هل جاءت لبنات الحياة الأساسية على الأرض من الفضاء؟

هل جاءت لبنات الحياة الأساسية على الأرض من الفضاء؟
حقوق الصورة: شترستوك.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ماذا حدث منذ 4 مليارات عام على كوكب الأرض؟ وكيف نشأت الحياة عليها؟ في محاولة للإجابة عن هذه التساؤلات وتحديد أصل الحياة على الأرض، قام فريق من الباحثين اليابانيين بالتعاون مع وكالة ناسا بالتحقق من محتوى ثلاث عينات من النيازك كانت قد سقطت على الأرض خلال القرن الماضي، وكان ما اكتشفوه مذهلاً؛ فقد احتوت جميع العينات على القواعد النووية الخمسة المكونة للحمض النووي.

اللبنات الأساسية للحياة في الصخور الفضائية

تشكل القواعد النووية الخمس: الأدينين، والجوانين، والسيتوزين، والثايمين، واليوراسيل اللبنات الأساسية للحمض النووي منقوص الأكسيجين (DNA) والحمض النووي الريبي المرسال (RNA)، إذ ترتبط مع سكر خماسي والفوسفات لتشكل الشيفرة الجينية. وفقاً للدراسة التي نُشرت في دورية “نيتشر كوميونيكيشنز” (Nature Communications)، افترض الباحثون أن الوحدات الكيميائية الأساسية للحمض النووي قد تكون تشكلت في الفضاء، ووصلت لاحقاً إلى الأرض عن طريق النيازك، بعبارة أخرى، جاءت أسلاف الحياة على الأرض من الفضاء.

الحمض النووي هو جزيء ضخم وبوليمر يتكون من وحدات تدعى نيكليوتيدات، وكل منها يتألف من قواعد نووية مرتبطة بحمض الفوسفوريك وسكر خماسي. تصطف القواعد النووية المتطابقة في شريطين فيأخذ الحمض شكل سلّم ملتو، بينما يتكون الحمض النووي الريبي من شريط واحد مع اختلاف بالقواعد النووية.

اقرأ أيضاً: فك شيفرة التاريخ البشري من خلال دراسة الحمض النووي للأسلاف

يحتوي كل من DNA و RNA على السيتوزين والجوانين والأدينين، ويتميز DNA بقاعدة الثايمين بينما يتم استبدالها في الـ RNA باليوراسيل. من الناحية الكيميائية، يدخل في تركيب كل من اليوراسيل والسيتوزين والثايمين جزيء البيريميدين، وهو حلقة عطرية سداسية، يمكن القول إنها بيريميدينات تختلف بالمجموعات الوظيفية المرتبطة بها، أما الأدينين والجوانين، فيدخل في تركيبهما جزيء البيورين وهو حلقة عطرية سداسية مدمجة بحلقة خماسية، أي أن الأدينين والجوانين هي بيورينات تختلف عن بعضها بالمجموعات الوظيفية الجانبية.

اقرأ أيضاً: الحمض النووي القديم يحل بعض ألغاز حياة البشر الأوائل في إفريقيا

العثور على سلائف القواعد النووية

قد لا يكون هذا الاكتشاف الأول من نوعه؛ حيث استطاع الباحثون سابقاً تحديد قاعدتي الأدينين والجوانين من البيورينات واليوراسيل من البيريميدينات، بالإضافة إلى بعض المركبات العضوية مثل السكر والأحماض الأمينية، ومركب “هيكسا ميثيلين تترامين” (HMT)، الذي يعد الأساس في تكوين الجزيئات العضوية في صخور النيازك الكربونية، وأشاروا إلى احتمال وجود الثايمين والسيتوزين بشكل كامن.

