هل ترتبط بصمات الأصابع بأكثر من نوع من المورثات؟

بصمات الأصابع
حقوق الصورة: ديبوزيت فوتوز.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

توجد على أطراف أصابعنا نقشات متنوعة ودقيقة، تساعدنا هذه النتوءات والأغوار الصغيرة في قلب صفحات الكتب والشعور بقوام الأشياء المختلفة والتمييز بينها. لكن يبدو أن بصمات الأصابع ليست فقط مجرّد علامات مميزة، إذ أنها تحتوي على دلائل تعطينا معلومات عن مراحل النمو المبكّرة. 

تبيّن دراسة جديدة نُشرت في دورية “الخلية” أن المورّثات التي لها علاقة بنمو الأطراف تؤثّر أيضاً على شكل بصمات الأصابع، وسابقاً، اعتقد الباحثون أن المورثات المسؤولة عن تشكّل الجلد هي المسؤولة عن أنماط بصمات الأصابع.

يقول “دينيس هيدون”، المؤلف المشارك للدراسة الجديدة، وعالم الأحياء المختص في النمو في جامعة إدنبرة، والذي يبحث في علم مورثات الاختلافات البنيوية في الجلد بين الأنواع المختلفة، مثل الشعر والريش والحراشف: “بصمات الأصابع هي سمات مثيرة للاهتمام في علم الأحياء البشري، وهي تُستخدم في سياقات عملية مثل تحديد الهوية، كما استخدمت في الماضي لتشخيص بعض الحالات المرضيّة”، ويضيف: “أعتقد أن ما حصلنا عليه في هذه الدراسة هو فكرة عن سبب الاختلاف بين بصمات الأصابع وعلاقتها بعملية نمو الأطراف”.

ما علاقة بصمات الأصابع بنمو الأطراف؟

يوضح هيدون أن الجلد المبكر لأجنة البشر بسيط للغاية. تنمو بصيلات الشعر، والأسنان، أو في هذه الحالة، نتوءات بصمات الأصابع، على باطن القدمين وراحتَي اليدين في الجلد الجنيني في مناطق مختلفة. استكشف هيدون وفريق من الباحثين الدوليين في تحليل كبير للحمض النووي لأكثر من 23,000 شخصاً من مختلف المجموعات العرقية الأسس الوراثية للاختلافات الفريدة في بصمات الأصابع.

يمكن أن يعود تفرّد بصمة الإصبع إلى بعض الميزات الدقيقة للغاية. وفقاً لهيدون، أحد الأمثلة على ذلك هو المواضع الدقيقة للحواف الموجودة في أطراف الأصابع. يقول هيدون: “يمكننا أن نلحظ انفصالاً في الحواف، أو توقّف حافة عند نقطة معينة. في بعض الحالات، تكون الحواف قصيرة جداً، مثل جزر صغيرة”. يضيف هيدون أن الغدد العرقية الموجودة على قمم الحواف، والتي لم تتم دراستها في البحث الجديد، تؤثّر أيضاً على شكل هذه الحواف. مع ذلك، تندرج عموماً العديد من بصمات الأصابع تحت 3 أنماط شائعة: ملفوفة، مقوّسة، أو حلقيّة.

يقول هيدون: “يمكن أن يكون هناك بصمات أكثر تعقيداً تحتوي على لفّات مزدوجة، ويمكن أن توجد حلقات معقدة، لكن تندرج كلها في هذه الفئات. هذا هو الموضوع الذي درسنا المورثات المسؤولة عنه في بحثنا”.

بصمات الأصابع
يبين هذا الشكل أنماط بصمات الأصابع البشرية الثلاث التي درسها الباحثون: المقوسة، الملفوفة والحلقية. حقوق الصورة: فودي وانغ.

اقرأ أيضاً: هل كان باستطاعة ثانوس فرقعة أصابعه فعلاً؟ العلم يجيب كلا

ماذا تقول المورثات عن بصمات الأصابع؟

فحص الفريق الحمض النووي الخاص بالمتطوعين لاكتشاف السبب الوراثي لهذه الأنماط، باحثين عن تركيب محدد للمورثات التي تغير فرص وجود نمط قوسي مقابل نمط حلقي أو نمط ملفوف. ما وجدوه هو أن العديد من المورثات التي تكمن وراء تكوين الأنماط الثلاثة لم تكن مرتبطة في المقام الأول بتكوين الجلد، ولكن بالأحرى في تكوين الأطراف والأصابع. للتحقق من ذلك، ركّز الباحثون على مورثة تدعى “إي في آي 1″، وهي مورثة معروفة تتعلق بنمو الأطراف لدى البشر تؤثر على الأصابع الوسطى الثلاثة في اليد.

