّع من استقلاب الدوبامين الأمر الذي يؤدي لتلاشيه بشكل أسرع.
  • مضادات الفعل الكوليني: استُخدمت هذه الأدوية لعدة سنوات للمساعدة في التحكم في الرُعاش المصاحب لمرض باركنسون، إلا أن فوائدها المتواضعة غالباً ما تقابلها آثار جانبية مثل ضعف الذاكرة والتشويش الذهني والهلوسات والإمساك وجفاف الفم.
  • أمانتادين: قد يصف الأطباء أمانتادين وحده لتخفيف أعراض داء باركنسون في المراحل المبكرة على المدى القصير، وقد يُعطى مع علاج ليفودوبا خلال المراحل المتأخرة من مرض باركنسون للتحكم في الحركات اللاإرادية التي قد يحفزها ليفودوبا.

يتم اللجوء إلى العلاج الجراحي في بعض الحالات الحادة المتقدمة التي يَصعب السيطرة عليها بالأدوية، وذلك عن طريق “التحفيز العميق للدماغ” في منطقة النواة تحت المهادية. تؤدي هذه الجراحة إلى انخفاض في استخدام العلاج الدوباميني بين المرضى. ولكن لا يخلو الأمر من بعض المضاعفات إذ يعاني بعض المرضى من مضاعفات بعد الجراحة كاللامبالاة والاكتئاب.

اقرأ أيضاً: ماذا كشفت هذه الدراسة الجديدة عن الارتجاج ومرض باركنسون؟

كيف تساعد المقربين المصابين بداء باركنسون بالشكل الأمثل؟

يمكن أن يكون تشخيص مرض باركنسون تجربة مؤلمة للغاية لشخص قريب، ولذلك من الضروري أن تكون قادراً على تقديم الدعم الجسدي والعاطفي له أثناء تكيفه مع الحياة بوجود هذا الاضطراب.

هناك العديد من الطرق التي يمكنك من خلالها مساعدة المصاب بمرض باركنسون، إذ يمكن أن تساعده من خلال التعمق بفهم مرض باركنسون لفهم ما يمر به بشكل أفضل، الأمر الذي يُحسن ويسرع الاستجابة لمتطلباته عندما يحتاج المساعدة.

من أفضل طرق العناية بالأفراد المصابين هو التأكد من أنهم يعيشون حياة نشطة على الرغم من حالتهم المَرضية، إذ يساعد العلاج الفيزيائي الدماغ على استخدام الدوبامين بكفاءة أكبر، الأمر الذي يلعب دوراً رئيسياً في التخفيف من الأعراض.

من الضروري أيضاً الحرص على ألّا يشعر المريض كما لو أنه فقد الاتصال بحياته الطبيعية، حاول ألّا تعامله بشكل مختلف أثناء تفاعلك وحديثك معه.

اقرأ أيضاً: هل هناك علاقة بين ارتفاع معدل سكر الدم والكوليسترول والإصابة بداء ألزهايمر؟

ماذا ننصح مريض باركنسون؟

من المهم أن ننصح المريض بالمحافظة على مستوى فعال من الحركة وذلك بممارسة الرياضة بانتظام والقيام بأنشطته اليومية الاعتيادية، الأمر الذي يمكن أن يحسن من الأعراض الحركية والتنسيق والتوازن، إضافةً لأنه يحسن الصحة النفسية ويساعد المريض على عيش حياة مُرضية أكثر.

أمّا بالنسبة للغذاء، فعلى الرغم من عدم وجود أي دراسات تثبت دور أي أنظمة غذائية في التخفيف من أعراض مرض باركنسون، إلّا أنه من المهم إدخال كمية وافرة من الفاكهة والخضروات التي تحتوي على العناصر الغذائية الأساسية في نظام الغذاء اليومي للمريض، الأمر الذي يحسن من أي اضطرابات معوية قد يعاني منها مريض باركنسون.

التحدي الأكبر الذي يواجهه أي مريض مصاب بباركنسون هو “كيفية إدارة الأعراض الخاصة به” حيث قد يكون هذا المرض معركة نفسية أكثر من كونه معركة جسدية، ولذلك يعد تقبل الأعراض وتعلم التعايش معها أحد أهم جوانب الحياة مع مرض باركنسون، إضافة إلى الالتزام بالأدوية وتعديل نمط الحياة بالشكل الذي يحقق حياة مُرضية أكثر.