وفي الدراسة التي نُشرت في 26 أبريل/ نيسان 2022 استطاع الباحثون اليابانيون الكشف عن آخر قاعدتين نوويتين، وتحديد جميع القواعد النووية الخمسة في عينات النيازك. وعبّر الباحث “ياسوهيرو أوبا” من جامعة هوكايدو في اليابان والمؤلف الأول للدراسة، عن دهشته لوجود السيتوزين لكونه مكوناً حساساً وغير مستقر ويمكنه التفاعل مع الماء، إذاً كيف استطاع فريق الباحثين من الكشف عنه؟

التحليل بتقنيات حديثة: الاستخلاص البارد

في التحاليل السابقة لم يتمكن العلماء من الكشف عن السيتوزين والثايمين، مشتبهين بتدميرها خلال عمليات الاستخلاص، حيث اعتمد العلماء على تحليل العينات بحمض الفورميك الساخن، وهو مادة شديدة التفاعل ويمكنها تدمير الجزيئات الدقيقة. أما في الدراسة الحديثة فقد اعتمد الباحثون على الطريقة التي ابتكرها أوبا قبل عدة سنوات خلال استخلاصه لسكر الريبوز في عينات نيزكية، مُستخدماً الماء البارد عوضاً عن حمض الفورميك الساخن، ما يحافظ على سلامة القواعد النووية الحساسة، ويمنعها من التحلل. بالإضافة إلى ذلك، استُخدمت الأدوات التحليلية فائقة الحساسية مثل الكروماتوغرافيا السائلة عالية الأداء، وكشفوا التركيب الكيميائي الدقيق للمستخلص باستخدام مقياس الطيف الكتلي، فاستطاعوا الكشف حتى عن أصغر الجزيئات بما فيها السيتوزين، وحددوا القواعد النووية الخمسة.

باعتماد ذات التقنية حلل الفريق البحثي التربة الأرضية التي تم جمعها من موقع سقوط أحد العينات النيزكية في أستراليا، وقاسوا محتواها من المركبات العضوية المكتشفة، فكان بعضها أكثر وفرة في عينة النيزك مقارنة بالتربة المحيطة بها، ما يدلّ على أنها جاءت من خارج الكوكب ومحمولة على النيازك، في حين كانت نسبة السيتوزين واليوراسيل في التربة أكثر بنحو 20 مرة من النيازك، وهو إشارة لحدوث تلوث أرضي.

اقرأ أيضاً: الإمارات تصنع محلولاً لاستخلاص الحمض النووي لفيروس كورونا

محاكاة لوسط النجوم: حل لغز البيريميدينات

وفقاً لتجارب مخبرية تحاكي ظروف الفضاء الخارجي، خلص مؤلفو الدراسة إلى إمكانية تشكّل كل من البيورينات والبيريميدينات في تفاعلات كيميائية مشابهة لتلك الموجودة في السحب الجزيئية بين النجوم بوجود الضوء، ثم يمكن دمجها في الكويكبات والنيازك خلال مراحل تكوين النظام الشمسي. ولكن بقيت ندرة تواجد البيريميدينات مقارنة بالبيورينات لغزاً محيراً للعلماء.

اقترح أوبا أنه يمكن لحلقة الإيميدازول الخماسية أن تحل اللغز، حيث ثبت أن الإيميدازول الذي يدخل في تركيب البيورينات فقط دون البيريميدينات يتواجد بكثرة في النيازك، وبالتالي تحدث تفاعلات تخليق البيورينات بشكل أكبر، علاوة على ذلك يعمل الإيميدازول كمحفز لانطلاق تفاعلات تكوين البيورينات.

اقرأ أيضاً: هكذا دبت الحياة على الأرض بعد الانقراض العظيم

 لم تقدم الدراسة دليلاً لأصل الحياة على الأرض، ولم تستطع الإجابة عن التساؤلات فيما لو كانت الحياة قد نشأت خارج الكوكب في الفضاء، إلا أنها قدمت رؤية مهمة حول بداية تشكل المواد العضوية وتطورها خارج كوكبنا، وأضافت مزيداً من القرائن للعمل عليها في كشف أصل الحياة على الأرض.