قلّل الباحثون من تعبير هذه المورثة في الفئران، والتي ليس لديها بصمات أصابع ولكن لديها حواف مميزة تمتد عبر أجزاء من الأصابع، ولاحظوا أن الفئران التي لديها المورثة المعدّلة أظهرت تغيّرات في أنماط الحواف. يقول هيدون: “الاختلافات طفيفة … ولكن يمكننا أن نرى تحولاً في شكل تلك الحواف”، ويضيف: “هذا يدعم فكرة أن تلك المورثة تؤثر على شكل بصمات الأصابع لدى البشر، وعلى هذه النتوءات البسيطة التي نراها في الفئران”.

ما يخبرنا به هذا [بالنسبة للبشر] هو أن سبب التمايز بين الأنماط القوسية والحلقية والملفوفة هو طريقة نمو الطرف وتشكيله، وبالتحديد، كيفية تشكل الأصابع ونموها في الرحم قبل الولادة”.

تبدأ أطراف الجنين في النمو في الأسبوع الخامس من تشكّله. يوضح هيدون أنه نظراً لأن العظام وأجزاء من الأصابع الموجودة في اليد تبدأ في أخذ شكلها، فإن المورثات التي تشكّل الأطراف وتحدد أيضاً أنماط بصمات الأصابع تفعل فعلها في وقت أبكر بكثير من بدء ظهور البصمة. تظهر في يدي وقدمي الجنين في الفترة بين الأسبوع الثامن إلى العاشر من عمره رفادات راحيّة، وهي قطع من الجلد السميك المؤقت على راحة اليد وباطن القدم، تكون بارزةً بشكل خاص أثناء نمو أطراف الأصابع وأصابع القدم. يفقد معظم البشر هذه الرفادات قبل الولادة، لكن بعض الحيوانات تحتفظ بها، مثل الرئيسيات. يقول هيدون إن هذه الرفادات “تشبه أيدي الضفدع إلى حد ما”.

يوضح هيدون: “اقتراح العلماء في القرن العشرين أن شكل هذه الرفادات – ارتفاعها، وشكلها المحدد، وحجمها – يؤثر على مكان تشكّل نمط بصمات الأصابع”. أشار تحليل الفريق إلى أن طول الإصبع مرتبط وراثياً بأنماط بصمات الأصابع. لذلك، استنتج الباحثون أن طول الإصبع وحجم الرفادات وموضعها وطريقة تشكّلها تساهم جميعها في نمط بصمات الأصابع الناتج. يقول هيدون: “يبدأ التأثير الوراثي على نمط بصمات الأصابع في تلك المرحلة المبكرة من تشكيل النقاط التي ستتشكّل فيها البصمات”.

اقرأ أيضاً: مميزة كبصمات الأصابع: لماذا تختلف أصوات البشر؟

أبحاث واعدة في فهم الحالات المرضية الوراثية

يقول هيدون إن المورثات المسؤولة عن تكوين بصمات الأصابع يمكن أن تكون مفيدة في فهم الأمراض والحالات المرضيّة الوراثية. في حين أن الأدوات الجزيئية تعتبر أفضل للتشخيص، يمكن استخدام الحقائق الوراثية الكامنة وراء هذه الأنماط لفهم بعض الاضطرابات الصبغية بشكل أفضل، والتي تتغير بسببها بصمات الأصابع والتجاعيد على اليدين، مثل متلازمة “إدواردز” ومتلازمة “داون”. لكن هيدون يشير إلى وجود قيود وإفراط في استخدام بصمات الأصابع في تقييمات طبية معينة، إذ يقول: “نشر باحثون في علم النفس من قبل أن أنواعاً معينة من بصمات الأصابع مرتبطة بالفصام مثلاً”، ويضيف: “أنا أشكك للغاية في هذا البحث”. مع ذلك، يضيف أن هذه النتائج الأخيرة حول الأصول الوراثية لبصمات أصابعنا يمكن أن تكشف الكثير عن النمو الصحي للبشر.

يقول هيدون: “يمكن لطرق الدراسة الوراثية لأعداد كبيرة من السكان أن تعطينا فكرة عن عمليات النمو التي تحدث لدى البشر، والتي تكون في الحقيقة مخفية إلى حد كبير”، ويضيف: “آمل أن يتم تطبيق هذا النوع من الدراسات على خصائص أخرى لدى البشر، وكشف المزيد من المعلومات حول كيفية تطورنا وكيف نختلف عن بعضنا البعض”.